ألف مبروك لعروس الخليج” البصرة"، وهذا لقب تداولت التسمي به دول مجلس التعاون الخليجي، وأشهرها "البحرين" لوقوعها في قلب الخليج، والبصرة عروس الخليج الرابضة على مقربة من مدين. "الفاو" حيث مصب "شط العرب" في مياه الخليج العربي ، هي بامتياز التي فازت بجدارة بالتتويج بكأس "خليجي 25" إثر فوز المنتخب العراقي على نظيره المنتخب العُماني الشقيق بثلاثة أهداف مقابل هدفين ، في مباراة لم يشهد لها تاريخ كرة القدم مثيلاً، حيث توافدت ألوف الجماهير المشجعة إلى ملعب "جذع النخلة" من كل المحافظات الدانية والقاصية لدعم منتخبه في ملحمة مساندة أسطورية، وقُدمت في سبيل اجتياز هذه الملحمة تضحيات هائلة في الأنفس والمال لعل آخرهم القتيل الذي سقط من جراء التدافع للدخول إلى الملعب في صباح يوم المباراة. وقبل ذلك بيومين أو ثلاثة ضحت الناصرية بسبعة من أبنائها الذين كانوا في حافلة متجهة للبصرة إثر حادث سير وهي المدينة نفسها التي كانت من أكثر المحافظات التي شارك أبناؤها البررة في الانتفاضة التشرينية وسقط العديدون منهم شهداء في تصديهم لرصاص الفاسدين والمفسدين ومن خلفهم المتنفذون.   

وبإرادته الجبّارة أجتاز الشعب العراقي ملحمة انتصاره الرياضية العظيمة في الفوز وفي نجاح تنظيم الدورة، بكل مالها من أبعاد رياضية وسياسية. فأن تصنع دول العالم المتقدمة رياضياً نجومها الكبار، وعلى الأخص في الغرب، ثم تتباهى بإنجازاتهم وبطولاتهم العالمية فهذا أمر مفهوم، لكن أن ينجح في تنظيم بطولة كأس الخليج بلد عربي ويفوز بهذه البطولة في ظل ظروف استثنائية سياسية واقتصادية اجتماعية بالغة التعقيد والتحبيط غنية عن البيان، ومازال يمر بها فهذه معجزة، وهنا بالضبط مكمن عظمة الملحمة الرياضية العراقية التي تابعها عشاق الكرة في كل أرجاء عالمنا العربي وعدد غير قليل من دول العالم. كان يُراد لهذا "العرس الخليجي" الجميل أن يُفشل من قِبل قوى أجنبية وداخلية لدوافع سياسية معروفة، لكن كيدهم أرتد إلى نحورهم، إذ نجح هذا العرس بأروع ما يكون، في أن يوحد الشعب، وتم فيه زف عروس خليجنا العربي بأفضل ما يليق، وبمشاركة شعبها من مختلف محافظاته، ومن كلا الجنسين، وبمشاركة جماهيرية واسعة من كل الأقطار العربية في الخليج، فألف مبروك لعروسنا الخليجية "البصرة" وألف مبروك لكل العراق. ألف مبروك للشعب العراقي الذي فوّت بوعيه العظيم وبجذوره التاريخية في الكرم العربي الأصيل الفرصة على المتربصين للتشكيك في صدق هذا الكرم بدون مقابل، والذي شهدت به كل شعوبنا الخليجية وعجزت عن التعبير عنه بالكلمات. ألف مبروك للشعب العراقي الذي آزر فنانونه منتخبهم بأجمل الألحان والكلمات والألحان. وتغنت الملايين العراقية بها في مؤازرة منتخبهم، ونال إعجاب كل الشعوب الخليجية التي تابعت الملحمة؛ لما للفن الغنائي العراقي من جاذبية ومكنة لدى كل أقطار الخليج . 

وبسبب هذا التمازج العراقي الخليجي جاء كرم جامعة البصرة العظيمة باستضافة نحو 25 بحرينياً من قدامى خريجيها لمتابعة عرسها الرياضي. فشكراً لهذه الجامعة العلمية الشامخة، وشكراً لكل طلابنا البحرينيين الذين لبوا دعوتها، وذلك بعد انقطاع أكثرهم عنها انقطاعا دام أكثر من 40 عاماً. وهي بالضبط الفترة التي كان يُراد فرض العزلة على الشعب خلال عهد الطاغية المقبور الذي تسبب لغزوه الكويت في حصار العراق 13 عاماً، ثم أستمر هذا الحصار خلال الاحتلال الأميركي، ومن بعده في فترة " داعش" الذي هُزم بفضل صمود وبطولة هذا الشعب في المقام الأول. وأخيراً ألف مبروك لهذا الشعب العظيم الذي اٌريد استمرار عزله عن محيطه الخليجي والعربي، من خلال جعل الملعب "مأتماً حسينياً" لاستفزاز ليس الأخوة الخليجيين فحسب، بل والنسيج الجميل لمنتخبهم وجماهيرهم المؤازرة من مختلف أطيافها القومية والدينية، لكن الشعب كان أوعى من الوقوع في هذا الفخ الخبيث؛ وهنا بالضبط مكمن سر فرحة العراقيين التي لا تُوصف. وتلفهم الشديد لزفاف عروس الخليج. 

قبل بضعة شهور كتبنا مقالاً بعنوان "العراق لا يتنفس" بسبب الضجة التي أثارتها فئة دينية لعلها محسوبة -كما يبدو على القوى المتنفذة- ضد احتفال خريجي إحدى كليات جامعة بابل؛ بدعوى أن الاحتفال اُقيم باختلاط بين الطالبات والطلاب من الخريجين وتصدح فيه الأغاني والرقص، حيث صُور على غير مراميه البريئة، وبموازاة موسم من الجفاف، واليوم وفي ظل أمطار غزيرة هطلت على بعض مباريات "مونديال 25" فرضت الجماهير المؤازرة مثل هذا الاحتفال الذي على مدرجات الملعب. والمؤكد فإن عراق ما قبل "خليجي 25" لن يكون هو عراق ما بعده.

عرض مقالات: