إختارت السويد، البلد الديمقراطي المسالم، الذي لم يدخل حروبا ولم يشهد أزمات حادة، والذي يهتم بالصحة العامة ويتمتع مواطنوه بالضمان الصحي المتميز، ويعيش سكانه على مساحة واسعة نسبيا فلا تزيد كثافته السكانية على ٢٣ نسمة/كم، ويتنفسون في بيئة صحية، حيث الأرخبيل الجميل والمساحات الخضراء الخلابة والغابات الكثيفة التي تغطي ٥٣ في المائة من مساحة البلد، فيما الجبال تشكل ١١ في المائة منها، والبحيرات والأنهار ٩ في المائة والأراضي المزروعة ٨ في المائة.. إختارت نموذجها الخاص في التعامل مع جائحة كورونا، وقد تحسبت وهي تضع رؤيتها في شأن ذلك الى متغيرين، الأول هو الخسائر التي تخلفها الجائحة، والثاني هو كلفة الآثار الإقتصادية للإجراءات الذي تتخذها على هذا الصعيد.
وقد إهتمت مواقع التواصل الاجتماعي كما إنشغل الإعلام بهذا النموذج السويدي في مواجهة فيروس كورونا، وامتد الاهتمام به الى البيت الأبيض الامريكي، حيث انتقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمراته الصحفية اليومية.
عن النموذج
النموذج السويدي وباختصار شديد، إبتعد عن الإجراءات الصارمة التي إتخذها أغلب البلدان، كحظر التجوال والعزل الصحي وارتداء الكمامات والقفازات وتعطيل النشاطات العامة الإعتيادية. وقد أشاد مايك راين الرئيس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، في المؤتمر الصحفي للمنظمة يوم ٢٩ نيسان٢٠٢٠ في ستوكهولم، بالنموذج السويدي وهو يتحدث عن جائحة كورونا، ونقل عنه موقع "كومبس" أشادته بالإستراتيجية السويدية في مكافحتها، وقوله إنها "تمثل نموذجاً مستقبليّاً".
فقد واصل السويديون حياتهم اليومية العادية مع بعض الإجراءات المخففة نوعا ما، التي سيمر ذكرها لاحقا. ويمكن القول إن الفكرة الأساسية تكمن في أن كل اجراء يتم إتخاذه ينطلق من طبيعة البلد وخصائص الشعب. فمثلا تطبيق فكرة التباعد الاجتماعي جاء سلسا الى حد ما بفضل أسلوب حياة السويديين ذاته، حيث اعتاد الناس العيش بنوع من العزلة وعدم الاختلاط حتى في الظروف العادية. وفي مثل هذه الظروف يكون التشدد أكثر، لأنه يستند الى الوعي بمخاطر الفايروس، مع مراعاة حرية المواطن في إطار مسؤوليته الفردية، التي تفرض عليه الالتزام طوعيا بإجراءات محددة.
هيأة الصحة العامة
سلمت الحكومة إدارة التعامل مع الجائحة الى هيأة الصحة العامة، التي تضم مجموعة علماء من مختلف الاختصاصات الطبية والإجتماعية، ولا يتدخل الساسة في عملها. وقد لاقت قراراتها تأييدا بإجماع الحكومة، وقبولا من المعارضة ورضا شعبيا عاما. لكن ذلك لم يخلُ من تساؤلات ونقد، ومن ذلك الموقف الإنتقادي الذي تجسد في مذكرة وقعها ٩١٣ تربويا من مختلف المدارس الابتدائية السويدية، ونشرته جريدة افتون بلادت السويدية.
ويترأس الهيأة عالم الوبائيات السويدي الشهير(أندرس تيغنيل)، وهو مستشار الدولة لشؤون الأوبئة، وذو خبرة متراكمة في هذا المجال، كما انه مثير للجدل خصوصا في الاوساط الطبية والعلمية السويدية، وقد تعرض الى نقد علمي من اختصاصيين سويديين كبار، رغم خبرته الكبيرة. فقد سبق وقدم خدماته في أفريقيا ومناطق مختلفة من العالم، حيثما تفشى بعض الأوبئة. ويعقد هذا العالم مع فريقه مؤتمرا صحفيا كل يوم، باستثناء يومي السبت والأحد، معتبرا نشر المعلومات وإتاحتها للمواطنين والشفافية عموما أهم أعمدة النظام الديمقراطي في السويد.
وإعتمدت الهيأة في رسم رؤيتها على الثقة العالية بالمواطن السويدي، وعلى تميزه بالإنضباط الذاتي وتصرفه بمسؤولية دون الحاجة إلى أوامر من السلطات. وإنطلاقا من عدم إستطاعة الناس العيش ضمن إجراءات متشددة، وعدم تحملهم توقف الحياة بصورة معينة لفترات طويلة، فقد تركت للمواطنين حرية التصرف وتحمل المسؤولية إنطلاقا من الوعي وإدراك الخطر. وعملت على إشراك المواطنين في عملية إبطاء إنتشار الفيروس، ومنع تفشي المرض، ضمانا لقدرة القطاع الصحي على مواصلة التعامل مع حالات الاصابة ما بقيت محدودة، وطالما يصاب الناس في فترات متباعدة، وريثما يتم التوصل الى اكتشاف العلاج الفعال واللقاح المناسب. وهكذا تسعى الهيأة الى تطوير ذاكرة مناعية للمجتمع. وهذا ما جعل منها موضوعا إشكاليا مثيرا للجدل، وإعتبرها بعض الباحثين "مكيدة وقائيّة". فالذاكرة المناعية بعكس ما يعتقد الناس، لا تقوم على مقاومة الأصحّاء للمرض، بل بالعكس تقوم اساسا على قاعدة دفاعيّة قوامها أنّ من يقاومون المرض هم حاملو المرض. فهو يقوم مقام اللقاح في حال عدم وجود اللقاح المناسب. وهذا يعني أنّها تقوم على مبدأ انتشار العدوى وليس مكافحتها وحصرها. أي كلّما اتسع المرض وازداد عدد المصابين، تعزّزت إمكانية مقاومته باكتساب المناعة الضرورية المطلوبة. لذلك شبهها البعض بنظريّة "مالثوس" سيئة الصيت، التي تربط بين الحرب والتوازن السكانيّ.
أما جواب (أندرس تيغنيل) على النقد الواسع الذي تعرض له النموذج السويدي، فقد اوجزه بالقول أن البلدان التي اتخذت إجراءات متشددة، لم توقف استمرار تفشي الفايروس ولم يقف عدد الموتى فيها عند حد. وكانت اجابته على سؤال مراسل رويترز، بصدد نقد ترامب للنموذج السويدي، كما يلي: "نحن لا نشاركه رأيه.. الرعاية الصحية لدينا واحدة من الأفضل في العالم.. وبالمقارنة مع الوضع في نيويورك، فإن الوضع بالسويد أفضل بكثير". اما وزيرة الخارجية السويدية آنا ليندي فقالت في ردها على ترامب: "إذا كنت تنتقد دون معرفة ما نقوم به فهذا ليس أمرا جيدًا" وأضافت: "ليس لدينا قفل نغلق به المجتمع كله".
معلوم ان ترامب تراجع عن انتقاداته للسويد يوم ٣٠ نيسان ٢٠٢٠، حين قال أن السويد "بلد يستشهد به دائماً كمثال عند مناقشة الطرق المختلفة للتعامل مع جائحة كورونا". وفي الواقع لا يعتد بتقييمات ترامب، سواء كانت سلبية او إيجابية، لأنها لا تستند الى إستشارة خبراء أو متخصصين في الموضوع.
وبطبيعة الحال جاءت تصريحات ترامب متزامنة مع النقاش الدائر في عدة ولايات أمريكية حول كيف ومتى يتوجب إعادة فتح المجتمع، الامر الذي لا يخلو من ضغط الشركات الرأسمالية، التي تفاقمت ازمتها، وهو ما سنعود اليه.
إجراءات مواجهة الجائحة
وضعت الهيأة مجموعة توصيات أمام الحكومة، التي حولتها فورا إلى قرارات وإجراءات وسياقات عمل. ولم يكن بينها حظر التجوال، ولا ارتداء القفازات والكمامات، ولا غلق المؤسسات الرسمية والقطاعات التجارية والإقتصادية. وتركت خيار إدارة الأعمال عبر الانترينت من البيوت لمن يستطيع. وإستمرت خلال ذلك حركة النقل، وبقيت المطارات مفتوحة أمام الملاحة الجوية، واستمر الدوام في رياض الأطفال والمدارس التمهيدية، لكن قرار الهيأة كان صارما في مسألة غلق الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية، حيث اتبع أسلوب (الدراسة عن بعد On line) في المنازل عبر الانترنيت.
وطلبت الهيأة من المواطنين تجنب المصافحة والعناق والإزدحام. ومنعت تجمع أكثر من خمسين شخصا، بعد أن كان ذلك قبل ٢٩ اذار ٢٠٢٠، محددا بخمسمائة شخص. كذلك التشدد في غسل اليدين وعدم الذهاب ألى المستشفى في حال الشعور بأعراض المرض، بل التواصل مع الرعاية الصحية عبر رقم هاتف خاص. ومنعت ايضا الإجتماعات العامة والإحتفالات الكبيرة.
بهذه الإجراءات توقعت الهيأة أنخفاض سرعة إنتشار المرض، وعندها يخلق المجتمع مناعته الخاصة، من دون وضع القطاع الصحي تحت ضغط عدد كبير من الإصابات. وكانت عيون الناس تتطلع الى تحقق هذه التوقعات.
إنتشار الفايروس والإجراءات
لم تُعقْ هذه الإجراءات غير المشددة تفشي الفايروس في السويد، كما لم تحد من إنتشاره الإجراءات المشددة التي إتخذتها بقية دول العالم، بضمنها الولايات المتحدة وبلدان أوربا، بإستثناء هولندا وبريطانيا اللتين ما برحتا تشددان إجراءاتهما.
أما بخصوص تجربة الصين فان نجاحها اعتمد على خصوصية الصين نفسها، وكونها ذات نظام شديد المركزية في إدارة الدولة. ومعلوم أنها تتبع اساليب الامن الألكتروني والرقابة الرقمية، وان إجراءاتها تنطلق من طبيعة النظام وطاعة الشعب لإجراءاته المشددة. وإذا كان الإرغام يدفع المواطن في الصين الى طاعة النظام والإلتزام بتعليماته، وقد نجحت إجراءاته هذه في ووهان الصينية، فليس له بالضرورة أن ينجح في السويد، كما علق عالم الوبائيات السويدي (أندرس تيغنيل).
ان النموذج السويدي لم يُعق إنتشار الفايروس، ولم يمر من دون خسائر، ولا يوجد في الإفق ما يؤشر وقف الخسائر، وستكون في انتظار السويد "أوقات طويلة وصعبة قبل انتهاء أزمة كورونا" كما قال رئيس الوزراء السويدي في خطابه يوم أول أيار الجاري.
لقد بلغ عدد المتوفين في السويد حتى امس الاثنين (4 أيار) 2769 شخصا، وإحتلت السويد المرتبة العشرين عالميا في عدد الإصابات، التي تركزت في بيوت المسنين والعجزة ومناطق المهاجرين، وكانت نسبتها أعلى بين ذوي الأعمار الكبيرة، الذين لا يخلون من أمراض الشيخوخة وغيرها. وجاءت الإصابات بين فئة كبار السن، كما صرح رئيس الهيأة، بسبب عدم الإلتزام بالتوصيات الإحترازية، مشيرا الى أن معدل الإلتزام منهم بلغ ١٥في المائة خلال الشهرين الاولين، ثم تصاعد الى ٧٥ في المائة في فترات لاحقة.
وقد نظم المجتمع المدني السويدي حملات تطوع لمساعدة المسنين في التسوق، ولتيسير أعمالهم والاهتمام بهم. وإحتلت المناطق التي يعيش فيها المهاجرون المرتبة الثانية في عدد الإصابات بعد أماكن دور كبار السن، وكانت النسبة الأكبر من المصابين بالفايروس من اصول صومالية وعراقية وسورية وأفغانية، حسب الترتيب. علما أن الإصابات إنخفضت لاحقا، وفق ما صرحت به سمية الشكرجي الطبيبة في مركز رينكبي الصحي، التي تعافت من اصابتها بالفايرويس، للتلفزيون السويدي SVT يوم ٢٩ نيسان ٢٠٢٠ حيث قالت: "شهدنا انخفاضاً واضحاً في تدفق المرضى على عيادات العدوى، وهذا مفرح جدا ويبعث شعورا إيجابيا".
ويعود تركز الإصابات في مناطق المهاجرين ايضا الى عدم الإلتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، والى المصافحة والعناق اللذين تفرضهما العادات والتقاليد الاجتماعية، ومسؤولية السلطات عن عدم او قلة نشر مواد التوعية ببعض لغات المهاجرين، إلى جانب الكثافة السكانية في بعض الضواحي التي يقطنها المهاجرون. علما ان عدد المهاجرين يقارب مليونين ونصف المليون، وهم يشكلون ٢٥ في المائة من العدد الإجمالي للسكان البالغ عشرة ملايين ومائتي ألف.
موقف الحكومة
من تصاعد القلق والاستياء
استطاعت الحكومة بمساهمة نشيطة من الإعلام، تبديد القلق والإستياء من الإجراءات المتراخية التي تتخذها الهيأة، في ظل تصاعد أعداد المصابين. فلم يتأخر رئيس الوزراء ستيفان لوفين، وقال في احد تصريحاته: "علينا كراشدين ألا ننشر الفزع والذعر أو الشائعات. فهذه الأزمة تواجهنا جميعا، وعلى كل منّا مسؤولية جسيمة إزاءها". كذك تعهدت الحكومة بتوفير المواد الغذائية وكل المستلزمات المعيشية، وستبقي المخازن والأسواق مفتوحة، وطلبت من المواطنين عدم المبالغة في التسوق كما حدث في بلدان أخرى، حيث أفرغ الناس رفوف المتاجر من ورق التواليت، وحيث صرح أحد المسؤولين مازحا "نحن من الدول التي تغطيها الغابات، فكيف يمكن ان تجدوا شحة في ورق التواليت؟" ومع ذلك تصاعد شراء ورق التواليت بنسبة ٧١ في المائة!
وأسهمت وفرة المعلومات ومواصلة المؤتمرات الصحفية اليومية، والنشر في مختلف وسائل الإعلام بعشر لغات منها العربية، بشكل فعال في نشر الوعي الصحي وادراك ضرورة الإلتزام بالتباعد الاجتماعي والكف عن التجوال غير الضروري، وقصر الحركة على الغايات الأساسية. وهذا ما أدى الى خفض أعداد مستخدمي وسائط النقل العام في تنقلهم، إلى النصف. فيما إختار العديد من الشركات والمؤسسات الرسمية والخاصة العمل داخل البيوت.
وعلى عكس البلدان التي فاضلت في علاج المصابين بالفايروس بين الأقل والأعلى عمرا، سعت السويد إلى حماية كبار السن وضعيفي المناعة، وعدتهم الأحوج للمعالجة والإهتمام. ومع ذلك ظهرت دعوات اعتُبرت "فضاعات" غير متوقعة، وجاءت نتيجة للضغط الذي عانى منه القطاع الصحي الذي لم يكن مستعدا للجائحة هذه. فقد نشرت صحيفة "أفتون بلادت" يوم ٩ نيسان ٢٠٢٠، ما عُرف بـ "وثيقة كارولينسكا"، وهي وثيقة طبية أصدرها مستشفى كارولينسكا في ستوكهولم، تتضمن قرارا بمنح أطباء المستشفى صلاحيّات، منها حرمان من بلغوا الثمانين فأكثر، وذوي الأمراض المزمنة مثل القلب والكلى والرئة ممن بلغوا الستين عاماً فما فوق، ومن لديهم تشخيص طبي يفيد أنّهم معرّضون للموت خلال فترة ستة أشهر إلى سنة، حرمانهم من الحصول على مكان في العناية المركّزة، كذلك صلاحية قطع العلاج عن المصاب الذي يصعب عليه تقبل العلاج.
لكن هذا كله لاقى معارضة قوية ورفضا شديدا، ولم يؤخذ به في النهاية، وأكد يوهان كارلسون، احد اعضاء هيأة الصحة العامة ان "التدابير التي نتخذها تهدف إلى الحد من إنتشار العدوى وحماية الفئات الأكثر ضعفا).
الإمكانيات التي وفرتها الحكومة
خصصت الحكومة مستشفيات للمصابين بفيروس كورونا، وحولت منطقة المعارض في العاصمة ستوكهولم الى مستشفى تم تجهيزه خلال عشرة أيام بالجهد العسكري، كما تم تجهيز مستشفى آخر في مدينة غوتنبورغ.
وما زالت مستشفيات السويد قادرة على إستيعاب المصابين، فهناك ٢٠ في المائة من غرف الإنعاش غير مشغولة، وليس كما في بعض دول أوروبا الاخرى، حيث امتلأت ممرات المستشفيات بالمصابين.
ومما يستحق الاشارة أن ليس كل من تظهر عليه أعراض الفايروس يدخل المستشفى، بل تم تقسيم الإصابات الى ثلاثة مستويات، الأول حين تكون الأعراض غير خطيرة ولا تتطلب دخول المصاب الى المستشفى، فيطلب من المريض البقاء في المنزل ويتم التواصل معه عبر الهاتف لإيصال التعليمات وتوصيات الوقاية والإلتزام بالحجر الصحي. والمستوى الثاني هو الذي يتطلب النقل للمستشفى يكون المصاب تحت الرعاية الطبية. اما اما المستوى الثالث فهو الحرج، الذي يكون حال المصاب فيه شديد الخطورة، وهو يحظى بعناية خاصة في أحدى غرف الإنعاش المزودة بالأجهزة الطبية والمستلزمات اللازمة للحالات الطارئة.
وأقرت الحكومة ايضا مجموعة قرارات لدعم الشركات التي تضررت جراء انتشار الفايروس، مثل منحها مساعدة شهرية كي لا تدفعها الازمة الى إعلان الإفلاس . كذلك حولت الحكومة إقتراحا الى البرلمان يمكنها من السماح لطلاب الكليات والمعاهد المهنية وتعليم الكبار، بالاحتفاظ بتمويل دراستهم.
تأثير كورنا
على الحركة الاقتصادية الداخلية
معلوم ان الإقتصاد السويدي كاقتصاد رأسمالي يعيش الأزمة ذاتها التي تمر بها الرأسمالية. وقد توقعت وزيرة المالية ماغدالينا أندرشو، في مؤتمر صحفي عقدته يوم ٣١ آذار ٢٠٢٠، أن تبلغ نسبة العجز في ميزانية البلاد ٣.٨ بالمائة من النتائج المحلي الإجمالي، وأن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٤ بالمائة، وأن ترتفع نسبة البطالة إلى ٩ في المائة بعد ان كانت قد استقرت عند ٧ في المائة. وهذا يعني أن نحو نصف مليون مواطن سيكونون ضمن جيش العاطلين عن العمل. ومع ذلك فان الاقتصاد السويدي أكثر إستقرارا من بقية البلدان المنافسة على ساحة الإقتصاد العالمي، حيث شهد أعلى معدل نمو في السنوات الست الأخيرة، بلغ ٥،٦ في المائة، وصاحبه إنخفاض في معدلات التضخم. وسبب ذلك هو اعتماده على آخر الإبتكارات والتقنيات الأكترونية، والإقتصاد الرقمي الفعال، وشبكة النقل الواسعة والمتطورة. وذلك كله من عوامل احتلال السويد موقعا متقدما بين دول العالم من حيث الرفاه الاجتماعي. فمستوى الإنفاق الاجتماعي فيها عالٍ جدا مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وهي تتبنى نظاما ضريبيا عادلا يعتبر الأعلى في العالم، باتباعها سياسة ضريبية متصاعدة.
ورغم كل ما مر ذكره، يبقى السؤال ملحا: هل يحول النموذج السويدي في التعامل مع الجائحة دون تأثيرها وتداعياتها على الاقتصاد السويدي؟
لقد تركت الجائحة على السويد كما على غيرها من دول العالم آثارها الإقتصادية، لأسباب عديدة لا يتسع المجال هنا لبحثها. لكن يمكن القول إن السويد لا تعيش في جزيرة منعزلة عن العالم، وأن اقتصادها مرتبط إرتباطا وثيقا بالإقتصاد الرأسمالي العالمي، لذلك تأثر بالأزمة. ومع ذلك فأن الحركة الإقتصادية في السويد أفضل نسبيا مما في باقي دول أوربا، التي إنتهجت طريق الحظر والإجراءات المشددة وتعطيل الحياة العامة. ويمكن تلمس ذلك عبر المؤشرات التي نشرتها جريدة افتون بلادت السويدية في عددها ليوم ١٧ نيسان ٢٠٢٠، والتي اظهرت تراجع حركة السوق في السويد بنسبة ٣٠ في المائة، بينما تراوحت مثيلتها في بقية الدول الاسكندنافية بين 50 و 60 في المائة. لكن هذا الفرق رغم أهميته لا يبدد قلق السويديين، وخشيتهم من تزايد نسبة البطالة. وحسب الموقع الألكتروني (واقع السويد) أعلن المدير العام لشركة الطيران الاسكندنافيةSAS ، ريتشارد كوستافسون، عن إخطار ١٩٠٠ موظف سويدي بإنهاء اعمالهم، بسبب تضرر الشركة الشديد من الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا. وسيستمر الخوف من خطورة المشاكل التي تواجه الشركات الخاصة، كما صرح سفانتي فيرغر المستشار الإستراتيجي في هيأة الطوارئ وحماية المجتمع، وهي الهيأة التي اعدت إستطلاعا نشر يوم ٢٧/٤/٢٠٢٠على موقع الكومبس السويدي، وأظهر ان "تراجع الإقتصاد هو مبعث القلق الأول لدى السويديين خلال أزمة كورونا".
ويبدو ان السويد على موعد مع "معركة سياسية كبيرة بعد الازمة تتمحور حول الضمان الاجتماعي"، كما بيّن كارل بيتر ثوروالدسون رئيس اتحاد نقابات العمال (LO)، في مؤتمر صحفي عقده بمناسبة عيد العمال العالمي.
في المقابل يبدو ان الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بلدان أوربية، ستضطر الى التخفيف من بعض شدة الإجراءات التي فرضتها للحد من آثار الأزمة الأقتصادية، وهذا ما يستحق معالجة مستقلة. فمن المتوقع بعد أزمة إنخفاض أسعار النفط ان ترفع الشركات الرأسمالية الحظر، وتباشر تخفيف الإجراءات في اتجاه إلغائها نهائيا. كما يحتمل أن يتم الإعلان عن إنتاج علاج للجائحة، يكون دافع انتاجه وتسويقه الربح، إلى جانب الهدف الأساسي منه وهو عودة الأسواق الى حالها السابق.
أخيرا .. يصعب في الوقت الحاضر الحكم بنحو قاطع بشأن نجاح او فشل النموذج السويدي في التعامل مع الجائحة، خاصة وان العلماء لم يقولوا كلمتهم الفصل في ذلك، كما لم يتوصلوا الى اكتشاف العلاج والمصل الواقي، وفي ظل عدم اليقين من إمكان تدفق موجة (موجات) أخرى من كورونا.