عامان مرا غاب فيهما مهرجان صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي (اللومانتيه) عن باريس بسبب شيوع جائحة الكرونا عالمياً، وغبنا نحن أيضاً مدمني حضور المهرجان والمساهمين فيه ومنذ عقود، حيث كنا نفد من بلدان أوربا المختلفة ومن كندا وأمريكا والعراق وغيره، لكن المهرجان استعاد أنفاسه هذا العام ولو بصعوبة واضحة، وعقد في موعده المحدد، ولكن في مكان جديد يبعد عن مركز العاصمة باريس حوالي ٥٠ كيلومتراً، وفي أرض زراعية أكثر اتساعا من الأرض التي كان يعقد فيها سابقاً. وفدنا القادم من الدانمارك، والذي ضم أكثر من عشرين رفيقة ورفيقاً كان قد استعد مبكراً للقدوم وللمساهمة الفعالة في المهرجان وعلى جميع المستويات الفنية والسياسية والخدمية أيضاً.
وصلنا قبل يوم من بدء المهرجان واتجهنا من المطار ومع حقائبنا مباشرة نحو موقع المهرجان لمعرفتنا أن هناك مهاما وفعاليات ستكون في خيمة طريق الشعب هذا اليوم أيضاً. الدخول لموقع المهرجان كان سهلاً هذا اليوم وعثورنا على خيمة صحيفة حزبنا ( طريق الشعب ) بين مئات خيم صحف الاحزاب الشيوعية واليسارية العالمية المشاركة في المهرجان، كان هذا الأمر سهلاً أيضاً، ولم تكن خيمة حزبنا التي دخلناها مزدحمة بالرفيقات والرفاق القادمين من مختلف البلدان الاوربية، كما تعودنا في السنوات السابقة، فالعدد المحدود الذي صادفناه في الخيمة استقبلنا بالأحضان والقبلات بعد غيبة السنوات السابقة، وكان معظم الموجودين يمارسون الأعمال الروتينية لتنظيم الخيمة والتهيؤ للغد وهو أول أيام المهرجان.
الملفت والمؤلم لي كان تسمية خيمة طريق الشعب لهذا العام باسم الرفيق العزيز الفنان التشكيلي الكبير الفقيد (صلاح جياد) الذي كان واحداً من الناشطين الأساسيين في خيمة الحزب وطوال عقود من السنين، وكانت صورة للرفيق الفقيد (أشتي) مرفوعة أيضاً إلى جانب صورة الرفيق صلاح جياد، والفقيد أشتي كان يفد سنوياً من الدانمارك ليساهم بفعالية ونكران ذات عال في مختلف نشاطات خيمة صحيفة الحزب في المهرجان. ولأن الفعاليات الجادة داخل خيمة الحزب لم تكن قد بدأت بعد، أو هناك مشاورات واستعدادات تبذل للبدء بها ، فقد شغلت مسرح الخيمة الطفلة ( صدى محمد الكيم ) بأغنيات فلكلورية عراقية وبأغاني بالإنكليزية أيضاً، ومع بدء البرنامج الجاد قدم الرفيق فؤاد الصفار كلمة منظمة الحزب في فرنسا بمناسبة انعقاد هذا المهرجان والمساهمة فيه، أعقبها ترديد جميع الحاضرين وقوفاً النشيد الوطني العراقي ( موطني ) ثم الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء حزبنا وانتفاضة تشرين وشهداء الحركة الوطنية والتقدمية العالمية ، بعدها جرى تقديم عضو المكتب السياسي للحزب الرفيق فاروق فياض، ليتحدث عن الوضع السياسي في العراق الأن ودور حزبنا ومواقفه ومهامه الحالية والمستقبلية إلى جانب حركة الجماهير المتصاعدة والرافضة لسلطة المحاصصة والطائفية، وقد أثارت مادة الرفيق مجموعة من المداخلات والاستفسارات والمقترحات من قبل عددٍ منْ الرفيقات والرفاق الحاضرين . ثم تليت رسالة من الرفيق (محمد الكيم) الذي غاب هذا العام عن المساهمة في المهرجان بسبب مهمة رسمية لديه في العراق، وكان في الأعوام السابقة من أبرز الناشطين، لكن زوجته الرفيقة سلام كانت حاضرة وناشطة كعادتها في مختلف مهام خيمة الحزب.
في اليوم التالي الجمعة وهو أول أيام المهرجان بدأت خيمة طريق الشعب نشاطاتها بندوة استذكاريه عن الفنان التشكيلي الفقيد صلاح جياد، تحدث خلالها زميله الفنان (غسان فيضي) عن الفقيد ومكانته الفنية وخلال عقود، ثم تم عرض فلم من إعداد الفنان (فيصل لعيبي) عن زميله الفقيد صلاح جياد. بعد ذلك تمت استضافة الرفيق (كاوة محمود) سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني، حيث قدمه الرفيق رشاد الشلاه ليتحدث عن الوضع في كردستان العراق ونشاط حزبهم هناك. وفي مساء هذا اليوم كان الجميع منسجماً ومتفاعلاً مع فرقة بابل الفنية القادمة من الدانمارك وآلتي تأسست منذ عام ٢٠١٤ بقيادة الفنان (سعد الأعظمي) وبمصاحبة عازف الكمان (كوران إبراهيم) ومسؤولة الفرقة الرفيقة (بشرى علي) ومشاركة مجموعة من الشابات المبدعات، حيث قدمت أجمل وأمتع الأغاني التراثية والعربية والوطنية دافعة بعشرات الراقصات والراقصين للمساهمة ولوقت متأخر من المساء.
أما في اليوم الثاني من المهرجان وهو السبت العاشر من أيلول فقد بدأ بندوة للرفيقة سهاد الخطيب عضو اللجنة المركزية للحزب، حيث قدمها الرفيق (طه رشيد) لتتحدث عن دور المرأة العراقية في انتفاضة تشرين مع عرض فلم مصور لتلك النشاطات، بعدها قدمت الدكتورة (شذى بيسراني) مداخلة هامة عن مشاركة رابطة المرأة العراقية في مؤتمر اتحاد النساء الديمقراطي العالمي الذي عقد في شهر نيسان ٢٠٢٢ في فنزويلا. بعدها كان لجمهور الخيمة لقاء مع الناقد والفنان التشكيلي (زياد جسام) حيث قدمه الرفيق محمد الكحط. وكان النشاط التالي داخل الخيمة قيام الفنان الخطاط (محمد صالح) بعمل لوحات فنية رائعة وأمام الجمهور مباشرة من الخط العربي بمصاحبة عزف عود جميل قدمه الفنان (أحمد ناجي). عصر هذا اليوم انطلقت من خيمة طريق الشعب مسيرة رابطة المرأة العراقية، وساهم فيها رفيقات ورفاق الحزب حيث طافت شوارع المهرجان رافعة الشعارات المطالبة بالدولة المدنية والمساواة. وبعد هذه التظاهرة وعودة المساهمين فيها لخيمة الحزب قدمت الفنانتان شروق وسفانة حلوائي القادمتان من الدانمارك أجمل الاغاني الوطنية والتراثية مع عزفهن المبهج.
ثالث أيام المهرجان الأحد ١١ أيلول كان كسابقيه حافلاً بالفعاليات ومن بينها مادة عن الحياة الثقافية للأنصار قدمها الرفيق (يوسف أبو الفوز) وكان لي شرف تقديم الرفيق، وكان لهذه المادة صدى واضح لدى جمهور الحاضرين، الذين ربما لم يكن أغلبهم قد عرف عن الحركة الأنصارية للحزب وعن كل هذا النشاط الإعلامي والثقافي الذي قدمته خلال عقد كامل من عمرها. كما تم في هذا اليوم تكريم رفيقين من مكتب إعلام الخارج هنا الرفيق محمد الكحط وأنا، وكان التكريم بتقديم شهادة تقديرية جميلة قدمتها لهما عضو اللجنة المركزية سهاد الخطيب وذلك لإسهامهما في رفد صحافة الحزب وخلال عقود. وخلال هذا اليوم كان للرفيق فاروق فياض ومعه الرفيق سلم علي عضو اللجنة المركزية للحزب، كان لهما نشاط سياسي متميز، حيث قدم الرفيق فاروق في الخيمة الأممية الرئيسية للمهرجان مداخلة هامة تناول فيها التطورات السياسية في العراق، كما شارك الرفيق أيضاً في خيمة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المغربي في تقديم مداخلة سياسية عن الوضع في العراق، كما أجرت صحيفة اللومانتيه لقاءاً خاصاً مع الرفيق فاروق حول الوضع السياسي في الوطن ودور حزبنا فيه.
وخلال أيام المهرجان الثلاث وقبله بيوم أيضاً كان العديد من الرفيقات والرفاق يمارسون داخل الخيمة ويتطوع ونكران ذات عال أعمالاً لا علاقة لها بالفكر والسياسة ، فهم يثرمون البصل ويقطعون اللحم لشرائح يدخلوها في أشياش التكة ويعبئون أشياش الكباب بلحم مثروم ويهيئون خبطة الفلافل ويجهزون الفحم لمناقلهم مع قواري الشاي العراقي الأسود ، وكان لعملهم ونتائجه هذا الازدحام الواضح أمام خيمة الحزب من قبل الفرنسيين ورواد المهرجان، وهذه الطوابير الممتدة منتظرة دورها في تناول سندويشات التكة والكباب والفلافل وإستكانات الشاي العراقي اللذيذ أو قناني العصير او الكولا أو البيرة ، وكان لهذا النشاط مردود مالي لخيمة الحزب ربما لا يتلاءم مع المردود المالي للسنوات السابقة لكنه عموماً جيد ومناسب.
خارج خيمة طريق الشعب وإلى جوارها كان هناك مسرح كبير والى جوارك على الجانبين شاشات عرض عملاقة وفرق موسيقية ومطربين يصدحون بالأغاني الفرنسية وأمامهم آلاف المشاركين من الجنسين ومعظمهم من الشباب وهم يهتفون معهم راقصين مغنين. وكانت جميع خيم المهرجان وشوارعه وممراته غاصة بمئات الوف المساهمين بالموسيقى والاغاني والرقصات وبالأدوات الفكرية والسياسية أيضاً. الحقيقة أن حضور مهرجان اللومانتيه هو متعة وفائدة لا يمكن اختصارها بكلمات، لذلك بدأنا منذ الأن نتهيأ لما سنقوم به في العام القادم، وكيف ستكون مساهمتنا فيه في السنة القادمة.