عندما تنشب نار الصراعات السياسية او غيرها في ساحة ما، تتصاعد نزعات حرق المراحل، وكذلك خلط الاوراق، وتطغى حالات الخروج عن سلوك قواعد الاشتباك المرعية، وتبعث مسارات الكيد ومحاولات الاطاحة بالخصم بأي ثمن. لذا يسمى هذا المستوى من الصراع بـ { التناحري }. الذي يُفتقد به احتمال نجاة اي من اطرافه. ان هذه العتبة في اي معركة سياسية كانت او سواها، غالباً ما تؤدي الى الاطاحة بأطرافها. كما تصبح الاقفال والانسدادات هي السائدة. ويغدو ركام ومخلفات الخسائر التي لن تعوض بيسر هو المتوفر. وحينها لا ينفع عض الاصابع.

ان ما دعانا الى مستهل الحديث اعلاه هو المستوى الذي وصلت اليه حالة الصراع في الساحة السياسية العراقية. وهنا لا يأخذنا العجب و لم نتوقع غير هذا الذي يحصل الان. لكون الاطراف المتصارعة المتنفذة عودتنا ان لا نرى منها غير الذاتية المنغلقة المتطرفة الناتجة عن حالة العشو السياسي الذي جاء على خلفية ثقافة التخلف الحضاري، التي غرقت هؤلاء الساسة بمستنقع الخطايا التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي، وهذا النهم في الاستحواذ احتل جل تفكيرهم فاختلت بوصلتهم وتوقف ميل تأشيرها ولم يعد يهديهم الى الاتجاه الصائب.

وفي وطيس هذا الصراع كان وما زال المرمى هو تشكيل الحكومة، ومن خلفه استثمار سلطة الحكم.. وفي هذا الخضم كانت حسابات التحالف الثلاثي قد اصيبت بضعف البعد الاستراتيجي، ولم يسدد ايقاع خطواته اتجاه الهدف المطلوب، وهو صاحب الاغلبية الوطنية المؤهلة لتشكيل الحكومة.  كما اتسم موقفه بالترقب السلبى. لما سيتخده الاطار التنسيقي ومن ثم يكون له رد فعل عليه. وللاسف كان منغمساً بذلك مما دفعه  الى الاتجاه  المعاكس، اذ انه وعلى حين غرة اختصر الامر بانسحاب احد اهم واكبر اطرافه من البرلمان، مما شكل ذلك صدمة واستغراباً من اطراف التحالف الثلاثي الاخرين. حيال تلك السرعة بالتخل عن شرعيته لتشكيل الحكومة وقدمها الى خصمه على طبق من ذهب وهنا تجلى اختلال بوصلته بكل وضوح.. ولكن لو استمر في البرلمان لما حصل ما يحصل الان . ومؤخراً دخل التظاهر امام مجلس القضاء الاعلى كمؤشر على عطب البوصلة للاسف الشديد.

وفي الصفحة الاخرى صار الاطار التنسيقي يتنفس الصعداء وقد وجد امامه فرصة لم يتوقعها . فراح يحاول استثمار هذا الفراغ ليشرع بتشكيل الحكومة، دون ان تأشر له بوصلته المعطوبة بانه هو الاخر سوف لن يدرك غايته التي ظلت مغطاة برداء سياسي. غير ان واقع الامر يسفر عن جوهر مرماه المكرس على استلام سلطة القرار واستمرار المال العام والافلات من المحاسبة عن تدهور الامور. والدليل الذي لا يدنو منه الشك يلمس بانعدام المشروع السياسي الوطني وكذلك ولايملك نهجاً تغييرياً بديلاً للنظام الحالي اللذين يعنيان بتوطيد اسس الدولة واستقرار الحياة الكريمة للناس وارساء العدالة الاجتماعية ارساء ثقافة المواطنة. انما كان بديله عن ذلك وحسب ما تسرب هو تجيش الاتباع واحكام السيطرة على احوال الناس وموارد الدولة وسحق المعارضين.

اما بوصلة التيار الصدري فيه الاخرى قد ظل يتأرجح ميلها بين التأشير الصائب والزوال الخاطئ. اذ  ثمة مؤشرات واضحة في هذا الصدد. وبالامكان تلمسها اولاً: بالانسحاب من البرلمان وتفكيك " تحالف انقاذ وطن " الذي مثل هدم السد اذ كان كفيلاً بايقاف فيضان الفساد وحظى بالتايد الواسع. ثانياً: مطالبتة باجراء انتخابات مبكرة بذات القانون " الدوائر المتعددة " الذي قطع الطريق امام بعض حلفاء التيارعندما اعتمد في الانتخابات الاخيرة. ثالثاً: للآن لم يتحرك لحشد مؤيديه من قوى التغييرالشامل واليسار العراقي والقوى التشرينية الناشئة، الذين لديهم مشتركات سياسية عديدة، وتتويج ذلك بتشكيل حلف الثورة الضارب. ورابعاً: ما زالت انطلاقته تكتنفها الضبابية في افقها الاستراتيجي، يتجلى ذلك بعدم اعلانه بوضوح عن ابعاد انطلاقته كاملة. واذا ما استمر ايقاع بوصلته على منوال، ربما تفقد ملامح التغيير المنتظر. لنا حديث لاحق مكمل

عرض مقالات: