المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المختلفة لم تصل إلى اليوم لتحديد تعريف شامل لمفهوم الأعمال الإرهابية، رغم أنَّ عدد التعاريف الفقهية والاتفاقية الغربية والعربية الكثيرة التي تصدت لهذه الجزئية من معطى الأعمال الإرهابية، مما أدى بالمفهوم أن يختلط بكثير من المفاهيم المشابهة أكان ذلك متعلقاً بالجريمة السياسية أو بالجريمة الدولية والمنظمة، أو بمفهوم المقاومة المسلحة. ولأن الأعمال الإرهابية ظاهرة اجتماعية، فإنها قد تطورت عبر العصور المختلفة تبعاً لتطور المجتمعات ذاتها، إلى أن وصلت لما هي عليه اليوم من درجة الخطورة والتطور في استخدام وسائل الترهيب واتساع المدى، وتعدد الأشكال. وقد كان "للحرب على الإرهاب" آثار خطيرة على مبدأ السيادة، وعلى حقوق الإنسان وبخاصة على الحقوق المتعلقة بالكرامة الإنسانية، والحريات الفردية، سواءً كان ذلك في داخل الدول الديمقراطية، أو خارجها، ولعل سجن أبو غريب، ومعتقل غوانتنامو، شاهدين على ما خلفته هذه الحرب من مآسي، وإنتهاك للحقوق الإنسانية، ليتأكد القول الذي مفاده أن مواجهة الأعمال الإرهابية لما بعد الحادي عشر من سبتمبر هي ذاتها عمل من الأعمال الإرهابية.
يُمثِّل الإرهاب تهديداً مباشر لقضايا السلام الدولية الحالية، فوجود منظمات إرهابية داخل مناطق النزاعات الدولية يعطي دلالات قد تكون خاطئة حول اشتراك تلك المنظمات في العديد من أعمال المقاومة، كما هو الحال في العديد من قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أصبح الإرهاب خطراً حقيقياً يواجه الوجود البشري وحضارته وإنجازاته خاصة، وأن الأنشطة الإرهابية أصبحت تُمارس وعلى نطاق واسع عبر الزمان وعبر المكان في الماضي والحاضر والمستقبل. وقد أثار انتشار الأعمال الإرهابية في السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة الاهتمام بمواجهة هذه الظاهرة. لا سيما وأن خطورة وتداعيات هذه الأعمال الموصوفة بالإرهابية تباينت كما تباينت معها المواقف والمفاهيم القانونية المنظِّمَة لها. وهي تمارس في الشمال كما تمارس في الجنوب، نشهدها في الشرق كما نشهدها في الغرب، وليس هذا فحسب، بل إن خطورة الإرهاب تزداد أيضا بالنظر إلى الأعداد الكبيرة جداً من المنظمات الإرهابية التي تمارس الإرهاب الذي ينطوي على عنف غير محدود وغير مُقَيَّد بقانون أو بأخلاق، وبالنظر إلى تعقّد تنظيم وسرية نشاط هذه التنظيمات الإرهابية، هذا فضلاً عن تطور ما تستخدمه هذه التنظيمات من أسلحة ومعدات. لقد أصبح التعامل مع الإرهاب يتطلب "استراتيجية محددة" وخاصة بهذه الظاهرة. التي أصبحت تُهدد السلام العالمي خاصة مع تعدد الأنشطة الإرهابية والجماعات، والوسائل التي تخدم مصالحهم، فبعدما كانت الدول قديماً، تُدرك الخطر الذي يوجهها من الخارج والذي يحاربها براية معلومة ويأتيها من ناحية واحدة، أصبحت الآن هذه الدول معرَّضة للخطر من الداخل والخارج دون أن تتمكن من التعرَّف على عدوَّها وبدون أي معلومة أو مؤشر مسبق لتعرضها لهجمة إرهابية قد تسبب لها خسائر بشرية ومادية معتبرة. إن وضع تعريف موحد للإرهاب يُمثِّل أكبر التحديات التي تواجه جهود عملية مكافحة الإرهاب، ويعود ذلك إلى طبيعة الظاهرة الإرهابية، فهو مصطلح ديناميكي يختلف نتيجة اختلاف صور الإرهاب واشكاله وأساليبه، كما أن هناك إشكالية هامة في تعريف الإرهاب تتمثل في غياب الحيادية في وصف ظاهرة الإرهاب.
وبما إن العمل الإرهابي الواحد يُثير مشاكل متعددة سيتَّبِعَه حتما ً مصادرة عدة حقوق بصورة واحدة فجرائم التفجير والقتل تُمثِّل إعتداءً على حق الإنسان في الحياة وهو حق طبيعي وأصيل ومصدر لباقي الحقوق وبالتالي فان هذه الجريمة الإرهابية تُمثِّل اعتداءً على حق الإنسان في الحياة وسلامة جسده وحقه في العيش بحرية وكرامة وأمان وحقه في الزواج والتعليم وتكوين الأسرة وحقه في التأمين الصحي والعيش في بيئة آمنة وخالية من التلوث ومصانة من التدمير(1) ومن ثم إتساع المساحة التي يستهدفها الإرهاب وتعدد إطرافها وتنوع ضحاياه وامتدادها ضد النظام العام العالمي واستغلال الدول الكبرى لهذ الظاهرة (بغياب الاتفاق على تحديد مفهوم الإرهاب) من توسيع مطامعها و إحتلال الغير وقصف المراكز العلمية والصناعية ومحاصرة الشعوب , فالإرهاب باعتباره من أهم قضايا العالم اليوم بل المشكلة الأولى التي تتميز بتعدد عوامل نشأته وبتنوع أهدافه ودوافعه. ولا تخلو الساحة الدولية هي الاخرى من عوامل ومحفزات دافعة نحو الإرهاب وفي هذا أشارت دراسة أعدتها الأمم المتحدة عام 1979 إن هنالك من الأسباب الكامنة وراء قيام وممارسة الأنشطة الإرهابية منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الاستعمار والاحتلال والمتغيرات السياسية الدولية و الإستبداد السياسي وغياب الديمقراطية وإنتهاكات حقوق الإنسان فشعور الإفراد بتلك الأسباب وبالواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي يدفعهم بالعمل بقوة من أجل التخلص من هذا الواقع.
تُشكل ظاهرة الإرهاب منذ نهاية التسعينيات من القرن العشرين أكبر خطر يهدد أمن واستقرار حياة الشعوب. لذا فقد أولت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية بكافة أشكالها وانتماءاتها جُلّ اهتماماتها ووفرت كافة إمكاناتها وقدراتها من أجل التصدي لهذا الوباء اللعين، وحدث نوع من التكاتف والتعاون بين تلك الحكومات والمنظمات الدولية. ومما لا شك فيه أن آثار الإرهاب وأضراره لا تقتصر على القتال، والدمار، أو الخوف والرعب بل تتعدى ذلك إلى أحداث خطيرة أخرى، تهدد أمن الدول وتنميتها وكيانها الاجتماعي والسياسي، ويتفق الباحثون على أن من أبرز غايات الإرهاب تحقيق أهداف سياسية وأمنية، وبناءً على ذلك يكون المجال السياسي للدولة المستهدفة هو أكثر المجالات تضرراً من العمليات الإرهابية التي تُستخدم للضغط على الحكومة لتبني سياسات معينة قد لا تكون من مصلحة البلاد، أو التراجع عن قرار معين سياسي أو إقتصادي أو اجتماعي أو غيره، بالإضافة إلى ما قد يؤدي إليه ذلك من فقدان ثقة المواطنين بالنظام القائم لإخفاقه في المحافظة على الأمن والنظام، وقد يؤدي ذلك كله إلى الإطاحة بحكومة شرعية قائمة ليحل محلها حكومة أُخرى. وهنالك العديد من الاتفاقيات منها الاتفاقية الدولية بشأن مكافحة ومعاقبة الجرائم ضد الأشخاص المحمية بما في ذلك الممثلين الدبلوماسيين (1973) وذلك على أثر اغتيال رئيس وزراء الأردن وقتل عدد من الدبلوماسيين السودانيين.والاتفاقية الدولية ضد خطف الرهائن (1979), والاتفاقية الدولية بشأن الحماية ضد المواد النووية (1980), والبروتوكول بشأن مكافحة أعمال العنف في المطارات (1988) التي تخدم الطيران المدني الدولي. والبروتوكول الملحق لمكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الأرصفة المثبتة في الجرف القاري (1998). وتتميز هذه الجرائم بأنها تشكل مخالفات للقوانين الوطنية الجنـائية، ولكنها في ذات الوقت تتصف بالصفة الدولية، عند اختلاف جنسية الضحايا، أو اختلاف جنسية الجناة، أو اختلاف مكان الإعداد للتنفيذ، بحيث يقع الأول في دولة، ويقع الثاني في دولة أخرى، وعموما تتركز الجرائم الإرهابية ذات الدوافع الشخصية , لإبتزاز الأموال من شركات الطيران المختلفة, وذلك عن طريق خطف الطائرات، ثم طلب فدية تصل أحيانا لملايين الدولارات.
وقد تلجأ هذه العصابات في سبيل الدفاع عن نفسها إلى ارتكاب أفعال عنف وإرهاب لمواجهة السلطات المسؤولة عن النظام وتطبيق القوانين، وقد تتجسد تلك الأفعال بتدمير المنشآت التجارية والصناعية والسياحية ,بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ووسائل النقل بكافة أشكالها(2). أنَّ تصنيف الجماعات والحركات الإرهابية، يخدم كثيراً إستراتيجية مكافحة هذه الظاهرة، وذلك من خلال التعرًف على الحركات الإرهابية الأكثر نشاطاً وخطورة، بحيث يتم عزلها عن باقي المنظمات الإجرامية، لحرمانها من الدعم المالي و اللوجيستي. كما هو الحال بالنسبة للقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ، التي أصبحت تنشط في منطقة الساحل، ومتمركزة على حدود الدول (شمال مالي، النيجر والجنوب الجزائري). والتي تضمن نشاطها من خلال الدعم المالي الناتج عن فديات الرهائن والتهريب، والمنظمات الاخرى في سوريا والعراق من داعش الى انصار الشام وغيرها من المنظمات المتمرسة في القتل وتهجير المدنيين .
لقد أصبحت مكافحة الإرهاب في السنوات القليلة الماضية أولوية عليا للمجتمع الدولي. وقد إتّخذ عدد من الخطوات الهامة التي تجسّد هذا الاهتمام. وكان من بينها وضع استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في سبتمبر 2006، التي تقضي بإتخاذ تدابير شاملة للتصدي للإرهاب على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي. حيث كان إعتماد الجمعية العامة لإستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في عام 2006 علامة بارزة على درب المبادرات الدولية المتخذة لمكافحة الإرهاب. ومن الإسهامات الهامة في هذا المسعى عقد ندوة في فيينا في عام 2007 تحت عنوان "المضي قدما في تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب" التي شارك في تنظيمها كل من حكومة النمسا والمكتب التنفيذي للأمين العام ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة. اضطلعت سياسات مكافحة الإرهاب بدور كبير في تفاقم العديد من الصراعات في مختلف أنحاء المنطقة على مدى العقدين المنصرمين. فكان العراق ساحة المعركة الإقليمية الأصلية في الحرب العالمية التي شنّتها إدارة رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر. وبينما جرى تحقيق الهدف الأصلي أو إسقاط الحكم الدكتاتوري الذي تزعمه صدام حسين بيسر وسهولة نسبية، فقد أطلّ تهديد الإرهاب، الذي نشأ داخل العراق ونبع منه، برأسه واستشرى خلال السنوات التي تلت إزاحة صدام من الحكم.
وتعددت أنواع الإرهاب وتباينت ومرد هذا الإختلاف هو عدم وجود إتفاق محدد حول مفهوم الإرهاب فقد يظهر الإرهاب بثوب سياسي أو إجتماعي أو ديني أو عرقي وقد يكون إرهاب مباشر أو غير مباشر، إلا أن تنفيذ العمل الإرهابي (الإرهاب الدولي) بإعتباره أخطر أنواع الإرهاب الذي يُهدد جميع الدول وبإعتبار أن الأنواع الآخري تنحصر داخل الدول وتقع علي مستوي محلي ولا يمكن للأمم المتحدة أن تتخذ أي إجراء لمواجهتة إلاّ إذا طلب منها ذلك من الدولة موقع العمل الإرهابي أو إذا امتدت آثاره إلي خارج الدولة (إحترامًا لمبدأ عدم التدخل في الشؤن الداخلية للدول وتطبيقًا لدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين(3). وهنا يبرز دور المعالجات الدولية القانونية للإرهاب من خلال جهود الأمم المتحدة والاتفاقيات والصكوك والإعلانات الدولية.
إنعدام وسائل التعبير عن الرأي والحوار الديمقراطي الشرعي وغياب الجدية من قبل الحكومات على إحداث تغيرات وإصلاحات لمشاركة الشعب في صنع القرار الديمقراطي والمشاركة في الحياة الديمقراطية وبروز حالات الحكم الواحد أو الشمولي المناهض لمنطق العدالة والحرية وكبت الآراء المخالفة في المجتمع وإحتكارها السلطة وتعليق الحياة السياسية والطبيعية وعجز سلطات القضاء والتشريع عن فرض وجودهما وتمتع السلطة الحاكمة بالسلطات المطلقة واعتمادها على أجهزة ومؤسسات التهجير والقمع والقتل بحق الشعب وحالات تقيد الحريات السياسية وهذه الأسباب تدفع الشعوب إلى اعتماد جميع السبل للتخلص من الوضع القائم ومنها وسائل الإرهاب التي يستخدمها للدفاع عن حقوق وتحقيق حريته كما يتصورون , ومن ثم تاثيرالأوضاع الاجتماعية الدولية لوجود ترابط بين الجانبين الوطني والاجتماعي والدولي وما ينتج من هذا التأثير من نتائج سلبية قد تدفع على الإرهاب للتخلص من الأوضاع السائدة الماسة وفي هذا إشارات دراسة أعدتها الأمم المتحدة عام 1979 إن هنالك من الأسباب الكامنة وراء قيام وممارسة الأنشطة الإرهابية منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن المقصود بالدوافع الإعلامية إنما هو نشر القضية أمام الرأي العام العالمي، فقد ترى الجماعة التي تقوم بالعمليات الإرهابية أن هناك تجاهلاً لقضيتهم، فيقومون بهذه العمليات لجلب الإنتباه إليهم، وإلى الظلم الذي يتعرضون إليه، وإدراكا من المجموعات الإرهابية لأهمية الوسائل الإعلامية في نشر قضاياهم. فقد عملت على استغلال الوسائل الإعلامية الحديثة كترويج لعملياتهم ومن ثم طرحها للنقاش والبحث ومحاولة معرفة حقيقته وربما عدالة قضاياهم.
لا شك إن الجهود القانونية الدولية لمواجهة الأعمال الإرهابية في جانبها الإتفاقي وفي إطار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وفي الإطار الوطني، قد نجحت إلى حدٍ ما على الأقل في توفير الإطار المرجعي، إلاّ أنها فشلت في الحد من الأعمال الإرهابية، ليتأكد أن المنهج القانوني وحده لن يجد في مقاومة الأعمال الإرهابية. إنّ عدم إقرار وإدماج الإرهاب عموما، أو "جرائم إرهابية" معينة في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة - التي أُنْشئت بمقتضى ميثاق روما سنة 1998-جعل من محاولات تطوير الإختصاص القضائي الجنائي الدولي في ردع "الجرائم الإرهابية" محاولات عاجزة غير مُسايِرَة لتطور هذه الأعمال الإرهابية.
--------------------------------------
ابو هلال العسكري – الفرق في اللغة - دار الافاق – بيروت – ط 1973 -1
-2-علي محمد جعفر، الاتجاهات الحديثة في القانون الدول الجزائي، المؤسسات الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة -1- 2007.، ص144.
3ـ هيثم كيلاني، دراسة بعنوان “الإرهاب الدولي” ،الموسوعة العربية، المجلد الأول. http://arabency.com.sy/detail/75