من المعروف أن غاية القانون هو خير المجتمع وان نشاط الفرد يجب أن يوجد لخير الجماعة ، لان كل ما يحقق الخير للجماعة ينعكس على افرادها فاليوم نعيش في عالم يجب أن يجعل استعمال الحقوق مفيدا بما يحقق الخير للمجتمع ويابى اعتبار الحقوق سلطات مطلقة ، بل ينظر اليها باعتبارها وظائف اجتماعية الغـرض منهـا تحقيق النفع العام وقد كان لذلك اثر في توسيع دائرة الخطا واعتباره متوفرا في حالة استعمال الشخص حق مـن حقوقه ولو لم يخرج عن حدود هذا الحق مادام اساء أو تعسف في استعمال هذا الحق.  ولابد من الإشارة  للخصومة التي تُعد من طبائع الإنسان الذي لديه مصالح، وقد يسعى إلى تحقيقها ولو أدى الأمر إلى الإضرار بمن حوله، وذلك إما قصدا واستجابة لنوازع الأنانية والأثرة، وإما بسبب عدم دراية الأفراد بالأحكام، وهي أمور لا يمكن قبولها لا أخلاقيا ولا قانونيا، لذلك كان لابد من تواجد أحكام كنظرية التعسف لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع وخلق التوازن في العلاقات الاجتماعية، وتعمل على مراقبة عدم خروجهم عن حدود حقوقهم. لقد قرر القانون لكل شخص مجموعة من الحقوق حيث تكون الحرية الكاملة لصاحبها في استعمالها في أوجه النفع. ومن أهم الحقوق التي نصّت عليها التشريعات حق الملكية؛ وقد ارتبط التعسف باستعمال هذا الحق منذ القِدَم نتيجة ممارسته ويعتبر حق الملكية مجالاً واسعاً لإنتشار التعسف في استعمال الحق. فسلطة الشخص على ملكه تخوله حرية كاملة في التصرف والإستعمال واستغلاله, والسلطة في المديونية تخوّل الدائن على إجبار المدين على القيام بالوفاء بالتزامه, والسلطة على المؤلف تخوله حرية التصرف والإستغلال والإستعمال في مؤلفها, وبالنسبة للحقوق اللصيقة بالشخص فتمثل السلطة والقدرة في استعمال هذه القيـم فقط حيث لا يجوز للشخص التصرف بحياته أو حريته. هذا ويجب على الغير احترام  وجود السلطة والقدرة على شيء".نظرية التعسف في استعمال الحق هي أداة يمكننا بواسطتها مسائلة صاحب الحق إذا اضرّ بغيره و هو يستعمل حقه. تتمتع نظرية التعسف في استعمال الحق، بنوع من المرونة قلما تجدها في نظرية أخرى فيمكن التوسع فيها إلى الحد الذي تصبح فيه أوسع مجالاً من الخطأ، ويمكن التضييق منها إلى الحد الذي تصبح أضيق مجالاً منه، فحسب النظام القانوني المطبّق، وحسب الإتجاه الفلسفي السائد، والنظام الإقتصادي المطبق يتم هذا التضييق أو التوسِّع.  فإذا كنا أكثر ميلاً إلى النظام الإجتماعي، واعتبار الحق وظيفة اجتماعية أكثر منه ميزة فردية، تكون نظرية التعسف في أقصى مجال لها في الإتساع، وبقدر اقترابنا من الفردية والرأسمالية ومن ثم يصبح الحق ميزة فردية أكثر منه وظيفة اجتماعية تكون نظرية التعسف في استعمال الحق، في أضيق صورها. وهذه النظرية تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم. 

ولما كانت الدولة في العصر الحديث عبارة عن كم هائل من المؤسسات والسلطات والأجهزة التي تعمل باسم المجتمع ولمصلحته , فان عمل هذه المؤسسات والسلطات والأجهزة يكون وفقاً للقانون بمعناه العام الذي يمنحها الاختصاص والصلاحيات التي تقوم بها والاساس القانوني يعطي السلطة الواقعية لجهة معينة بممارسة اختصاصاتها ، وبموجب تدرج القواعد القانونية فيكون البناء القانوني للدولة من مجموع القواعد القانونية المتدرجة بحيث يقف الدستور في قمتها وبعدها تأتي القواعد القانونية الاقل مرتبة" منها(1) . والقانون عندما يمنح لجهة ممارسة الإختصاص الرقابي فان ذلك يُعد ضمانه ضد تعسف بعض الجهات في إقحام نفسها في عملية الرقابة كذلك فإنَّ تحديد الإختصاص لجهة معينة بممارسة إختصاصها يُعد وسيلة في رقابة الرأي العام على عمل هذه الجهة وفق إختصاصها.                       

إن الحق في النظام القانوني المقارن  ليس مطلقًا، فهو نسبي تحد من إطلاقه الاعتبارات الاجتماعية والمصلحة العامة. فالمالك في استعماله لملكه يجب أن يعمل في حدود القوانين واللوائح، فإذا أخَلَّ بأي إلتزام فرضته عليه هذه القوانين واللوائح كان الإخلال بهذا الالتزام خطأً يستوجب المسؤولية التقصيرية. وبذلك تم إدخال نظرية التعسف في استعمال الحق في نظام المسؤولية التقصيرية، بحيث يُعتبر المتعسف أنه قد ارتكب خطأُ في استعمال حقه، ويتحقق ذلك متى إنحرف عن سلوك الرجل العادي. لكن ينبغي الإشارة إلى الخصوصية التي بُنيَت عليها نظرية التعسف في استعمال الحق وهي أنّ التعسف قد يتحقق دون أن تتوافر مقومات الخطأ، وذلك إذا توافرت إحدى الصور التي نصّ عليها القانون. وتحت عنوان استعمال الحق، نصت المادة 62 من القانون المدني القطري على أنه من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسؤولاً عمـا ينشأ عن ذلك من ضرر. ثم حدد في المادة 63 الحالات التي يكون فيها استعمال الحق غير مشروع:

1- إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.

2- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير  لكن الفقه يدعم اعتبارها شكلًا من أشكال المسؤولية التقصيرية؛ لما

3- إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يلحق بالغير.

4- إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضرراً فاحشاً غير مألوف.

يتضح من هذين النصين أن سبب المسؤولية عن استعمال الحق يستند إلى عدم المشروعية في استعماله. وبالتالي فإن المشرع القطري ربط المسؤولية باللاشرعية، ثم حدد أربع صور. 

إن من يستعمل حقه بطريقة تخالف القيود القانونية المفروضة على الملكية يكون قد ارتكب خطأ تقصيريًّا، فاذا ترتب على هذا الخطأ ضرر للغير فإنه يلتزم بتعويضه عن هذا الضرر. ويستوي في ذلك أن يكون الضرر ماديًّا أصاب الغير في مصلحة مالية، أو أدبيا أصابه في معنوياته ومنها شعوره بالاعتداء على حقٍ له. والضرر الذي يحتج به كعنصر من عناصر التعسف هو الضرر المحقق لا الضرر الاحتمالي، بحيث ينبغي أن يكون قد وقع فعلًا، أو وقعت أسبابه وقامت آثاره إلى المستقبل، ولا عبرة بالضرر الاحتمالي الذي قد يقع وقد لا يقع.  إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة، فمن يستعمل ملكه لتحقيق أغراض مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، كمن يستخدم منزله لممارسة سلوكيات غير أخلاقية تسبب ضرراً للجوار، يكون مسؤولًا عن ذلك. فالحقوق لا تكون معتبرةً في نظر القانون إلاّ بقدر ما تحققه من مصالح مشروعة. وهذه الصورة من صور التعسف تُمثِّل معيارً موضوعيًّا ينطبق على جميع الوقائع المشابهة والمتضمنة مخالفات للنظام العام.                

 ان نظرية التعسف في استعمال الحق هي ليست نظرية جديدة او مبتدعة، بل هي نظرية قديمة عرفها الرومان ثم إنتقلت الى القانون الفرنسي القديم، وتشبَّع بها الفقه الاسلامي، ولكنها إختفت فترة من الزمن ويرجع الفضل في ظهورها مرة اخرى الى الوجود الى الفقيهين الفرنسيين سالي وجوسران.  واستقرت في الفقه وسار عليها القضاء واخذت بها التقنينات المقارنة، وبالتالي اصبحت نظرية ثابتة ومستقرة ولا يستطيع احد الإستغناء عنها. وبالتالي إنتعشت هذه النظرية في العصر الحاضر إذ كان للقضاء والفقه في فرنسا الفضل في إحياء مبدأ تحريم التعسف في استعمال حق التقاضي(2).إذ ان الشخص اذا لم يكن لديه مصلحة مع توافر شروط الدعوى الاخرى لا يحق له رفع الدعوى بوصفها اجراءً قضائياً، وهو ما نصت عليه المادة (6) من قانون المرافعات العراقي والتي إشترطت في المصلحة ان تكون معلومة وحالة وممكنة ومحققه، وان كان يجوز إستثناء رفع الدعوى استناد ً الى المصلحة المحتملة (3) وفضلا ً عن التدابير الوقائية، فان هناك عدداً من القيود على الخصوم والغرض منها هو الحد من تعسفهم في استعمال حقهم كمنع الخصم من توجيه اليمين اذا تبين للقاضي من ظروف الدعوى وملابساتها ان قيام الخصم بتوجيه اليمين يؤدي الى الاضرار بالخصم الآخر على الرغم من ان توجيه اليمين هو حق كفله القانون للخصوم، وكذلك من القيود هو منع الخصوم من الاسترسال في المرافعة والخروج عن موضوع الدعوى، وهو ما نصت عليه المادة (102) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968 المُعدَّل بقولها (يجب الاستماع الى اقوال الخصم حال المرافعة، ولا يجوز مقاطعتهم إلاّ إذا خرجوا عن موضوع أو مقتضيات الدفاع فيها......).فإعتبار التعسف في استعمال الحق صورة من الخطأ، حَل يتفق مع المباديء العامة للتشريع وأكثر خدمة له، لما يحققه من تشجيع للمبادرة الفردية دون إهمال للجانب الإجتماعي. أن النظرية التقليدية التي سار عليها القانون الفرنسي، ومن بعده من القوانين العربية، تشترط لقيام المسؤولية عن التقصيرية قيام عنصر الخطأ، إلى جانب العنصرين الآخرين الضرر وعلاقة السببية، وبصدد عنصر الخطأ قسّم المشرّع المسؤولية التقصيرية.أنّ فكرة الخطأ لا تزال وستبقى لوقت غير قصير أصلاً يحكم تصرفات الإنسان ولم يتجرأ القانون بعد على إلغائها، بالرغم من إنحسار سلطاتها وتراجعها المشهود في بعض صور المسؤولية. وأمام تواجد فكرة "الخطأ" في القانون كأساس للمسؤولية على الفعل الشخصي على أساس مستقل لنظرية التعسف في استعمال الحق، أوسع مجالأً من الخطأ إلى صعوبات عملية وتناقضات نظرية. والتعسف في استعمال الحق صورة من صور الخطأ، هو الحل الأقرب إلى  المنطق والعدل كونه يحقق انسجاما بين نصوص القانون، ويتماشى مع الإتجاه الإقتصادي العام للدولة، القائم على الإقتصاد الحر، وما يفرضه من حرية الصناعة والتجارة...وضرورة تكريس المبادرة الفردية.                  

نصا المادتان 7 و18 من القانون المدني العراقي:

أ- المادة السابعة التي نصت (١ -من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان، ٢ -يصبح استعمال

الحق غير جائز في الأحوال الاتية:-أ- اذا لم يقصد في هذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير، ب- اذا كانت

المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير مـن

ضرر بسببها، ج- اذا كانت المصالح التي يرمي اليها هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة).

ب- نصت المادة (١٨)على انه (الاهلية يسري عليها قانون الدولة التي ينتمي اليها الشخص بجنسيته. ومع

ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في العراق وتترتب اثارها فيه ، اذا كان احد الطـرفين اجنبيـا نـاقص

الاهلية ويرجع نقص اهليته إلى سبب فيه خفاء لايسهل على الطرف الاخر تبينه، فان الاجنبي يعتبر في هـذا

التصرف كامل الاهلية).   

----------------------------

1-د.ماهر صالح علاوي الجبوري , الوسيط في القانون الاداري , دار ابن الاثير للطباعة والنشر , جامعة الموصل , الموصل, ٢٠٠٩ . و د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20 .                         –

   2-د.عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، مصادر الالتزام، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2004، ص696

3-انظر ما نصت عليه المادة (6) مرافعات عراقي على ان (يشترط في الدعوى ان يكون المدعي به مصلحة معلومة وحالة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي إن كان هناك ما يدعو الى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن.........).