تفاجأ فقراء البولونيين عند رؤيتهم، طلائع اللاجئين الأوكرانيين القلائل، ولكن الظاهرين للعيان، الذين يملكون المال والسيارات باهظة الثمن. يبدو اننا مهددون بصراع اجتماعي إذا لم تبدأ الدولة البولونية العمل. الأغنياء يهربون دائمًا أولاً. وهذا ينطبق على الأفغان والسوريين كما على الأوكرانيين. لا عجب في ذلك.
الاحصائيات تشير إلى ان من بين أكثر من 3 ملايين لاجئ من خارج الحدود الشرقية، فإن الغالبية (حوالي 62٪) حاصلون أيضًا على تعليم عالٍ أو يدرسون. لماذا يحدث هذا؟
ببساطة، حتى عندما تهرب يجب أن يكون لديك ما يؤمن عملية الهروب. أسهل بالطبع، عندما تكون معظم ثروتك على حسابك المصرفي، أكثر مما لو كانت جميع ممتلكاتك عبارة عن أثاث منزلي أو شقة. عندما يكون كل ما لديك هو منزلك وما بداخله، فإن قرار المغادرة يعني خسارة " كل شيء"، حتى لو لم يكن كثيرًا.
إن مشهد " العربات الفارهة " على أرقام التسجيل الأوكرانية في مدينة لوبلين الفقيرة نسبيًا، مدعاة إثارة أكثر مما هو عليه في وارشو. ومع ذلك، لا يخفى على أحد أن المجتمع الأوكراني يتسم بانقسام طبقي أكثر من مجتمعنا، فهناك فجوة مذهلة بين الأغنياء والفقراء.
لقد أظهرت السنوات الأخيرة أن هناك صورة نمطية معينة عن اللاجئين ترسخت لدينا، إنه رجل متواضع، هزيل، يرتدي أي شيء، ممتن ومستعد لقبول أي مساعدة منا، حتى أصغر مساعدة، على سبيل المثال في شكل ملابس مستعملة، ومن هنا جاء السخط الكبير لجزء كبير من أبناء وطننا من الأخبار التي تفيد بأن اللاجئين من الشرق الأوسط لديهم هواتف ذكية. ماذا كان من المفترض أن يمتلكوا، توثية إنسان بدائي، مثلاً؟
وبالمثل، يسمع المرء تعليقات ضد لاجئي الحرب من الأوكرانيين مفادها كونهم " يرتدون ملابس بماركات تجارية معروفة "، ومع ذلك، لابد من الاعتراف بأن معظم اللاجئين، حتى لو لم يبدوا أنهم فقراء، فإنهم فقدوا مكانهم على الأرض، منزلًا أو شقة، وكذلك أحبائهم نتيجة للحرب. علاوة على ذلك، يحيا هؤلاء التعساء، ومعظمهم من النساء والأطفال، ظروفا نفسية صعبة وخوفا دائما من احتمالات استلام خبر وفاة أزواجهن وآبائهم وأبنائهم وإخوانهم، في أي لحظة… فما من آفاق لنهاية وشيكة للحرب تمكنهم من العودة السريعة إلى وطنهم.. وربما سيكون عليهم بدء حياة جديدة، من الصفر هنا في بولونيا.
ينتقد المزيد والمزيد من الناس الوافدين الجدد على حقيقة أنهم يتلقون مساعدة مالية وإسكانية من الدولة البولونية، على الرغم من الدلائل الواضحة على مستواهم الاجتماعي المرتفع.
ويبدو أن هذا الكرم الحكومي تجاه الوافدين الجدد يتناقض مع ندرة المساعدة الاجتماعية للبولون والنساء البولونيات، حيث يجبر بعضهم على العيش بما يزيد قليلاً عن 700 زلوتي بولوني، بدل مالي دائم على ان يوقعوا التزامًا بعدم كسب أموال إضافية.
في الوقت الحالي، ليس سوق العمل هو موضع الخلاف. لقد اعتدنا بالفعل على وجود عاملين من أوكرانيا، حتى قبل اندلاع الحرب، فقد عمل لدينا أكثر من مليون منهم، معظمهم أشخاص حاصلون على تعليم عالٍ أو ثانوي، لكنهم يؤدون عملاً بدنيًا.
حتى الآن، لم يبدأ العمل "رسميًا " في بولونيا سوى حوالي 70 ألف شخص من اللاجئين الأوكرانيين (لأنهم من النساء بشكل رئيسي)، لذلك، يصعب تصديق أن ذلك الأمر سيسبب توترات في سوق العمل.
الأمر مختلف مع الشقق السكنية، حيث تنتشر دعايات مضللة (قد تكون أنتجت عمدًا لصالح الكرملين) حول كيف يجلب المهاجرون الأوكرانيون الأثرياء حقائبهم المالية ويدفعون ثمن السكن نقدًا، لكن في الواقع، يبحث معظم اللاجئين، بعد فترة من النوم في صالات الألعاب الرياضية، عن مأوى مناسب.
انعكس هذا الطلب المتزايد في زيادة أسعار الإيجارات، ففي الأشهر الأخيرة، قفزت تكاليف الإيجار في العديد من المدن البولونية من 20 إلى 40 %.
العدد الدقيق للعائلات التي أخذت اللاجئين لأول مرة إلى منازلهم غير معروف. كان البعض يسترشد فقط برد فعل عاطفي، والبعض الآخر بحوافز الدعم المالي الحكومية لكل من يستضيف لاجئاً أوكرانياً ( 40 زلوتي بولوني لكل أوكراني في اليوم ). ومع ذلك، فإن هذه الضيافة تقترب ببطء من نهايتها… نستضيف في مكتبنا أمًا لديها ثلاثة أطفال، سكنت سابقًا عند أشخاص طلبوا منها مغادرة المنزل بعد ثلاثة أسابيع.
حتى قبل أزمة اللاجئين، كانت لدينا أزمة سكن مزمنة في بولونيا، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 3 ملايين شقة مفقودة في السوق الآن، لذا عندما يأتي 3 ملايين شخص إضافي من الشرق إلى بولونيا، فلابد أن يرتفع العجز بما لا يقل عن مليون آخر…
الشقة التي ينبغي أن تكون منفعة عامة أصبحت سلعة فاخرة.
سيتعين على العديد من المواطنين العمل لمدة عام مقابل متر مربع واحد من شقة في العاصمة وارشو، مع تخصيص رواتبهم بالكامل لهذا الغرض فقط. تبلغ الجدارة الائتمانية لشراء شقة (رهن عقاري) حوالي 14%، وهذا الوضع يفرض على الآخرين النضال من أجل الحصول على شقق بلدية (الإحصائيات تشير بأن كل بلدية في بولونيا تقوم، سنوياً، ببناء واحدة من هذه الشقق) أو استئجارها في السوق الحرة.
هذا الوضع الكارثي جعل قضية الإسكان حساسة اجتماعياً بشكل خاص.
الادعاءات التي تقول " إنهم يعطون الأوكرانيين والبولونيين لا " نشأت بالفعل عندما كان لدى إدارة المحافظة عدد محدد من الشقق، مخصصة للاجئين… اليوم، وبسبب تدفق اللاجئين الأوكرانيين، أصبح الوضع أكثر سخونة، بعد إصدار رئيس بلدية وارشو، رافاو تشاسكوفسكي، أمرًا بتعليق العمل بقائمة المنتظرين للحصول على سكن بسبب أزمة اللاجئين.
زوج مارينا، التي تعيش مع أطفالنا، موجود في بولونيا منذ فترة طويلة، يعمل في موقع بناء ويعيش في سكن للعاملين، يحتل واحدًا من الأسرّة العديدة في غرفة مؤثثة كما زنزانة السجن… تحلم عائلته بالعيش معًا في شقة مستأجرة. وهذا شأن مئات الآلاف من العوائل الاوكرانية في بولونيا الآن.
في الوقت نفسه، كشف المكتب المركزي للإحصاء مؤخرًا أن البيانات التي تم جمعها خلال التعداد لا تزال تظهر وجود 11% من المباني السكنية، تقف فارغة، لا أحد يعيش فيها، يمكن في حالة طرحها في السوق، خفض أسعار الإيجارات، ولكن ملّاكيها يستخدمونها في المضاربة - الملّاك يلعبون لرفع الأسعار من خلال تجميد " السلع النادرة - المطلوبة " بدلاً من تلبية الاحتياجات الاجتماعية.
وكما أورد إميل زولا في روايته جرمينال :" كان هناك خباز يحتكر الدقيق في أوقات الجوع، قطعن النساء خصيتيه !".
المضاربون لدينا ليسوا حتى في خطر فرض ضريبة لثني المضاربة.
لم تقض موجة هجرة الحرب على الفقر، ولا سيما فقر السكن. لذا فعندما نحاول إخراج شخص ما من حالة التشرد، ومحاولة استئجار غرفة لسيدة مسنّّة في مدينة كيلسه، مثلاً، نسمع أن المُلّاك يفضلون الطلاب… كما تستبعد العائلات التي لديها أطفال عن الاستئجار، لأن أحد المعايير المهمة للتأجير هو سهولة إلقاء المستأجر في الشارع، ومع وجود الأطفال يصعب طرد العائلة وإخلاء السكن. أحد هذه " الضمانات " لأصحاب العقارات هو تصريح المستأجر الكتابي بأنه سيكون لديه مكان ينتقل إليه إذا لزم الأمر.
أنا أعيش في بناية، طالب مالكها بمثل هذا التصريح، ولكن بما أن ذلك غير سليم، فقد رفض كل سكان البناية كتابة مثل هذا الإعلان، الذي يفرض تأجير الناس شققًا، مقابل أموال باهظة، بشرط مجحف :- " إذا لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه ".
ينظر فقراء البولون بجفاء إلى الأوكرانيين القلائل، ولكن الظاهرين للعيان، الذين يمتلكون المال، والسيارات الفارهة باهظة الثمن، والتي بالإضافة إلى ذلك، كما ذكرت، تمولهم الدولة مجانًا.
عدم التقبل تجاه من يحضون بالامتيازات والذين غالبًا ما يكونون متعجرفين، سرعان ما يتحول إلى رهاب. هذا هو سبب الضغينة ضد الأوكرانيين بشكل عام - لأن الانقسامات الوطنية يسهل على الأشخاص البسطاء التقاطها من الانقسامات الاجتماعية، التي تخضع الى تمويه وسائل الإعلام على قدمٍ وساق.
باختصار - نحن مهددون برهاب معادٍ لأوكرانيا إذا لم تبدأ السلطات البولونية، المحلية والوطنية، تدخلًا جذريًا في سوق الإسكان. على سبيل المثال، من خلال الأدوات الضريبية التي ستجبر مالكي الشقق الفارغة على تسويتها على الفور (كما في حالة العاصمة وارشو)، ولكن أيضًا من خلال البناء الواسع للشقق لأغراض الاستئجار، المناسبة لجميع الميزانيات.
إذا لم يمض الأمر كذلك، فسنشهد صراعات عرقية بين أكثر من 3 ملايين لاجئ وجزء كبير من المجتمع البولوني، عندما يتزايد الشعور بالمعاملة غير العادلة.
ناشط اجتماعي و سياسي بولوني
عن موقع /lewica.pl