يتمحور الصراع داخل الإقليم حول عدة جوانب هى : حفاظ الدول على حدودها وتماسكها الوطنى، الحفاظ على الهوية الوطنية التى تلتف حولها الشعوب سواءً كانت أيديولوجية أودينية أوعرقية، أيضا من حيث إطار التحالفات الجديدة وتكوين محاور إقليمية وأخرى مضادة، كل هذه الجوانب تُعد بمثابة العوامل المُحفزة للصراع فى المنطقة قبل احتجاجات "الربيع العربى" وبعده على السواء، وفى هذا الإطار سوف يتكون لدينا شكل وماهية الدولة الفاعلة والقادرة على الهيمنة داخل النسق الإقليمى، إلى جانب ذلك فإن الصراع على الهيمنة وفرض الإرادة فى المنطقة الشرق أوسطية - فى ظل وجود مجموعة من القوى المتقاربة فى القوة والموازين النسبية فيما بينها - لا يمكن أن يحُسم إلاّ من خلال حسم بعض الأزمات والقضايا المحورية فى الشرق الأوسط، التى منها على سبيل المثال : الأزمة السورية، المشكلة العراقية، والأزمة اليمنية. الصراع الجاري في الشرق الأوسط ليس صراعاً مذهبياً، بقدر ما هو صراع سياسي تستخدم فيه كل الأدوات السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والمذهبية لمنع إيران من تولي مقعد القيادة الإقليمية. لذلك ترتسم في الصراع الجاري ملامح التكتل الإقليمي الجديد ,يضم خليطاً غير متجانس بالضرورة، أي غالبية الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا , لمواجهة إيران؛ وذلك بغرض تعطيل مساعي طهران لتولي موقع القيادة الإقليمية . هنا بالتحديد يكمن جوهر الصراع الإقليمي الراهن.   استمرار الوضع فى سوريا على ماهو عليه من صراعات ونزعات بين الأطراف المختلفة ,هذا السيناريو يقوم على الحفاظ على موازين القوى دون حدوث تغيير.أن مناطق الصراع في الشرق الأوسط أصبحت بمثابة ساحات جيوسياسية لتغيير موازين القوى الإقليمية والدولية؛ إذ استعادت روسيا دورها الدولي وذلك بانخراطها في صراعات المنطقة، حيث دعمت الحكومة السورية، ثم امتدت لاحقاً باتجاه ليبيا كمنصة قفز استراتيجية للدخول إلى وسط وشمال أفريقيا، وامتلاك أوراق ضغط في التنافس العالمي على الطاقة. وساعدها في ذلك تراجع الدور الأميركي، والتردد وانقسام المواقف الأوروبية. وبالمثل وظفت القوى الإقليمية غير العربية تنامي هذه الصراعات لتحقق مزيدا من التغلغل في الدول العربية الهشة المنكوبة بالصراعات، كما تجلى في التدخل التركي في سوريا وليبيا، وكذلك الإيراني في سوريا والعراق واليمن ولبنان.ومن جهة اخرى، ثمة تشابكات على مستوى قضايا التسوية السلمية، على غرار قضايا العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ونزع السلاح، وإعادة بناء المؤسسات، وتقاسم السلطة، وكيفية التعامل مع المحاربين السابقين في المجتمع. ومثل هذه التشابكات تجعل من الصعب التوصل إلى سلام مستقر، فحتى مع الشروع في إجراءات بناء السلام والدخول في تسويات سلمية مع فواعل الصراع، وفي مقدمتها التنظيمات والميليشيات المسلحة، فإن احتمالية الارتداد إلى العنف تبقى  قائمة.

وبالمقابل لا يمكن إغفال قوة إقليمية خطيرة مثل إسرائيل ومصالحها فى المنطقة بصفة عامة، وسوريا بصفة خاصة، فإسرائيل فى إندفاعها التواجدى نحوالهيمنة والسيطرة على الإقليم الشرق أوسطى قد لا يتحقق بصورة جيدة إلا من خلال المشاركة بل والحسم لبعض الملفات الشرق أوسطية لا سيما الأزمة السورية، إذ تُعتبر المصالح الأولية لوجود إسرائيل فى المنطقة هو السيطرة والتهدئة والتأمين لحدودها، ولذلك هناك رأيين فى الداخل الإسرائيلى  بشأن سوريا، الأول يرى : أن بقاء الأسد فى السلطة هوالأفضل لإسرائيل إذ أن البديل قد يكون إما  فوضوى، أوإستيلاء الإسلاميين أوالجهاديين أوكليهما على الحكم فى سوريا، بينما يرى الرأى الثانى : أن بقاء الأسد فى السلطة سيترك إسرائيل فى مواجهة تحالف خطير على حدودها الشمالية يضم إيران، سوريا، " حزب الله  " خاصةً وأن ذكرى حرب لبنان ( معركة الوعد الصادق ) 2006 لم تزول بعد  من أذهان القيادة الإسرائيلية، ومن ثم فإن رد الفعل الإسرائيلى إزاء الملف السورى يبقى حذر ودقيق للغاية حتى الآن(1).             

أن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط سوف يتحقق بتوافر شرطين أساسيين، الأول: استعادة الدولة مناعتها على أسس جديدة من العدل، واستيعاب التنوعات المجتمعية، وتحويلها إلى مصدر قوة، بما يقلص انكشافها داخليا وخارجيا. والثاني: أن تجد المجتمعات على الجانب الآخر بيئة مواتية لتلبية احتياجاتها من الأمن والمشاركة في السلطة والموارد والاعتراف بالهويات، دون الانتقاص من الانتماء الوطني، بما قد يخلق لحظة تعافِ قد تخرج الشرق الأوسط من الدائرة المفرغة للصراعات.

والإنصاف يفرض علينا هنا أن نعترف بأن فشل الدولة الوطنية في العالم العربي لا يعود فقط إلى تنوعه الديني أو الطائفي أو العرقي، ولا إلى المحاولات الرامية الى تجاوز الدولة العربية واختطافها من جانب التيارين القومي والإسلامي، كلٍّ لأسباب ودوافع أيديولوجية مختلفة، وإنما يعود، أولاً وقبل كل شيء، إلى عجز النخب الحاكمة في معظم الدول العربية عن تأسيس نظم سياسية تتّسع لمشاركة كل التيارات الفكرية والسياسية، وتكفل حقوق المواطنة للجميع، بخاصة حقوق الأقليات. لذا يمكن القول إن الأقليات العرقية والدينية والطائفية ربما لعبت الدور الأخطر في تقويض أسس الدولة الوطنية في العالم العربي، خصوصاً في الحالات التي حاولت فيها تلك الأقليات تغطية انتماءاتها الطائفية بعباءاتٍ أيديولوجيةٍ قوميةٍ أو إسلاميةٍ أوسع. وربما لا أكون مبالغاً إن قلت إن معظم البؤر الساخنة حالياً في العالم العربي تعكس "انتفاضة أقليات" بأكثر مما تعكس ثورات شعوب. لكن هل ستؤدّي إعادة رسم الحدود في الوطن العربي على أسس طائفية أو عرقية إلى إعادة الاستقرار والأمن للمنطقة  ككل، أو حتى للطوائف المنتفضة الآن، والتي يتعيّن الاعتراف بأن بعضها عانى كثيراً من قبل, وأعتقد أن العكس ربما هو الأصح. وبدورها لم تسلم منطقتنا العربية من هذا النمط من الصراعات وخاصة في بدء تشكل الكيانات السياسية فيها بخمسينيات وستينيات القرن الماضي، مرحلة الحرب الباردة في العلاقات العربية العربية والتي انتهى بعضها إلى صراعات ساخنة (حرب اليمن) ولم تنته هذه الظاهرة إلا بعد الموت السياسي لجمال عبد الناصر عقب هزيمة حزيران 1967 ثم موته الجسدي بعد ذلك بثلاثة أعوام، واستطاعت مصر "الكيان" الحفاظ على استمراريتها ووجودها بفضل التغيرات التي حصلت في مستوى النخبة السياسية والذي نتج عنه بالتبعية، تغيير سلوك مصر السياسي وبما يتفق والأوضاع الإقليمية الناشئة، ومتطلبات اللحظة الدولية في حينه. هذا على المستوى الشخصي.  أما على المستوى الكياني، فتبدو حال العراق، أفضل تجسيدا لذلك النمط من الصراع، فرغم زخم البعد الدولي في الحالة العراقية، فإن الصراعات الإقليمية التي أدارها العراق مع أكثر من طرف في وقت واحد، قد ساهمت بدرجة كبيرة في المآل الذي وصل إليه، فالطموحات الإقليمية للعراق، والرغبة في تغيير الواقع والمعادلة الجيوسياسية للإقليم ذي الأهمية الإستراتيجية، كان لها الدور الكبير في التوافق (الضمني) أقله (إقليمياً ودولياً) على ضرورة ابتداع صيغة جديدة لعراق مشذب سياسياً، ولا يعكر صفو الترتيبات الإستراتيجية الإقليمية والدولية المتواضع عليها.

لن تقوم للعالم العربي قائمة إلاّ حين تتخلّى نخبه الحاكمة نهائيا عن فكرة التحالف مع إسرائيل، وتستعيد زمام الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحين تدرك أن طريق النهوض من الهوة السحيقة التي وقع فيها يبدأ بإعادة الاعتبار للدولة الوطنية القوية وإعادة بنائها على أسس مدنية وديمقراطية تسمح لكل الأطياف والتيارات بالتعايش والمشاركة الفاعلة، فحين تقوم في العالم العربي دول وطنية ديمقراطية حقيقية، يصبح طريق التكامل والوحدة أمامها ممهّدا وقادرا على اختيار النهج الأكثر تعبيرا عن إرادة الشعوب.   يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي غرباً إلى بحر العرب والخليج العربي شرقاً، شاملاً الدول التي تنضوي في جامعة الدول العربية في غرب آسيا وشمال أفريقيا وشرقها. جغرافياً، يضم الوطن العربي أراضٍ احتلت أو أصبحت ضمن بلدان مجاورة مثل فلسطين وهضبة الجولان، ولواء اسكندرون والأقاليم السورية الشمالية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا و جزر الكناري وسبتة ومليلية وصخرة الحسيمة (تحت الاستعمار الإسباني) وعربستان (الأهواز العربية) والجزر الإماراتية (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) المحتلة من إيران. جغرافية الوطن العربي اليوم تشبه إلى حد ما الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة الأموية (باستثناء الأندلس وإيران وأفغانستان ومناطق جنوب شرق الأناضول). 

وإسرائيل كقوة إقليمية وجدت قسرا وبالقوة فى النطاق الشرق أوسطى بصفة عامة والنطاق العربى بصفة خاصة، تسعى لرفض جميع الحلول السياسية، ولا تؤمن بمبادرات السلام ما دام الوضع الإقليمي والدولي في صالحها، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما أنها تملك وسائل القوة والدعم الدولي، نتيجة للعلاقات التاريخية والثقافية التشابكية مع قمة النظام الدولى المتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعنى حجم الصفقات العسكرية والأقتصادية الذى مكَّنها من التفوق الإقليمي، لذلك  تسعى إسرائيل الآن إلى تعزيز مكانتها الدولية، وإضفاء قدر أكبر من المشروعية على وجودها الإقليمى، وليس أدل على ذلك من ترشحها للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن للفترة من 2019 – 2020  الذي سيتم البت فيه العام المقبل، كما أنها تسير لهذا الهدف من خلال خطة مرسومة ومدروسة ليست على ما يبدو وليدة الصدفة، وإنما تم التحضير لها منذ عدة سنوات، فنجدها تسعى للتغلغل في القارة الأفريقية، وكسر الدعم الأفريقي التاريخي للقضية الفلسطينية، وكذلك سعيها لاستعادة وضعها عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى مشاركتها في تجمعات إقليمية، كما في مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في القمة الـ51 للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (أكواس) في يونيو 2020 .   

  --------------------------------------------------     

1-خيارات محدودة : الدور الإسرائيلي في شرق أوسط متغير، مركز الروابط للبحوث والدراسات,24 فبراير  2015. الرابط : http://rawabetcenter.com/archives/4277