من جانب آخر حددت نظرية (البيت الاوروبي) و اسس تشكيل حلف الناتو (حلف شمال الاطلسي) القائمة على اساس ضمان الأمن و حماية الإقتصاد الاوروبي، التي وضعها الزعماء الاربعة الكبار المتحكمون (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، المانيا الغربية ـ وريثتها المانيا الحالية ـ)، حددت اوروبا بالمنطقة المحصورة بين المحيط الاطلسي و جبال الاورال، دون حساب روسيا و بقيت تركيا بين بين في الحسابات.

 و لم تُقبل طلبات روسيا للانتماء الى الناتو و الاتحاد الاوروبي كمشاركة في ضمان امن و استقرار اوروبا دون ذكر الأسباب، و انما جرى التغاضي عن تلك الطلبات، و وصف ذلك عدد من الخبراء الدوليين آنذاك بأن الولايات المتحدة لعبت الدور الرئيس بالحذر و عدم الثقة بروسيا، و وصفها آخرون بأن الولايات المتحدة، كان عليها ان تعيد بناء دولتها ذاتها التي بُنيت على اساس التنافس و معاداة روسيا وريثة الإتحاد السوفيتي في زمن ثنائية القطبية و الحرب الباردة طيلة اكثر من ثمانين عاما، حيث كانت كل دائرة اميركية تواجه دائرة سوفيتية بالمعاداة او التنافس.

و رأى و يرى ستراتيجيون بأن الدوائر الحاكمة الاميركية عاشت و بحثت و لاتزال تبحث عن (صورة او هيئة عدو ستراتيجي يتهددها) لتحشيد الأمة الاميركية و اوروبا الغربية معاً لتحقيق النجاحات و الانتصارات على الصعيد الدولي، كما كان الحال في زمن الحرب الباردة حين كان عدوها الاتحاد السوفيتي و حلف وارشو. .

و كما كان حين صعدت الموجة الاسلاموية و صار عدوها الارهاب الإسلاموي و حشّدت له كل الامكانيات من اجل تحشيد الغرب بمكوناته و تحشيد كل العالم لمواجهته بإعتباره عدوها المقدّس ناسية انها هي من اسس له ابتداءً لمواجهة السوفيت، حتى حصول كارثة برجي التجارة العالميين في ايلول سبتمبر 2001 التي لم تُكشف التحقيقات عنها الى الآن، و الى صورة حرب روسيا بوتين في اوكرانيا و التحشيد الغربي و اعلان الفخر بعودة وحدة الغرب، و محاولة التحشيد العالمي ضد روسيا، بلا مبالاة بمن صنع تلك الحرب و بلا مبالاة بضحاياها من الاوكرانيين بقومياتهم و الروس بمكوناتهم . . و هي تحقق اهدافاً عسكرية اخرى قد تكون اكبر، بغطاء تلك الصورة . . 

و اشارت صحف و وكالات انباء دولية الى ان الرئيس الاميركي بوش الابن، وظّف جريمة برجي التجارة العالميين عام 2001، اضافة الى التحشيد العالمي ضد (الارهاب الاسلاموي)، فإنه وظّفها في التمدد عسكرياً الى بقاع واسعة في العالم . . كما حصل في التمدد العسكري و الانتشار الكثيف في البحر الاسود، الذي عبّر عنه في اجتماع الناتو في بوخارست عام 2008 باعلان انضمام جورجيا و اوكرانيا اليه، الذي اثار بوتين و الحكومة الروسية لعدم استشارتهم بضم اوكرانيا الى الحلف في مخالفة صارخة للعقود و الاتفاقات التي جرت و التي تم الاعلان عنها، و لم يبال بوش الابن بذلك و لكن لم يجر الاتفاق او يُعلن عن انضمامها للحلف آنذاك . .

و انما استمر العمل العسكري و (التعاون) بين الناتو و اوكرانيا في مجالات التدريب و التسليح و المناورات، و تصاعدت موجة اعلان اوكرانيا كاثوليكية كانتماء عموم سكان غرب اوكرانيا، و انها مناوئة للارثدوكسية الروسية كانتماء عموم سكان شرق اوكرانيا . . و الاعلان بالتالي عن كونها اوروبية الانتماء و دولة في الاتحاد الاوروبي و نحو الناتو . . بضوء قمة بوخارست 2008 ! 

و وفق مدوّنات معهد السلام الالماني للامن و السياسة الدولية (SWP) عام 2017 . . فإن مازاد التوتر و المشاكل بين الناتو (الولايات المتحدة) و روسيا التي اثّرت على الاستقرار الاوروبي، اقامة الدرع الصاروخي كوقاية من مخاطر ايران، و أُقيمت الصواريخ في دول اوروبا الشرقية المشاطئة للبحر الاسود و التي انضمت للناتو كرومانيا و بلغاريا، حين نُصبت صواريخ بعيدة مدى موجهة نحو ايران في الاعلان الرسمي، و لكن يصل مداها الى موسكو وفق خبراء عسكريين روس، و احتجت موسكو حينها على الناتو دون ان يبدي اهتماماً . .

و اشار اكثر من مسؤول عسكري اوروبي بأن الولايات المتحدة تتخذ قرارات و تُجبر دول الناتو على تنفيذها، دون اهتمامها بمواقف و مصالح دول الناتو ذاتها، كما في حرب البلقان و كوسوفو و افغانستان و العراق . . و اجاب عليهم الرئيس السابق ترامب ( لأن لاجيوش حقيقية عندكم و لأنكم تعتمدون علينا في الدفاع عن دولكم، و لأنكم لاتدفعون مصاريف الجيوش و الحروب رغم انواع الخطابات النّارية، حتى صار الناتو عبئاً على دافع الضريبة الاميركي و مثيراً لتذمّره، و يمكن ان نصل الى حلّه) . .

في وقت قامت فيه إدارة ترامب ببيع اوكرانيا (أسلحة دفاعية)، بدت تلك الأسلحة هجومية لموسكو وحلفائها في منطقة دونباس. ثم دخلت دول الناتو الأخرى على هذا الخط، وشحنت بدورها أسلحة إلى أوكرانيا، ودربت قواتها المسلحة، وسمحت لها بالمشاركة في التدريبات الجوية والبحرية المشتركة. وفي تموز (يوليو) 2021، استضافت أوكرانيا الرئيس الحالي زيلينسكي وقامت مع أميركا بمناورات كبيرة في منطقة البحر الأسود شاركت فيها قوات بحرية 32 دولة، استفزّت روسيا و كادت تدفعها إلى إطلاق النار على مدمرة تابعة للبحرية البريطانية دخلت عمداً الى المياه الإقليمية الروسية . . استفزّت روسيا و هي ترى ان طوق الناتو اخذ يضيّق و يُحكم عليها اوروبياً و بحرياً.

جرى و يجري ذلك و الولايات المتحدة تراقب بقلق صعود روسيا في الاقتصاد و السياسة الدولية و الاوروبية و هي بالضبط على حدود الناتو الشرقية، و تراقب التفاعل و التطور لدول عملاقة و اخرى تنمو و تتعملق دون استئذانها على رأسها الصين و الهند اضافة الى البرازيل و اندونيسيا و المكسيك و اخرى . . و تزايد تلاحم الاقطاب المنافسة لها فيها، اضافة الى انتظامها في منظمات دولية عملاقة كمنظمة شنغهاي للاقتصاد و التجارة، و حددت عشرات و مئات العملات بينها . . من العملات المحلية الى العملات الرقمية و الالكترونية و انواع الرمزية . . (يتبع)

عرض مقالات: