لكل مجتمع ثقافة خاصة تُميِّزه عن المجتمعات الأخرى لأنها نابعة من الثقافة العامة للمجتمع لإحتوائها على مجموعة من القيم والأفكار والمعتقدات السياسية التي تدخل في تركيبة هذا المجتمع فتميزه عن غيره، كما تُبيِّن مدى تأثر الفرد أو المواطن بهذه القيم بشكل سلوك سياسي من جانب المواطنين إتجاه السلطة السياسية، أو من جانب أعضاء السلطة السياسية اتجاه المجتمع ككل، وتربط الثقافة السياسية بعملية التنشئة التي يحملها معه حينما يُجنَّد في مختلف الأدوار على المواطن يكتسب اتجاهات وقيم اجتماعية، وهكذا تصبح الثقافة السياسية عماد السلوك السياسي بما فيه السلوك الإنتخابي.

تشكّل المشاركة في الشؤون السياسية والعامة الأساس لإعمال جميع حقوق الإنسان وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً للغاية. ولا يمكن النظر إليها بمعزل عن قضايا هيكلية مثل مستويات الفقر أو الإلمام بالقراءة والكتابة. وتؤكد المساهمات التي قدّمتها الدول، أن احترام الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، والحق في الوصول إلى المعلومات والتعليم والوصول إلى العدالة، وإعمال تلك الحقوق إعمالاً كاملاً، شروط مسبقة لتهيئة بيئة مواتية للمشاركة في إدارة الشؤون السياسية والعامة. ومن الضروري سد "الفجوة الرقمية" من أجل إعمال الحق في المشاركة  بالشؤون السياسية والعامة إعمالاً كاملاً، لا سيما السماح للفئات المحرومة بالوصول إلى المعلومات والتعبير عن مظالمها من خلال استخدام تكنولوجيات الاتصالات الجديدة.  وقد اتخذت الدول عدداً من التدابير للتصدي للتحديات التي تتسبب بإعاقة المواطن من ممارسة حقه في العمل السياسي والانتخابات، ولزيادة المشاركة في الشؤون السياسية والعامة. ففيما يتعلق بالحق في التصويت والترشح في الانتخابات، اعتمدت عدة دول طرقاً بديلة في التصويت، مثل التصويت الإلكتروني ومراكز الاقتراع المتنقلة والتصويت بالبريد والتصويت المبكر، من أجل زيادة المشاركة في الانتخابات. وعمد عدد متزايد من الدول إلى منح غير المواطنين حقوقاً محدودة في التصويت، ويتيح بعضها لغير المواطنين الترشّح في الانتخابات المحلية والعضوية في مجالس هيئات الحكم الذاتي. ويمكن لنظام الحصص أن يزيد حظوظ النساء وأفراد الأقليات في تقلّد المناصب التي تُشغَل بالانتخاب. وتعمل أنظمة الحصص على أفضل وجه حين تخضع للرصد، وحين تصحبها عقوبات في حالة عدم التقيّد بها . وتُشكِّل الإنتخابات وسيلة لتفعيل وتنمية الديمقراطية، فلها دورا كبيرا في فتح أو تضيف مجال المشاركة، مما يجعلها تؤثر تأثيرا مباشرا على طبيعة النظام الديمقراطي المنتهج من جهة، والتعرف على مختلف السلوكيات التي تصدر عن الناخب أثناء أداءه للواجب من جهة أخرى. فتساهم المشاركة في الانتخابات  في تشكيل الوعي السياسي الذي يطبع فهم وادراك الأفراد للواقع السياسي والإجتماعي لمجتمعهم، وقدرتهم على التصور الكلي لهذا الواقع المحيط بهم، مما تساعدهم على بلورة الإتجاهات السياسية وتدفعهم إلى المشاركة الإنتخابية لاختيار ممثليهم في مواعيد انتخابية مختلفة. إن الأهمية التي تحظى بها العملية الإنتخابية، باعتبارها الدعامة الأساسية للنظام الديمقراطي، يقتضي منا تتبع التراث النظري الذي اهتم بدراسة السلوك الإنتخابي والتقصي لأهم العوامل المُفَسِّرة له، وذلك من خلال التعرف على السلوكية أولاً كنظرية علمية جاءت لتطوير التحليل السياسي، ثم مفهوم السلو ك والسلوك السياسي والإنتخاب لنصل في النهاية إلى تحديد مفهوم السلوك الإنتخابي كمفهوم إجرائي. وترتبط مشاركة الفرد في شؤون العملية الإنتخابية ارتباطاً وثيقاً بنوعية البيئة السياسية والإجتماعية التي يتفاعل فيها، ومدى اعتمادها على اختيار نظام انتخابي كأساس لاختيار قيادات المجتمع ورموزه، فإن خصوصية البيئة التي تميز المجتمع عن غيره من المجتمعات الأخرى تمثل عاملاً مؤثراً جداً في تمكين الأفراد من المشاركة في العملية الإنتخابية. إن التطور الديمقراطي في أي نظام مشروط بتوفير الآليات الكفيلة بإستيعاب مختلف القوى السياسية وتوسيع وتنظيم مشاركتها، التنظيمية. 

 وتُمثل النظم الإنتخابية إحدى أهم الآليات وأكثرها تأثيرا على العملية السياسية، لأنها تعمل عمل الميكانيزم الذي يضبط العملية ويُكرّس أساليب ممارسة الديمقراطية في شكلها الإنتخابي بالنسبة للأفراد من خلال تأثيرها على سلوكهم الإنتخابي وأيضاً للأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها لإتاحة الفرصة أمام مختلف القوى السياسية.

 ان زيادة الاهتمام في دول أوربا بدراسة السلوك الانتخابي وسَّع من دائرة المهتمين بدراسته، إذ لم يعد الامر مقتصرا على الباحثين في العلوم السياسية، وانما تعداه الى الباحثين في علم الاجتماع وعلم النفس، وأدى ذلك الى ظهور نظريات كثيرة ومتعددة تفسره بحسب المجال الذي تنتمي اليه. ان المفهوم العام للمشاركة السياسية هو : مشاركة أكبر عدد من المواطنين في الحياة السياسية ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، حيث تقتضي المشاركة السياسية وجود مواطنين يتوفر لديهم الشعور بالانتماء إلى هذه المجموعة وبضرورة التعبير عن إرادتها متى توفرّت لديهم الإمكانيات المعنوية ووسائل التعبير .وعلى هذا الأساس يجري وصف النظام الديمقراطي على أنه النظام الذي يسمح بأوسع مشاركة فمفهوم المشاركة السياسية يشمل النشاطات التي تهدف إلى التأثير على القرارات التي تتخذها الجهات المعنية في صنع القرار السياسي كالسلطة التشريعية والتنفيذية والأحزاب. وتُعَدّ الانتخابات الحرة والنزيهة وسيلة لا غنى عنها للإصغاء إلى إرادة الشعب. فتعترف المادة 25(ب) من العهد الدولي بحق كل مواطن في أن يَنتخب ويُنتخب في انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين، مؤكدة بذلك أهمية عدم الإقصاء والمساواة. وقد بيّنت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان العناصر الأساسية لهذا الحق. وبصفة خاصة، تطالب اللجنة الدول الأطراف بأن تتخذ، لدى الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 25(ب) من العهد الدولي ، تدابير إيجابية لضمان التمتع بالحقوق الانتخابية تمتعاً كاملاً وفعالاً وعلى قدم المساواة، ودون تمييز، فضلاً عن ضمان حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والتجمع وتكوين الجمعيات. وتُشكّل تلك الحقوق شروطاً أساسية لممارسة حق الانتخاب بصورة فعّالة، لذا تجب حمايتها حماية كاملة.

وندرة أو انعدام الدراسات التي بحثت في السلوك الانتخابي في الثقافة العراقية. وأيضا فان السلوك الانتخابي باطار سيكولوجي وبطريقة متميزة تندر أو تنعدم في الثقافة العربية بشكل عام والثقافة العراقية بشكل خاص لما يرافقها من تغيرات ومستجدات تتعلق بالحدث العراقي، لذلك ان محاولة جادة للكشف عن طبيعة العلاقة بين السلوك الانتخابي والاعتقاد بعدالة العالم في الثقافة العراقية وفرصة الانتخابات النيابية في العراق والتي لا تتكرر الأّ كل اربع سنوات على اقل تقدير. ويتأثر حجم ومدى المشاركة السياسية بالمتغيرات الاجتماعية المختلفة مثل التعليم والدخل والمهنة والجنس والسن وغيرها من العوامل، حيث يرتبط الدخل ايجابياً مع المشاركة، فأصحاب الدخول المتوسطة أكثر مشاركة من ذوي الدخل المنخفض، وذوي الدخل المرتفع أكثر مشاركة من ذوي الدخل المتوسط. وفي غضون ذلك، تبدو السوق الانتخابية واحدة من السمات السائدة التي ترافق العملية الانتخابية، وما رسخته الطبقة السياسية لشراء أصوات الناخبين الفقراء، من خلال ما يطلق عليه بـ “البطاقات الانتخابية” وهي عبارة عن آلية يعتمدها سماسرة الأصوات، تقوم على أخذ ما يشبه التعهد من الناخب بالتصويت لقائمة ما ويستلم نصف المبلغ على أن يتم تسليمه بقية المبلغ بعد إجراء الانتخاب، بعد أن تتأكد الجهة من أن عملية التصويت تمت كما هو متفق عليه، إما عبر التصوير بهاتف نقال داخل كابينة التصويت، أو بعد فتح الصناديق وإعلان أصوات مركز الاقتراع. كما لا يعول الناخبون على التغيير مستقبلاً عبر صناديق الاقتراع في ظل واقع سيطرة الأحزاب والكتل السياسية المتنفذة على القرار السياسي، وانتشار السلاح خارج سلطة القانون، ووفرة المال السياسي الذي مكَّن الطبقة السياسية من التلاعب بنتائج الانتخابات وشراء الأصوات؛ بالإضافة إلى عقلية الاستحواذ والتمسك بالحكم هو أحد المشتركات التي تجمع بين القوى والأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها، جراء المزايا المالية والشخصية التي أمَّنتها لهم العملية السياسية. 

الناخب العراقي يواجه خيارين أحلاهما مر؛ إما العزوف عن المشاركة وبذلك سيفسح فرصاً أكبر لفوز أحزاب السلطة، أو أن يشترك في العملية الانتخابية، التي ستكون من نتائجها بقاء الخريطة السياسية على حالها وإن أضيفت لها بعض الوجوه الجديدة، والتي سرعان ما ستدخل في مؤسسة الفساد العميقة، لتتماهى مع الحرس القديم في تقاسم السلطة والمنافع. فالسيناريو المحتمل في ظل مقاطعة قوى وأحزاب للعملية الانتخابية يؤشر على تعزيز قبضة النخب العميقة.

 والثقافة السائدة فى المجتمع وثأثيرها على المشاركة السياسية للمراة حيث مثَّلت قضية دور المراة فى المشاركة السياسية جدلاً واسعاً وخصوصا تمثيل المراة فى البرلمان باعتبارها احد اهم مظاهر المشاركة السياسية للمراة فى اى مجتمع.ومن المهم أن يكون الحق في المشاركة قابلاً للإنفاذ بالقانون، وأن يكون الحرمان من المشاركة قابلاً للطعن أمام المحاكم بتكلفة منخفضة. فديوان المظالم النمساوي مثلاً يضمن توفير المساعدة القضائية لجميع الأفراد، مجاناً وعن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني أو عن طريق استمارة الشكوى الإلكترونية على موقع المؤسسة على الإنترنت. وتعتمد الجمهورية التشيكية نظاماً مجانياً أو بتكلفة منخفضة لتوفير المساعدة القضائية لضحايا التمييز وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان. ان الثقافة السياسية هى نوع من انواع الثقافة العامة للمجتمع وتضم مجموعة القيم والتوجهات والاتجاهات والآراء والافكار والمشاعر، سواءً تلك المكتسبة أو المتوارثة التى تعمل على توجية الافراد نحو النسق السياسى ومكوناتة المختلفة من مؤسسات وهياكل تنظيمية تحدد سلوكهم وتقييمهم في اطارة ، والتميِّز بين مفهوم الثقافة السياسية ومفهومي الايديولوجية والرأي العام ، فالأيديولوجية تشير الى نسق من المعتقدات والمفاهيم والافكار الواقعية والمعيارية على حد سواء ، ويسعى الى تفسير الظواهر الاجتماعية المركبة من خلال منظور يبسِّط ويوجه الاختيارات للأفراد والجماعات ، اما الراي العام فهو وجهة النظر المعلنة لقطاع كبير من اعضاء الجماعة او المجتمع وهو ناتج جمعي كيفي وليس مجرد مجموع حسابي لآراء افراد الجماعة او المجتمع.  ويمكن أن تؤثر سمات النظم الانتخابية، بما في ذلك قوائم المرشحين وحجم الدوائر الانتخابية ومستويات عتبات التأهل، تأثيراً كبيراً في مسألة عدم الإستبعاد وفي عدد الأشخاص من الفئات الناقصة التمثيل الذين يُنتخبون لمناصب عامة. فقد أفادت غانا بأن قانون تمثيل الشعوب ينص على تقسيم البلد إلى وحدات سياسية أصغر لتيسير المشاركة العامة. وتيسيراً لإدلاء جميع الأفراد المعنيين بأصواتهم، اعتمدت دول كثيرة طرقاً بديلة في التصويت، مثل مراكز الاقتراع المتنقلة والتصويت بالبريد والتصويت المبكر. فتنشر أستراليا فرق متنقلة للاقتراع عن بعد في جميع أنحاء البلد، براً وبحراً وجواً، ليتمكن الناس في المناطق النائية، بمن فيهم جماعات الشعوب الأصلية، من التصويت.