صحيح جدا أن لروسيا مخاوف جدية من تمدد حلف الناتو شرقا وتطويق روسيا بأسلحة وصواريخ نووية وزعت على مقربة من حدوده.. وصحيح كذلك أن تلك المخاوف هي التي دفعت السيد پوتين للاعتراف بالجمهوريتين المنشقتين عن اوكرانيا وبعدها التوغل بأراضيها من قبل قوات روسيا، ولربما طرد القوميين المتطرفين(النازيين) من قيادة السلطة، وعدم السماح لأوكرانيا أن تنضم الى حلف الناتو..وهذا التوغل الروسي أوصل رسالتين مهمتين وخطيريتين الى الولايات المتحدة وحلف الناتو: ١)  أن روسيا لن تتخلى عن حقوقها وحقوق شعبها وهي خطوط حمراء لا يُسمح لأي قوة أن تتجاوزها، حيث أنه ورغم الرسائل التي تضمنتها مخاوف روسيا، لم يجر الرد عليها من قبل الناتو، بضرورة تقديم ضمانات خطية أمنية له والرجوع الى اتفاقيتي اسطنبول واستانه اللتين ترسمان الخطوط وضمان الأمن الجماعي لأورپا ومنها روسيا. ٢) أن رد روسيا العسكري والدبلوماسي أكدا عمليا أن هيمنة القطب الواحد وحلف الناتو لم تعد مقبولة على الصعيد الدولي، وظهور أقطاب عسكرية وسياسية واقتصادية متعددة تحد من هيمنة الولايات المتحدة وحلف الناتو على الساحة الدولية .هذا التوغل العسكري الروسي في أراضي أوكرانيا، وهو يتعارض بالتأكيد مع القانون الدولي ويضع العالم على كف عفريت الحرب النووية الشاملة، والذي حقق ما تطمح إليه الولايات المتحدة حيث سارعت بدفع اوكرانيا وشعبها في أتون حرب وقدمتهما كضحية أو كما تسميها (أضرار جانبية) لتنفيذ مخططها في أولا تعزيز تواجدها العسكري في اورپا ونشر قواتها قريبا من الحدود الروسية، وثانيا ترميم الصدع الذي أصاب العلاقات الاوربية- الأمريكية وإعادة هيمنة الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا عليها، وثالثا إرهاق روسيا بالصراعات وشل اقتصادها عبر فرض عقوبات قاسية عليها وعزلها دوليا، ورابعا اضعاف روسيا تماما مما يفتح الطريق أمام الولايات المتحدة لتطويق الصين ، القوة العظمى الصاعدة، ومما بسهل عليها فرض قيود اقتصادية عليها مما يكبح منافستها لها ويضع الكوابح أمام تقدم الصين وآمالها بتبوء المركز الاقتصادي الاول في العالم.

.أما حديث الغرب والولايات المتحدة عن الدفاع عن النظام (الديمقراطي) الاوكراني وذرف الدموع على معاناة الشعب الاوكراني كلها محاولات مزيفة لأن الغرب يعلم جيدا أن النظام في اوكرانيا ليس ديمقراطيا حيث أسكت صوت المعارضة عبر مجموعة من الاجراءات التي تتنافى مع أبسط أصول الديمقراطية كالسجن لقادة المعارضة وقمع الحريات الصحفية والاعلامية واغلاق ثلاث فضائيات للمعارضة الاوكرانية، ناهيك عن رفضها لحل الخلافات بالطرق السلمية بينها وبين جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وقصفهما باستمرار.

فالغرب والولايات المتحدة يراهنون حاليا على توغل روسي طويل الأمد في مستنقع اوكرانيا وشيطنة روسيا أمام المجتمع الدولي لعمليتها العسكرية التي تتعارض مع القوانين الدولية، لذلك أجد أن المستفيد من هذا الوضع المعقد هو الولايات المتحدة للأسباب المذكورة أعلاه وخسارة فادحة لأوكرانيا وشعبها، ولروسيا وشعبها، وإلى اوروبا التي وجدت نفسها مضطرة للخضوع مجددا لإرادة الولايات المتحدة. الأيام والأسابيع القادمة ستوضح مدى تحقيق طرفا النزاع الروسي والغربي أهدافهما المتعارضة.

 

عرض مقالات: