دراسة الظاهرة الحزبية نشأتها، وتطورها، يُعبِّر في الواقع عن مخاض عسير ، ارتبط في الحقيقة بتطور الديمقراطية ونشأتها في بلاد الإغريق ، والملاحظ أن التجارب السياسية التي رافقت البناء السياسي للمجتمعات الغربية أعطت لهذه الظاهرة طبيعة تتماشى مع الوضع السياسي والاجتماعي لهذه الشعوب ،وهذا ما يفسر أن الدولة الوطن والمواطنة ،والبرلمان ، مفاهيم جاءت لتعبّر عن طبيعة سياسية و مجتمعية ناتجة عن تفاعل عدة عوامل ، أهمها بروز نخب سياسية متشبعة بثقافة سياسية حرة نابعة عن الفكر السياسي الذي راج مع بداية القرن السابع عشر.  ويمكن القول إن الحزب أو الظاهرة الحزبية عموماً جاءت كتعبير عن واقع اجتماعي، وأن بقاءها اليوم مقرون بمدى قدرتها على تفعيل نشاطها مقابل تنامي التنظيمات الأخرى في الحياة السياسية، فالأحزاب في الغرب اليوم، تلعب دوراً اجتماعياً أكثر منه سياسياً، بينما تبقى هذه الظاهرة في العالم المتخلف بعيدة عن هذا الدور، لأن هدفها والوحيد، هو الاستحواذ على السلطة والبقاء فيها، في حين تُشكل الديمقراطية وسيلة جديدة لبقاء نخب قديمة في الحياة السياسية.   في ظل نظام تعدد الأحزاب التام يجد الناخب نفسه أمام عدد كبير من البرامج يمكن أن يختار من بينها، غير أن هذه الحرية المتاحة للناخب رغم سعتها فهي حرية وهمية، ذلك أن الناخب في نظام تعدد الأحزاب لا يختار مباشرة الحكام، ولا يساهم في اتخاذ القرارات الوطنية الهامة، وإنما يعهد بهذه المهمة إلى وسطاء وهم النواب الذين يتولون تحقيق الائتلاف والتحالف البرلماني بين الأحزاب لتشكيل الحكومة، نظراً لصعوبة حصول أي حزب على الأغلبية البرلمانية المطلقة التي تمكَّنه من تشكيل الحكومة بمفرده. ومن ثم فان نظام تعدد الأحزاب التام لا يحقق الديمقراطية التي تتيح للناخب اختيار الحكام مباشرةً، وإنما يحقق فقط الديمقراطية التي يعهد فيها للناخب إلى النواب بتشكيل الحكومات. وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه المنافسة أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية. والتعددية هي وجود أصوات وأصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم.

وتعمل التعددية السياسية على الحد من تسلط الدولة وذلك من خلال وجود جماعات وسيطة بين الشعب والسلطة كالحكومات المحلية أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني وهو ما يضمن الحرية للفرد وعدم تسلط الدولة أو سيطرة الحزب الواحد أو احتكار السلطة أو اعتناق الدولة لمذهب سياسي واحد. تتطلب التعددية السياسية وجود نظام قانوني يضمن للفئات الاجتماعية المختلفة الحق في الانتماء إلى التنظيمات وإنشاءها كما يضمن لهذه الفئات الحق في التعبير عن آراءها مع حقها في الطموحات المشروعة في السعي للوصول إلى السلطة السياسية في ظل تشريع دستوري يضمن ذلك ويسمح به(1).هناك الاختلافات السياسية، التي تعكس الخلاف بين الجماعات حول شكل نظام الحكم أيكون ملكياً أو جمهورياً، وهناك الاختلافات الاجتماعية، التي تعكس موقف كل طبقة من الطبقات الاجتماعية من النظام السياسي ككل، وهناك الصراعات الدينية، كالصراع بين رجال الدين العلمانيين في الدول الكاثوليكية وما بين الكاثوليك والبروتستانت في الدول التي تنقسم شعوبها بين هذين المذهبين، وهناك الخلافات العنصرية، والقائمة علي العصبيات وخاصة في الحالة التي تجمع بين عدة جماعات مختلفة من حيث الأصل والجنس، كدعاة الاستقلال في إقليم ” إلباسك” وإقليم “الكاتلان” في إسبانيا والايرلنديين في إنجلترا، والصراع في بلجيكا(د. نبيلة عبد الحليم كامل ،الأحزاب السياسية). 

التحول الديمقراطي بدلالاته اللفظية يعني تلك المرحلة الوسيطة بين نظام غير ديمقراطي بأشكاله المختلفة ونظام ديمقراطي، يعني أن هناك درجات للتحول، ويقاس مدى نضج التحول بمدى اقترابه من مرحلة الديمقراطية وبالتالي يمكن أن نتحدث عن تجارب تحوّل ديمقراطي ناشئة وأخرى وسيطة وثالثة متقدمة وهكذا، وكل ذلك بناءً على اقتراب تجربة التحوّل من الوصول إلى تحقيق الديمقراطية التي رغم الاختلاف حول أشكالها فإن هناك اتفاقاً حول جوهرها حريات الرأي والتعبير والتنظيم والتداول السلمي للسلطة.    

 المشاركة السياسية ترتبط بالمسؤولية الاجتماعية التي تقوم على أساس الموازنة بين الحقوق والواجبات لذلك هي سمة من أبرز سمات النظم الديمقراطية، حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة إلاّ أنَّ المشاركة تخضع للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية الشخصية للفرد ومجتمعه. كما تتوقف مشاركة الفرد في الحياة السياسية على مدى اهتمامه وطبيعة المناخ السياسي هذا ويتأثر مدى المشاركة بمستوى التعليم والمهنة والجنس والسن ومحل الإقامة والمحيط الثقافي. وواقع الحال أنّ الأحزاب تضطرّ إلى مواجهة التطوّرات السياسية سريعة التغيّر والتي يصعب حتى على أكثر المنظمات السياسية صلابةً التأقلم معها. فوتيرة التغيير السريعة زادت من عجز الأحزاب عن وضع برامج بعيدة المدى، وتشكيل هوية متّسقة، والتميُّز عن منافسيها. وإذ يطالب المواطنون بردودٍ مباشرةٍ على التطوّرات التي تحصل. تشعر الأحزاب بأنها مضطرّة إلى التعبير عن آرائها في ما يتعلّق بالأحداث يوماً بيومٍ، حتى حين لا يصب ذلك بالضرورة في مصلحتها. 

 إن جميع الظواهر التي أفرزتها العولمة بمختلف تجلياتها أوصلت إلى قناعة أكيدة مفادها ضرورة أن يدخل حقل الدراسات السياسية المقارنة في الحسبان التغيرات الحاصلة على المستويات عبر القومية وعبر الإقليمية وأدوارها وأوزانها النسبية في عملية التحول الديمقراطي. من جهة ثانية، فإن اتساع مجال عمليات الإصلاح السياسي لتشمل مجتمعات من شرق أوربا إلى إفريقيا في ظل ظروف وعوامل تختلف إلى حد كبير عن المسار والخبرة الأوربية الغربية في بناء الديمقراطية الليبرالية، أدى إلى إثارة الشكوك في مدى مصداقية ذلك التوافق الذي ارتضاه بعض علماء السياسة المقارنة حتى منتصف السبعينات، ومفاده عدم إمكانية حدوث تنمية سياسية ديمقراطية خارج نطاق حلف شمال الأطلسي، وحتى بعد حدوث الموجة الأولى من الإصلاح السياسي في جنوب أوربا (إسبانيا والبرتغال) وأمريكا اللاتينية في منتصف السبعينات ، لم يثر الباحثون في حقل السياسات المقارنة الحاجة إلى مراجعة نظرية، لأنهم فيما يبدو اعتبروا تلك التحولات مجرد وقائع غير متجانسة أو عمليات عارضة في تغير النظم السياسية، إلاّ أن امتداد هذه الموجة إلى شرق أوربا جعل من غير الممكن تجاهل نقص أو محدودية الأدبيات النظرية المقارنة، ولهذا بات من الضروري حدوث المراجعة النظرية خاصة . من المعروف أن الأحزاب السياسية نتاج لوجود التعددية السياسية التي هي من الركائز الأساسية لأي نظام سياسي. فالأحزاب السياسية ارتبطت نشأتها لظرفين أحدهما موضوعي، وهو وجود حالة من الازمة في المجتمع تتطلب ظهور تنظيمات سياسية لمواجهتها وطرح الحلول المختلفة لها. والآخر ذاتي، ويتعلق بالإحساس بأنه يمكن حل هذه الازمة وأن هناك حلولًا مثلى للتخلص من مثل هذه الأزمة. كان للتطورات السياسية التي شهدها العراق وتعاقب الحكومات القائمة عليه الاثر الكبير على الاحزاب السياسية من خلال السماح بالعمل الحزبي تارة وتحريمه تارةً اخرى وبدأت الكثير منها تعمل في الخفاء وتظهر الى العلن وبعد ان كان نظام الحزب القائد هو المسيطر أصبح هناك انفتاح حزبي شكل تزايدا خطيرا في الاحزاب السياسية فكان لا بد من عرض القوانين التي تبنَّت التعددية الحزبية من الانظمة السابقة حتى الوقت الحاضر. ان وجود تنظيم قانوني للأحزاب والحركات السياسية له اهمية كبيرة مع السير باتجاه تطبيق النظام السياسي الديمقراطي. أذ تُعد الأحزاب السياسية من العناصر الأساسية الفاعلة في النظام السياسي وبالتالي تأطير عملها قانونيا يضفي عليها شرعية التحرك والسلوك السياسي، ويجعلها قادرة على إدامة وتطوير الأساليب الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية بغية توسيع المشاركة السياسية للأفراد. 

وجود الاحزاب الحقيقية التي تعتمد مفهوم الديمقراطية وآلياتها ينشِّط الوعي السياسي، ويسهم في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، كما تقوم هذه الاحزاب بدور مهم يتمثل في تهيئة الكوادر القيادية لإدارة الدولة، وتتولى مسؤولية توحيد المجتمع وتحويله من طابعه الفردي الى الشكل الجمعي المؤسساتي مما يخلق ثقافة سياسية مشتركة غايتها بناء الوطن، وتحقق الاحزاب السياسية الديمقراطية الاستقرار السياسي من خلال تعبيرها عن المجتمع بكل مكوناته، وتملأ الفراغ بين الدولة والمجتمع وتقوم بمهمة حلقة الوصل والترابط بينهما، فالأحزاب توفِّر بأدائها لهذه المهام البيئة الصالحة للحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر الاستمرار، والتنظيم، ودخول الانتخابات للوصول الى السلطة والالتزام بتحقيق برنامجها السياسي، وتمثل الاحزاب هنا مستودعات الافكار السياسية للمجتمع بكل مكونات ونسيجه، كما تقوم بدور القناة التي تنساب عبرها هذه الافكار الى بنية الدولة ونظامها ومؤسساتها.  تُعد سيادة القانون من ركائز النظام السياسي الديمقراطي وهي من المعايير الاساسية لتطبيق النظام ونزاهة القضاء لضمان الحقوق والحريات الاساسية التي يجب ان يتمتع بها المواطنون دون تمييز وتستند سيادة القانون  في, قوة القانون، ومساواة جميع المواطنين امام القانون، والامتناع عن التنفيذ الجزئي للقانون، وتتنافى سيادة القانون مع السلطة المطلقة التي تفضي إساءة استخدامها وفساد القائمين عليها الى غياب دور القانون، ويُعدّ ضعف رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية من الاسباب الرئيسة للفساد وحماية المفسدين، إذ يشجع عدم فاعلية الانظمة الرقابية على الفساد والاضرار بالمصالح العامة للمجتمع (2)، فيفقد القانون هيبته في المجتمع بسبب قدرة المفسدين على تعطيله وعدم تطبيقه ضد المخالفين الذين تهدد ممارساتهم أمن المجتمع، فتصبح مخالفة القانون هي القاعدة السارية، ويتحول احترامه الى استثناء، ويأمن المفسدون من المسائلة والعقاب. هناك العديد من أشكال وأنماط الأحزاب السياسية في مختلف النظم السياسية على اختلاف تكويناتها واشكالها، واعتماد هذه النظم شكل للتعددية يتيح قدراً أكبر من التنافسية وتداول السلطة بشكل سلمى، يجعل المشاركة السياسية لكافة تيارات المجتمع في النظام السياسي يرتبط بشكل واضح بطبيعة  التعددية المطبَّقة فيه وفعاليتها في أداء دورها، هذا يجعله هناك تحويل في النظام السياسي بدرجة اكبر نحو الممارسات الديمقراطية، ويجعله نظامها يتميز بالتحول نحو الديمقراطية، وهذا لا ينفصل عن الوظائف التي تقوم بها التعددية الحزبية خاصة الوظائف المرتبطة أكثر بإحداث التحويل الديمقراطي داخل النظام السياسي، فهناك علاقة وثيقة وارتباطية بين شكل التعددية وأدائها لوظائفها بفاعلية وبين إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في أي نظام سياسي. تقوم الأحزاب السياسية بدور مهم في عملية المشاركة السياسية من خلال غرس مفاهيم ومعتقدات سياسية وهي تمارس دورها هذا من خلال ما تقوم به من دور مزدوج في عملية التنشئة السياسية الذي يتمثل في دعم الثقافة السياسية السائدة وخلق ثقافة سياسية جديدة، فالأحزاب السياسية تُعتبر من أهم ركائز الديمقراطية ومن أهم المؤسسات السياسية في تفعيل المشاركة الشعبية، كما تُشكل قنوات لتأطير المشاركة السياسية التي تُعد معياراً لنمو النظام وسلامة المناخ التفاعلي بين النظام والمجتمع. 

ويؤدي وجود الاحزاب الى تقويم السياسات الحكومية فتكون قراراتها أكثر روية وحكمة وموضوعية لان التسرُّع في اتخاذ القرارات سيُعرِّض الحكومة لانتقاد الاحزاب وتتيح الفرصة لمناقشة المسائل العامة بهدوء لتحقيق اهداف تعجز عن تحقيقها مجهودات افراد قلائل وبذلك ترسخ مفاهيم الديمقراطية وتعتبر عنصرا من عناصر استقرار الحياة السياسية في الدولة فالمواطنون يتغيرون والحكومات تزول وفي المقابل فأن المشاريع والاهداف تحتاج الى زمن طويل لكي تخرج الى ارض الواقع ويتم تنفيذها وهذا هو السبب الحقيقي لوجود الاحزاب. للأحزاب وظيفة اساسية في تقويم السلطة وكشف اخطائها وتعديل مساراتها نحو الصواب وهي التي تعمل على ايجاد التوافق الاجتماعي كما تُعد الاحزاب مدارس للتكوين والتثقيف السياسي للمنخرطين وادارة لتنوير الشعب وبتعريفه بحقوقه وواجباته وان كان هناك من ينظر نظرة سلبية للأحزاب على اعتبارها تنشر الفرقة وتُغلِّب المصلحة الفردية على المصلحة العامة. إقامة روابط حقيقية مع الناس.

--------------------------------------------------------------

1- نور فرحات، محمد. (١٩٩٢)، “التعددية السياسية في العالم العربي: الواقع والتحديات”، الرباط: مجلة الوحدة، العدد 91، ص8

2- بوسف حاشي، في النظرية الدستورية، ابن النديم للنشر والتوزيع، بيروت 2009,ص160