كلما اقترب تشكيل الحكومة بعد الانتخابات تبرز " بنوراما سوداء " تبدو معدة سلفاً. عناوينها الكبيرة تشير الى ما سمي بـ " حقوق المكونات " المعمدة بتراتيل شبيهة بالطقوس التي لا مناص من ادائها. كل ذلك يطرح على طاولة تقاسم الوليمة. ويكون فيصل التحاصص فيها، هو ما درج على تسميته بـ " الاستحقاق الانتخابي ". الذي يحاط باحتراس شديد من قبل اصحابه، و تصبح الخطوط الحمراء اسواراً وربما مكهربة غير قابلة للتماس او حتى للاقتراب منها .
هذه هي " بسملة " تشكيل كابينة الحكومة العراقية منذ سقوط النظام السابق.. طبعاً هذا على فرض قد تم عبورعتبة تكليف رئيس الوزراء، التي هي الاخرى غالباً ما تواجه شراسة التدخلات الاقليمية والدولية، فضلاً عن الصراعات التناحرية الداخلية، ولن يتم تجاوزها بغيرعملية قيصرية عصية .. فماذا سيتخيل المرء يا ترى حينما تصاب تلك التي تسمى بـ "الاستحقاقات " سواء كانت انتخابية ام مكوناتية، بعصف صادر عن انتفاض حراك الشارع، الذي قلب الطاولة وغير المعادلة لصالح قوى التغيير الشامل، وان كانت ما زالت غير مكتملة. مرهونة بعوامل مواصلة نهوضها الكامنة في منصاتها الشعبية.
اليوم يحتدم الصراع، مثاراً بسبب ارادة صاحب المقاعد النيابية الاكبر نحو عزمه على اتخاذه قرار بتكليف رئيس الوزراء دون التوافق مع الخاسرين، عكس ما كان عليه التقليد الكارثي فيما يخص تشكيل الحكومات السابقة. واذا ما عنى ذلك شيئاً فيعني قطعاً الرجوع الى المادة { 76 } من الدستور، التي دأبت الكتل المتنفذة على لي عنق هذه المادة الحاكمة، والتصرف حسب اعرافها المخالفة لنصوص الدستور، دون اي رادع يذكر.. واذا ما تمت العودة الى السياقات الدستورية، فستكون طريق المحاصصة مقفلة. الامر الذي يحط من مقدار حصة المقعد النيابي المكوناتي.. فما بالكم بفقدان العدد الاكبر من مقاعد المتنفذين . اذاً التفسير الارجح هو بداية الازاحة النوعية السياسية في المشهد العراقي. ومن ثم ستعكس حالها على مستقبل الاداء السياسي المخرب اصلاً ، والذي القى بخرابه الشامل على عموم مفاصل الحياة في البلاد.
ولهذا اخذ الخاسرون يذللون سعيهم عن ملاحقة الاصوات الضائعة. التي ثمنها يتلخص بفقدان عدد من الكراسي الانتخابية. غير انهم صاروا يحصرون سعيهم حول من سيكون رئيساً للوزراء . بل و الذي يعنيهم اكثر من غيره كما يبدو. هو مفصل حق اختيار الرئيس .. ان هذه المعضلة غدت تشكل غصة ليس لدى الطغمة الحاكمة القدرة على هضمها . ولكن غير ببعيد ان تسوّف الامور بفعل الضغوط العابرة للحدود وللبحارعلى حد سواء. اذ ان الانسداد لم ولن تتوفر امكانية لتفكيكه. ان في هذه اللوحة ما يفرض حاله المتمثلة بالدعوة الى حشد القوى المنتفضة بمختلف اطيافها المدنية الديمقراطية على قاعدة برنامج التغيير الديمقراطي الشامل وبسط العدالة الاجتماعية ودولة المواطنة.