النقاش الحاد الذي يدور اليوم حول تصرفات بعض الكرد في اربيل بتمزيق العلم العراقي ورفع العلم الإسرائيلي على ساحة ملعب رياضي في اربيل ، له ابعاد كثيرة وخطيرة لا يمكن السكوت عنها .
البعد الأول يتجلى في اضفاء صبغة العمومية على هذا التصرف ، بغض النظر عما سبقه من تصرفات مسؤولين كورد ، وكلنا يعلم ماهية هؤلاء المسؤولين الذين لا يقلون عن اصنافهم من المسؤولين العرب الحاكمين بكل ما تتيح لهم اللصوصية من وساءل النهب والسلب والكذب والإحتيال وانعدام الشرف والضمير . إن التوجه للصق هذا التصرف الشائن والأهوج بالشعب الكوردي وإشعال فتيل صراع قومي داخل وطننا بين قوميتين ناضلتا جنباً الى جنب عقوداً طويلة من تاريخ العراق الحديث من اجل وطن واحد تسوده الديمقراطية ويعمه السلام ، ما هو إلا محاولة اخرى كمن محاولات صرف النظر عن الهدف الأساسي لنضال الشعب العراقي برمته اليوم من اجل دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الإجتماعية والسلام وتحقيق مستلزمات الحياة الحرة الكريمة لإنسان القرن الحادي والعشرين .
سوف لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا بأن القضية القومية الكوردية لم تنل من إهتمام الرأي العام غير الكوردي في مناطق كوردستان كافة ، مثل ذلك الإهتمام الذي لقيته لدى الرأي العام العراقي سواءً من قبل الأكثرية السكانية العربية أو من القوميات العراقية الأخرى في الوطن المشترك بين كل هذه القوميات ، الوطن العراقي . لقد إنصّب هذا الإهتمام بالدرجة الأولى على التفهم الواضح لما يتعرض له الشعب الكوردي المناضل ضمن ما تعرض له مجموع الشعب العراقي من إضطهاد وتغييب وكبت وحرمان من قبل الأنظمة السياسية التي تسلطت على العراق وشعبه . فإذا ما إستثنينا الحقبة السياسية للزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم ، فإن الشعب العراقي برمته وقواه السياسية التي كانت تقود نضالاته في سبيل التحرر الوطني والإستقلال الإقتصادي تعرضت جميعاً إلى شتى أنواع الملاحقات والإضطهاد والسجون والمنافي وحتى الإعدامات التي نالت الشيوعيين والديمقراطيين والضباط الوطنيين منذ العهد الملكي وانتهاءً بالعهد البعثفاشي . وبالرغم من حدوث بعض الإنتكاسات في الموقف الرسمي من القضية الكوردية في عهد الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ، إلا أن هذه الإنتكاسات لم تكن قد تأثرت بمفاهيم الشوفينية القومية العربية أو بالتنكر للحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ، كما كان الأمر بالنسبة للعلاقات التي سادت بين الكورد وحركتهم القومية التحررية من جهة والحكومات التي تعاقبت على العراق من جهة أخرى ، بل إنها تأثرت اكثر ما يمكن بتأثير التوجه اليميني لثورة الرابع عشر من تموز الذي أراد من خلاله الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم الحد من التوجه الثوري الذي رافق الثورة منذ بدايتها والذي صورته له القوى اليمينية على أنه الخطر الذي يهدد وجود الثورة وقادتها ، ولم ينتبه الزعيم الوطني إلى أن العكس كان هو الصحيح إلا حينما إنقلب عليه هذا اليمين نفسه الذي كان يقف إلى جانبه فأنهاه وأنهى بذلك التوجه الديمقراطي التقدمي وكافة المكتسبات التي أحرزتها ثورة الرابع عشر من تموز في عمرها القصير .
لقد ظلت القضية الكوردية كقضية تحرر قومي موضع إهتمام الشعب العراقي وقواه التقدمية التي حرصت كل الحرص على إستمرار هذا النهج المنطلق من مبدأ حق الأمم والشعوب بتقرير مصيرها ، كبرت هذه الأمم أم صغرت ، إذ أن هذا المبدأ هو مبدأ ينظر إلى الإنسان أولاً وليس إلى عدده أو لون بشرته أو إنحداره او دينه . وعلى هذا الأساس واستناداً إلى هذه القناعة قدم الشعب العراقي في كوردستان العراق وفي المناطق الأخرى من شماله وجنوبه ووسطه آلاف الضحايا دفاعاً عن حق الكورد في العراق أساساً وفي كوردستان عموماً ، التي قسمت السياسة الدولية معظم مناطقها بين العراق وتركيا وإيران وسوريا لتتحكم بها الشوفينيات القومية وتتنكر لأبسط الحقوق القومية والثقافية التي يجب ان يتمتع بها الشعب الكوردي كواحد من أكبر الشعوب على وجه الأرض دون وطن قومي.
إن ثقافة النضال من أجل القضية الكوردية التي إنتشرت في العراق في كافة العهود التي مرت به ، حتى في تلك التي هي اشد ظلاماً واضطهاداً وجوراً من أية بقعة في العالم والتي تمثلت في العهد البعثفاشي ألأسود ، إن هذه الثقافة ظلت واحداً من المحاور الأساسية لنضال الشعب العراقي وقواه الوطنية التقدمية من شيوعيين ووطنيين ديموقراطيين ومستقلين تقدميين وليبراليين . ولم تشكل الخلافات التي نشأت بين مختلف هذه القوى السياسية في الحقب السياسية المختلفة التي مر بها وطننا العراق عائقاً أمام مواصلة هذا النضال وترسيخ هذه القناعة بحق الشعب الكوردي بتقرير مصيره بنفسه وممارسة ثقافته وإحياء تراثه أينما وُجد على جميع ارض كوردستان .
إلا أن المُلاحَظ ، مع ألأسف الشديد ، وخاصة بعد سقوط البعثفاشية في العراق وجود بعض التراجع عن هذا المبدأ الإنساني السامي ، حق الأمم والشعوب بتقرير مصيرها ، حتى مِن قِبل بعض عناصر القوى التقدمية العراقية التي ناضلت عقوداً من الزمن دفاعاً عن قناعتها بهذا المبدأ وبالتالي دفاعاً عن القضية الكوردية كرمز من رموز النضال في سبيل تحقيق مضمون هذا المبدأ فعلاً . ونشاهد اليوم تراجعاً اشد وطأة وامضى أثراً ، مغموساً حتى بالعداء للشعب الكوردي وتطلعاته احياناً . فما سبب هذا التراجع يا ترى ...وأين يكمن الخلل في هذه الرؤيا الجديدة لدى مَن يتبنى هذا الفكر...؟
إن المُتتبع لسياسة المحاصصات التي وسمت الجو السياسي العراقي ببصماتها السيئة ونتائجها الكارثية على مجموع الأوضاع في وطننا لا يمكنه إلا أن يضع هذا التراجع عن الموقف المبدئي من القضية الكوردية في مسار هذا النهج الذي لم يأت بهذه المأساة فقط ، بل وبمآسي أخرى يئن تحت وطئتها الشعب العراقي بكافة قومياته ومذاهبه منذ القضاء على دكتاتورية البعث عام 2003 ولحد الآن . لقد إنعكس هذا النهج على بعض الساسة ألكورد الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط المعمعة السياسية التي وفرت لهم اجواءً لم يكونوا قد إستعدوا لها فكرياً ولم يهضموها عملياً إما من خلال مستواهم الفكري او من خلال موقعهم الإجتماعي . فجاءت تصرفاتهم وسلوكياتهم في العهد الجديد لترسخ ما يجول بافكارهم من مفاهيم لا يمكن وصفها بأنها من صلب المفاهيم التي تسم حركة تحرر قومي كحركة التحرر القومي الكوردي . وانصب جُل عمل هؤلاء في المجالات التي وجدوا فيها أجواءً رحبة لتحقيق أمنياتهم في تبوء مراكز إجتماعية أفضل أو مناصب حكومية مهمة أو علاقات إجتماعية عشائرية ومدنية جديدة ضمن تحالفات آنية او دائمية ، بحيث ادى كل ذلك إلى تراجع العمل بالمحتوى الأساسي للقضية القومية الكوردية وأهدافها التحررية . ثم اشترك هؤلاء القادة الكورد ، بعلم منهم أو بدون علم ، بتجارة المحاصصات التي راج سوقها بين كثير من الساسة العرب على الجهة الأخرى عراقياً وعربياً ، خاصة أولئك العرب الباكين على سقوط الحكم الشوفيني البعثفاشي ، العدو اللدود للشعب الكردي وامانيه في تحقيق المصير ، فتمخضت عن ذلك كله تجارة سياسية لا علاقة لها بشؤون الوطن عموماً ، بعربه وكورده وكل مواطنيه بجميع قومياتهم واديانهم ، خلّفت وراءها الإهتمام بالمصالح الفئوية الحزبية الطائفية القومية الشوفينية والعشائرية المناطقية ، أكثر من إهتمامها بتلك السياسة التي تصب في تحقيق الأهداف الشعبية الوطنية والقومية التحررية في كافة ربوع الوطن العراقي الذي ظل ينتظر ذلك بعد أربعة عقود من القمع والتسلط البعثفاشي الأسود . وعلى هذا الأساس تولدت القناعة لدى هؤلاء الساسة الكورد ، كشركاءهم العرب المتنفذين في بقية مناطق العراق ، بحتميىة سلوك طريق الدفاع عن النفس وعن ما تم الحصول عليه من مكاسب لا يمكن التفريط بها او التنازل عنها بعد الآن ، حيث ان كل فئة من تجار سياسة المحاصصات هؤلاء تعتقد ، أو خُيل لها ذلك ، بأن الفئة الأخرى تتربص بها الدوائر فلابد إذن من إطلاق بالونات التصريحات التي توحي إلى البسطاء من الناس ، على مختلف هذه الجبهات ، بشدة التهديدات وبالتالي بضرورة إتخاذ كافة ألإجراءات التي تواجه بها هذه التهديدات ، بعيداً كل البعد عن الإنتماء الوطني الذي طرحه جانباً ساسة الكورد والعرب على السواء ليتجهوا لتبني الهويات الطائفية والعنصرية والعشائرية والمناطقية التي ترسخ محاصصاتهم وبالتالي زيادة منافعهم ومصالحهم على حساب مصالح ومنافع الشعب العراقي برمته. فماذا كانت نتائج هذه السياسة...؟
لو اراد اي إنسان تحليلها تحليلاً ميدانياً علمياً لما وجد لها أي اساس على الواقع العملي ولأكتشف بانها أحابيل يتسلق عليها جميع تجار المحاصصات السياسية ، بعربهم وكوردهم ، بسنتهم وشيعتهم ، ليحققوا بها وصولهم إلى ما رسموه لأنفسهم وعوائلهم واقرباءهم وعشائرهم من أهداف ، أما أهداف الشعب والوطن فلتظل على كف عفريت .إن هذا التلاعب بالمشاعر عِبر إختلاق مبررات العداء والتنافر بين القوميات والمذاهب العراقية من خلال سياسة المحاصصات وبتنفيذ فرسان هذه المحاصصات والبعيدة كل البعد عن مبادئ العمل السياسي الوطني المسؤول ، قد إنطلت مع الأسف الشديد حتى على بعض المناضلين من العراقيين من مختلف القوميات والمذاهب وانعكست بشكل واضح على نضال الشعب الكوردي في سبيل حقوقه القومية والثقافية المشروعة ، بحيث إعتبر كثير من هؤلاء المناضلين التقدميين أن ما يُصرح به هذا أو ما يقوم به ذاك من قادة سياسة المحاصصات الكورد إنما هو تعبير عما يفكر به الشعب الكوردي، ويعكس الثوابت النضالية لحركته التحررية ، ويُفسَر بالتالي كموقف عدائي تجاه الآخرين أو لا يصب في مصلحة الوطن العراقي وشعبه على أقل تقدير . إن التفكير على هذا المستوى الذي لا يميز بين الشعب وتطلعاته من جهة والساسة واطماعهم من جهة اخرى ، بعيد كل البعد عن القناعات المبدأية التي لا يجب ان تخضع لتصرفات هذا او أقوال وأفعال ذاك من الساسة الكورد او حتى من بعض الكورد الذين لا ينطلقون من المستوى الفكري التحرري الذي يشكل صلب وفحوى قضية التحرر القومي بكاملها، إن ذلك سوف لن يؤدي إلى التخلي عن المبدأ فحسب ، بل وقد يقود إلى الوقوع في حبائل القومية الشوفينية التي تنطلق من أفكار الصهر أو الإنعزال القومي وكأن الشعوب لا شأن لها بالآخر وبالتالي التخلي أساساً عن مبدأ التضامن الأممي الذي لا يمكن لأي شعب او أمة ان تحقق أهدافها النضالية التحررية بدونه .
إنني اتوجه إلى كافة المناضلين التقدميين الذين تغيرت مواقفهم المبدأية من قضية التحرر القومي الكوردي لا في العراق فقط ، بل وفي كل كوردستان ، أن يعوا خطورة هذا الموقف الجديد الذي ينطلقون منه والعمل مع الشعب الكوردي المكتوي أيضاً ، كبقية الشعب العراقي ، بنار المحاصصات السياسية البغيضة على التصدي لمثل هؤلاء الساسة الذين إبتعدوا بمسافات واضحة عن قضايا شعوبهم وتعرية مشاريعهم والعمل على إزاحتهم من خلال تثبيت اسس العمل الجبهوي المفضي إلى لمّ شمل القوى التقدمية العراقية، بكل قومياتها واديانها ومذاهبها وتوجهاتها الفكرية ،ودفع عملها إلى الواجهة الأمامية على الساحة السياسية العراقية لتحقيق ما يصبو إليه كل الشعب العراقي .
كما وأتوجه إلى المناضلين الكورد ممن خبروا درب النضال الشاق واختبروا مواقف رفاقهم واصدقاءهم من بنات وأبناء الشعب العراقي كافة ومارسوا التكاتف الشعبي الذي نالته قضية التحرر القومي الكوردية على مدى سنين النضال الدامي ، ان لا يقعوا هم ايضاً في حبائل سياسة المحاصصات التي كان وسيظل اساسها الإنعزال عن رفاق الدرب النضالي الذين لا يمكن لحركة تحرر قومي كالحركة الكوردية الإستغناء عنهم ، حيث أن ذلك هو القانون الطبيعي للنضال الحقيقي .
الساسة الكورد الذين امتطوا قمة السلطة السياسية في كوردستان العراق ، التي تشكل القسم الجنوبي من كل ارض كوردستان التاريخية التي قطعت اوصالها الإمبريالية العالمية ، كما قطعت اوصال الأرض العربية بعد الحرب العالمية الأولى ، هؤلاء الساسة لا يمثلون التطلع القومي التحرري للشعب الكوردي في مرحلة النضال الآنية قدر تمثيلهم لإنانيتهم وجشعهم وتمسكهم بالسلطة التي يمارسونها اليوم بالتحالف مع اقرانهم من ساسة العراق الآخرين ، ليظل الشعب العراقي بكل قومياته ومذاهبه واديانه يإن ويعرى ويجوع ويُظلم ، وليضعوه في أتون احتراب وعداء يطيل اعمارسيطرتهم ويعزز مواقع لصوصيتهم ويزيد من سمك خزائنهم . فهل نعي حجم هذا البلاء الذي يصبه ساسة العراق جميعاً على اهل العراق جميعاً ؟
اما النقطة الأخرى التي نرغب مناقشتها هنا فتتعلق باهمية الدورالذي يعطيه بعض الكورد ، وحتى من الساسة ، إلى دولة العنصرية الصهيونية والتي ستكون الظهير للدولة الكوردية المنشودة ، حسب قناعة هذا البعض ، وما التصرف الأخير برفع علم الصهيونية العنصرية على احد الملاعب في اربيل إلا بعض ما يشير الى ذلك .
وهنا لابد لنا من طرح الحقائق التالية لتبيان مدى الوهم الذي يغرق فيه كل من يعتقد بأن النظام العنصري الذي يقمع حرية شعب من الشعوب ، لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان ينتصر لحرية شعب آخر ، وهذا ما اثبتته مسيرة حركات التحرر الوطني في كل من اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية .
الحكومة القائمة في اسرائيل الآن هي حكومة الحركة الصهيونية العالمية وهي حركة دينية عنصرية تبني وجودها على قناعتها الدينية التي تجعل من اليهود شعب الله المختار الذي لا يمكن ان يتفوق عليه شعب والذي لا يمكن ان يحكمه شعب آخر ، بل هو المؤهل لحكم الشعوب من خلال تفوقه الإلهي هذا. وحينما تأسست هذه الدولة على هذه الأسس واتخذت من بعض الصيغ الديمقراطية سبيلاً لها في مسار سياستها اليومية ، فأنها لم تأخذ بهذه الصيغ الديمقراطية إلا لتحقيق وتثبيت الحق اليهودي فقط ، دون حقوق الآخرين حيث اصبح الشعب الفلسطيني يشكل العنصر الرئيسي فيها . وعلى هذا الأساس جرت وتجري حتى اليوم كافة الإجراءات القمعية ضد الشعب الفلسطيني الذي يعيش في اجواء هذا الحكم " الديمقراطي " محروماً من كل ما يتمتع به جاره الشعب اليهودي من خدمات تؤهله لأن يمارس حياة انسانية طبيعية. ويستطيع اي انسان محايد ان يقارن بين قريتين متجاورتين احدهما يسكنها اليهود والثانية يسكنها غير اليهود من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين وسيجد الفارق العظيم الذي تبنته السياسة الصهيونية العنصرية لان يكون العلامة الفارقة لسياسة التمييز التي تتبعها هذه الحركة الدينية الرجعية المتخلفة.
حينما يجري الحديث حول هذا الموضوع فإن ذلك لا يعني باي حال من الأحوال رمي الشعب اليهودي ككل بانتماءه للحركة الصهيونية وهذا يعني ان ليس كل يهودي هو صهيوني ولكن كل صهيوني هو يهودي . وهناك الكثير من اليهود المعادين مبدئياً للحركة الصهيونية وكل نشاطاتها السياسية والدينية داخل وخارج اسرائيل. وانطلاقاً من هذا الواقع الذي تمثله الحركة الصهيونية العالمية كحركة عنصرية احادية التوجه والمتنكرة للآخر المختلف ، فقد إتخذت جميع حركات التحرر الوطني في العالم اجمع مواقف معادية لهذه الحركة وكل نشاطاتها التي تتحكم بها مخابرات الدول الإستعمارية التي سخرت هذه الحركة العنصرية للوقوف بوجه حركات التحرر الوطني في جميع انحاء العالم . وليس غريباً ان نرى ، كتحصيلة حاصل ، موقف المخابرات المركزية الأمريكية وحليفاتها في اوربا وعملاءها في مختلف انحاء العالم الداعم لهذه الحركة التي تعتبر الساعد الأيمن للسياسة الإستعمارية العالمية. وفيما يخص الشعب الكوردي بالذات فإن هذه الحركة العنصرية ساهمت وخططت ونفذت بشكل تام عملية إلقاء القبض على قائد الشعب الكوردي عبد الله اوجالان تنفيذاً للسياسة الإستعمارية التركية الأمريكية ومساهمة في قمع الثورة الكوردية في شمال كوردستان . ومن هذا المنطلق يجري تقيمنا لموقف بعض القوى الكوردية التي تحمل راية الدفاع عن القومية الكوردية وتوجهاتها التحررية والتي تسعى في الوقت ذاته لربط حركة التحرر هذه بأعدى اعداء حريات الشعوب المناضلة ضد الهيمنة الإمبريالية والتي تمثلها الحركة الصهيونية العالمية احسن تمثيل . وإلا فهل يعتقد المراهنون على صداقة الصهيونية العنصرية للشعب الكوردي بأن هذه الحركة تفرق بين تحقيق طموحات الشعب الكوردي في شمال كوردستان فتحاربها وفي جنوب كوردستان فتؤيدها ؟ قليلاً من التعقل والمنطق قد يقود إلى فهم الحقيقة التي طرحها القائد الكوردي عبد الله اوجالان بوضوح تام حينما قال في هذا المجال :
" فالمفهوم الذي اخرجني من سوريا يرتكز في مضمونه مجدداً إلى تصادم التناقض بين الخط الذي رسمتُه للصداقة، وبين سياسة إسرائيل تجاه الكرد . فإسرائيل المنهمكة بربوبيتها للقضية الكوردية ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، أضحت بالغة الحساسية تجاهها، لدرجة انها لم تحتمل طراز الحل الكردي الثاني ، الذي تزايد تأثيره ووقعه متمثلاً في شخصي . ذلك ان طرازي في الحل لم يكن يتناسب وحساباتهم على الإطلاق . عليَّ ان لا انكر حق الإستخبارات الإسرائيلية ( الموساد ) التي دعتني بشكل غير مباشر إلى طريقها في الحل ، ولكني لم أكن مستعداً او منفتحاً لذلك، لا اخلاقياً ، ولا سياسياً " " وهنا يقصد اوجالان بالحل الثاني هو نظام الإدارة الذاتية الذي تبناه لكوردستان ضمن نظام الشرق اوسط الديمقراطي.
ويستمر أوجالان في فضح السياسة الإسرائيلية تجاه ثورة الشعب الكوردي قائلاً على الصفحة 7 من نفس الكتاب :
" " هذا التذكير الموجز وحده كاف للإشارة إلى ان إسرائيل هي القوة الأساسية التي أخرجتني من سوريا . ولا ريب في ان التهديدات السياسية الأمريكية والضغوطات العسكرية التركية لعبت دوراً في ذلك ايضاً . علينا ان لا ننسى ان إسرائيل كانت ضمن معاهدات سرية مع تركيا منذ اعوام الخمسينات. وللمرة الثانية إكتمل التحالف المناهض لِ ب.ك.ك. بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وجمهورية تركيا ، لدى إضافة المعاهدة المسماة ـ مكافحة الإرهاب ـ عام 1996
" "( المصدر : عبد الله اوجالان ، مانيفستو المجتمع الديمقراطي ، المجلد الأول ، ترجمته من التركية زاخو شيار ، مطبعة ميزوبوتاميا 2009 ، الصفحات 7 و 22 ـ 23 )
لا يمكن ان نتوقع من المنادين بالصداقة الكوردية الصهيونية في كوردستان الجنوبية ان يدرسوا بامعان تجربة المناضل الأممي الكوردي عبد الله اوجالان فيما يتعلق بصداقة إسرائيل للكورد وعطفها على القضية الكوردية ، إذ ان ذلك لا يصب في مجال إستيعابهم الفكري الذي يختلفون به مع اوجالان إختلافاً كبيراً جداً . إلا اننا نقول لهم ، وبإخلاص لنضال الشعب الكوردي على كل ربوع كوردستان ، بأن السياسة التي تقوم على إضطهاد شعب ما لا يمكنها ان تسعى لحرية شعب آخر . وتجارب العالم الثرية بهذه الحكمة تثبت لنا صحتها ، وما على العقلاء سوى محاولة استيعابها إن ارادوا العمل من اجل العدالة الإنسانية حقاً ووضع مصالح شعوبهم ضمن محاور هذه العدالة الذي يشكل حق تقرير المصير لكل الشعوب جزءً اساسياً فيها.
فيا ايها العراقيون الذين اختلفت انتماءاتهم القومية وتباينت مراجعهم الدينية وتنوعت قناعاتهم السياسية ، كلكم تعيشون اليوم مآسي الفئات الحاكمة المنتمية لقوميتكم والمتدينة بدينكم والتي تسلط عليكم كل وساءل الجور والظلم والإضطهاد والفقر ، هذه الوساءل الخبيثة التي يراد منها وضعكم تحت طائلة هؤلاء الحكام اللصوص عرباً وكورداً وتركماناً ، شيعة وسنة ، وبالتالي حجبكم عن الهدف الأساسي لنضالكم في الحرية والعيش الإنساني والحضاري ، وبقاؤهم في السلطة من خلال تشتت كلمتكم وإشعال الفتنة بينكم ، فتنبهوا واستفيقوا قبل فوات الأوان .