كثر الحديث بعد ظهور نتائج الغير نهائية للانتخابات الأخيرة ، وفوز عدد من المستقلين بما فيهم بعض اليساريين عن إن الذين قاطعوا الانتخابات أخطأوا وهناك دعوات لمراجعة قراراتهم الخاصة بالمقاطعة ، علما بلغت نسبة المقاطعين والعازفين عن المشاركة نسبة كبيرة فاقت الـ 70% حسب تقديرات كثيرة بالرغم من محاولات المفوضية التقليل من شأن هذه النسبة واللجوء إلى التعامل معها بطريقة غريبة وإعطاء نسب لاتمت للواقع بصلة .

هنا أنا لا أحاول الطعن في أداء مفوضية الانتخابات التي أدارت هذه الانتخابات بصورة أفضل ، إذا ما قارناها مع المفوضيات التي أدارت العملية الانتخابية في عدة دورات سابقة والتي غرقت في المساهمة على ممارسة التزوير وتغيير النتائج لصالح جهات سياسية معينة مشاركة في الانتخابات ، حيث استطاعت المفوضية تقليص التدخل المباشر في خيارات الناخبين ومحاولات تغيير النتائج وسرقة الأصوات وما إلى ذلك و جرت الانتخابات في ظل أوضاع أمنية أفضل مقارنة مع الانتخابات السابقة .

ولكن هل يمكن اعتبار كل هذا سببا كافيا لتخطئة قرار المقاطعة التي اتخذتها جهات سياسية عديدة أبرزها الحزب الشيوعي العراقي وقوى خرجت من رحم تشرين ، أنا أعتقد لا ، ليس لأن هذه القوى خذلت الجماهير وضيعت أصواتها وبالتالي تركت القوى الفاسدة الماسكة بزمام الأمور من احتلال مقاعد ، كان يمكن لها أن تكون لهذه القوى ، أولكانت قد أضافت إلى مقاعد المستقلين ، مقاعد مدنية أخرى كان بإمكانها التصدي لمهمة التغيير عبر العمل البرلماني .

ولكن حسب وجهة نظري المتواضعة ، إن هذا التصورلا يحظى بالكثير من الثبات أو الأمل و لا يمكن له أن يخترق  تحصينات القوى الطائفية الفاسدة التي تعتمد السلاح في معالجة الصراعاتحول المكاسب وحول طبيعة الدولة ، وبالتالي عدم قدرته على خلق  إمكانية يمكن التعويل عليها للولوج في طريق التغيير المنشود في ظل نتائج الانتخابات والأوضاع التي أفرزتها ، وذلك للأسباب التالية.

1-القوى الفائزة باعلى المقاعد في هذه الانتخابات هي امتداد للميليشيات ، ولها أذرع مسلحة  ، ويشكلون جزءا مهما منها ، وليس في بالها أن تتخلى عن سلاحها وهي مارست عبر ماضيها منذ عملية إسقط النظام البائد ، ما أستطاعت ممارسته من الجرائم ، وقمع الحريات وغيرذلك ، ما يندى لها الجبين .

2-  منذ بداية ما يسمى بالعملية السياسية ساهمت هذه القوى بشكل محموم وبكل قوة من أجل تجسيد نهج الماصصة السياسية والطائفية والعرقية وإسقاطه على المجتمع العراقي والدولة العراقية في كل مجالاتها .

3- يشهد كل العراقيين إن هذه القوى هي الجزء الأكبر في عمليات الفساد . وبذلك هي المسؤولة المباشرة عن حرمان الشعب العراقي من مختلف الخدمات ، وبالتالي هي المسؤولة عن خراب وتدمير البني التحتية للدولة ، وهي سبب عجزها عن تنفيذ واجباتها اتجاه المواطنين وتوفير متطلباتهم الحياتية .

4- يظهر لنا بشكل جلي إن هذه القوى هي التي كانت جزء من تلك القوى التي كانت ولازالت تقف بحزم في وجه الدولة وهيبتها وتحويلها إلى دولة هشة أو إلى لادولة ، وتمنع عجلتها للسيرعلى سكة تعزيزوحدتها وقدراتها وانتعاش التنمية فيها .

5- القوى الخاسرة في الانتخابات قالت وتقول عبر فوهة المدفع ورسائلها الواصلة والتي أسقطتها أجنحة الطائرات المسيرة ، لا لنتائج الانتخابات ، والدولة هي "لا دولتنا" والميدان هو ميداننا وسنحارب على رقعته إلى الموت ولن نسلمه إللا أحد  قط ، وسنحافظ على حصتنا ، ونعمل على أجندة ننتمي لها  ، شاء العراقيون أم أبوا .

6-  وعليه وفي كل الأحوال وكما يقول المثل الكوردي (إن هذا العجين .. سيحتاج إلى الكثير من الماء ) أي إن ترتيب الوضع القادم سيصطدم بصراع حاد بين قوى "اللادولة" الفائزة وبين قوى "اللادولة" الخاسرة على الآقل على مستوى البيت الشيعي ، بينما قوى "اللادولة" على مستوى البيوت الآخرى ستنتظر توسيع حجم ورقعة ما يحصل عليها من مكاسب غير مشروعة تأتيها عبر المساومات في كل المجالات .

7- وإن تشكلت الحكومة على أساس الأغلبية الوطنية على وفق تسمية ومعايير السيد ، فإن رئيس الوزراء سيكون شيعي ورئيس البرلمان سيكون سني ورئيس الجمهورية سيكون كوردي . وإن تشكلت وفق تهديدات الولائيين أي حكومة توافقية بعد ضبط الأطراف المتصارعة من قبل أطراف خارجية ، فإن الأمر لايختلف أبدا عن ما هو عليه في الحالة الأولى وستكون المواطنة العراقية خارج الحسابات ولا أهمية لها في ظل مواصلة لا دولة المكونات .   

وفق هذا الوضع القائم والحقائق المخيفة التي تفرض نفسها على الواقع العراقي هل بالإمكان تحقيق التغيير عبر العمل البرلماني ...؟

وبناءا على ما تقدم ، هل كان هناك جدوى للمشاركة في الانتخابات ...؟  وهل أخطأت القوى التي قاطعتها ...؟ هل نعتب على العزوف الواسع لجماهير الشعب عن المشاركة في الانتخابات .. ؟ أنا أقول كلا واحتمال كلا كبيرة .

في 20-11-21        

عرض مقالات: