مرت التشكيلة الاجتماعية العراقية بتغيرات سياسية اجتماعية تبعا لمراحل تطورها الاجتماعي -الاقتصادي وأدوار طبقاتها الاجتماعية فضلاً عن أشكال الممارسة السياسية المعتمدة في كفاح أحزابها السياسية المتنازعة.

- استنادا الى تلك المقدمة السياسية أسعى الى تقديم رؤية عامة مكثفة لتلك التبدلات عبر مراحل تطور الدولة العراقية متمثلة ب-

أولا-الطبقات الفاعلة في تشكيلة العراق الاجتماعية.  

ثانيا - ثورة تموز الوطنية وفعالية قواها السياسية.  

ثالثاً -سلطة البعث العشائرية وسيادة الطبقات الفرعية.

اعتمادا على الموضوعات المثارة نحاول ملاحقتها بدالات سياسية – فكرية مكثفة.  

أولا-الطبقات الفاعلة في تشكيلة العراق الاجتماعية.

بات معروفا ان الطبقات الاجتماعية في العراق جرى ترصنيها بعد الهيمنة الكولونيالية حيث تبلور انشاء الدولة العراقية التابعة للسيطرة البريطانية واستكمال بناء أجهزتها السيادية في سير تطورها التاريخي.  

- إجراءات السلطات الكولونيالية ومقاصدها الاستعمارية افضت الى تبلور طبقات التشكيلة الاجتماعية العراقية وبالأخص منها الطبقة العاملة التي تمركزت في المرافق الأساسية الهامة للمصالح الكولونيالية.

- تبلور الطبقات الاجتماعية العراقية اضفى أشكالاً وطنية على كفاح الطبقة العاملة تمثل بالوطنية العراقية المناهضة للهيمنة الاستعمارية وبهذا البعد الوطني احتلت الطبقة العاملة مواقع وطنية - طبقية لمكافحة الهيمنة الاستعمارية وركائزها (الوطنية) المرتبطة بمصالح القوى الأجنبية.

- تبلور الوطنية العراقية انعكس على فكر الأحزاب السياسية التي عبرت بأشكال مختلفة عن مصالح قواها الطبقية ورؤاها الوطنية المناهضة للهيمنة الخارجية.

- نشوء الدولة العراقية أفضى الى تبلور تشكيلتها الاجتماعية فضلا عن تشكل القوى الاجتماعية الهادفة الى مساندة السيطرة الأجنبية.

 - استناداً الى ذلك تشكلت الطبقة الاقطاعية اعتماداً على توزيع أراضي الدولة العامة على شيوخ القبائل وما أنتجه ذلك من تجذر الصراعات الاجتماعية في الريف العراقي ناهيك عن تبلور الطبقة الكمبورادورية المرتبطة بالتجارة والتصدير مع الوافد الأجنبي.

- نشوء الدولة العراقية بمساعدة خارجية ساعد على تشكيل قواها الاجتماعية وبهذا المسار يمكننا التأكيد على ان التشكيلة الاجتماعية العراقية عشية الاحتلال البريطاني نشأت استجابة لمصالح خارجية لغرض (تلطيف) الصراعات الطبقية.

-تلخيصا يمكن القول ان الكفاح الوطني – الديمقراطي ضد الكولونيالية ومناهضة السيطرة الاستعمارية ارتبط بالكفاح الوطني - الطبقي الذي خاضته الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية الوطنية الأخرى ضد الهيمنة الأجنبية والتبعية.  

 ثانيا - ثورة تموز الوطنية وفعالية قواها السياسية.

- نشوء الدولة العراقية وفعالية الكفاح الوطني لم يكن خارجاً عن التوازنات الطائفية حيث ارتكز نشوء الدولة العراقية على هيمنة الطائفة السنية على مراكزها السيادية وأجهزتها الإدارية العليا وبهذا المعنى تلازم نشوء الدولة العراقية وسمتين أساسيتين أولاهما اغتراب الدولة العراقية عن تشكيلتها الاجتماعية. وثانيهما تبلور الكفاح الوطني الديمقراطي المناهض للهيمنة الكولونيالية بقيادة الطبقة العاملة العراقية.

تأسيساً على تلك الموضوعات السياسية – الفكرية يتوجب التأكيد على --

1- ان التناقض السياسي المناهض للهيمنة الكولونيالية افضى الى تبلور النزعة الوطنية في القوات المسلحة وأدى الى انتصار ثورة تموز الوطنية.

2- حاولت ثورة تموز الوطنية الغاء التناقض بين الأقلية الطائفية السنية الحاكمة وبين الأكثرية الشيعية الفقيرة وذلك بإعادة توزيع الثروة الوطنية بدأ من الإصلاح الزراعي وانتهاءً بتأميم مكامن الثروة النفطية.

 3- بهذه الإجراءات الاقتصادية – الاجتماعية استطاعت ثورة تموز الوطنية جر أقسام واسعة من فقراء الريف والمدينة الى الكفاح الوطني المناهض للهيمنة الأجنبية.

4- ساهمت إجراءات ثورة تموز السياسية - الاقتصادية بنمو وتطور البرجوازية الوطنية وأدت الى تعديل البنية الطبقية لتشكيلة العراق الاجتماعية بجر البرجوازية الوطنية الفتية الى الكفاح الوطني المناهض للهيمنة الدولية.  

5- إجراءات ثورة تموز الوطنية الهادفة الى تعديل البنية الطبقية وانصاف الطبقات الاجتماعية الفقيرة فضلا عن كسرها الاحتكار الطائفي لقيادة الدولة الوطنية تلازمت وروح ديكتاتورية عسكرية أدت الى افراغ المحتوى التقدمي للثورة وساعدت على دفع القوى العسكرية المناهضة للتغيرات الجديدة باستلام سلطة الدولة العراقية واشاعت الإرهاب ضد القوى الوطنية -الديمقراطية.

6- استطاعت قوى الثورة المضادة الإبقاء على البناء الطائفي للدولة العراقية وتعزيزه عبر ديكتاتورية سافرة اجهضت المكتسبات الوطنية التي احدثتها ثورة تموز الوطنية.

- تعزيز البناء الطائفي للدولة العراقية وهيمنة النهوج الديكتاتورية في الحكم أفضت الى تبادل السلطة السياسية بين قوى الثورة المضادة وأدت الى تخريب تشكيلة العراق الاجتماعية وما نتج عنها من ضعف وتراجع في كفاح أحزابها السياسية.

 ثالثاً - سلطة البعث العشائرية وسيادة الطبقات الفرعية.

- قاد حزب البعث سلطة العراق السياسية وسط تناقضات في بنيته السياسية -الأيدلوجية أدت الى استلام صدام حسين قيادة سلطة البلاد السياسية وقيامه بخطوات كثيرة نشير الى أهمها-

أ- تأميم الثروة النفطية ووضعها في خدمة السلطة الديكتاتورية الجديدة.

ب- توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء.

ج- قيامه بإجراءات سياسية على الصعيد الدولي مثل التقارب مع الدول التقدمية والاشتراكية.

د-انفتاحه على الدول التقدمية ودعوته لبناء اشتراكية (بأردية عربية).

ه- تلازمت الإجراءات السياسية- الاقتصادية وروح إرهابية افضت الى انتقال السلطة السياسية الى قيادة فردية عجلت بخلق طبقة بيروقراطية تحكمت بسلطة البلاد السياسية وثروتها الوطنية.   

و- ترافقت الإجراءات الاقتصادية - السياسية وهيمنة طائفية على أجهزة الدولة الإدارية وتحول النزاعات السياسية الى نزاعات طائفية.

ز- الإجراءات الاقتصادية – السياسية والقيادة الفردية للسلطة السياسية أدت الى استبدال وحدانية السيادة الحزبية الى حكم العشيرة الواحدة وما رافقه من روح إرهابية ديكتاتورية.

- تلازمت تغيرات البنية الطبقية لتشكيلة العراق الاجتماعية وتغيرات إقليمية احدثتها ثورة إيران الاسلامية التي سرعان ما دفعت القوى الإسلامية في العراق الى تأسيس الأحزاب الشيعية واعتمادها الكفاح المسلح نهجا لأسقاط الديكتاتورية واعادة البناء الطائفي للدولة العرقية.

- ان اسقاط النظام السياسي الإرهابي الديكتاتوري بقوة عسكرية خارجية أحدث تبدلات كبيرة في الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية تمثل ب-

أولاً- أعادة البناء الطائفي للدولة العراقية بسيادة طائفية شيعية.

ثانياً-- اقتسام سلطات الدولة السيادية واجهزتها الإدارية بحصص سياسية – طائفية.

ثالثاً- ارتكاز الهيمنة الشيعية على مليشيات عسكرية موازية للمؤسسة العسكرية.

رابعاً- نهوض المؤسسة العشائرية وتقاليدها بديلاً عن سيادة الدولة وقوانينها الوطنية.

خامساً -- تراجع الأحزاب الوطنية وسيادة القوى الفرعية في الحياة البلاد السياسية.

ان التغيرات الطبقية – السياسية المشار اليها تتطلب وحدة وطنية بين الاحزاب الرافضة للهيمنة الطائفية والعسكرة والإرهاب تعتمد على عقد اجتماعي وطني- ديمقراطي مناهض لاحتكار السلطة وإعادة بنائها على أسس الشرعية الديمقراطية.    

عرض مقالات: