في مجرى الأستياء من بشاعة الأسلمة وثقافتها والسلوكيات والعلاقات المستمدة منها، يتم الإحتماء بـ ((أجدادنا المفترضين))، سواء كأنوا نبوخذ نصر أو رمسيس أو هانيبعل، وبحضاراتهم التي عرفتنا بها حركة الإستشراق الأوربية إستنادا الى تحليلها للشواهد المادية، من لقىً وآثار، وإلى مزاعم فك شفر اللغات التي كانت سائدة في تلك الحضارات.
ولسنا هنا في معرض مناقشة تلك النظريات والفرضيات والمزاعم، فهذا موضوع أكبر من أن يناقش في مقال قصير، ولكننا نناقش فرضية ان أجيالنا الحالية هي أمتداد إثني وجيني وثقافي ونفسي للأجداد المفترضين. وأزعم أنها فرضية تناقض العلم، الذي يؤكد أن كل شيء في هذا الوجود يخضع لقانون التطور، لأن الوجود قائم على المادة في حركتها وفي تفاعل عناصرها، والحركة والتفاعل منتجان دائما للتطور، بغض النظر عن مساراته.
الوجود قد يكون سرمديا، لكن خصائص عناصره ليست سرمدية، فهي تتبدل بفعل تفاعلها مع بعضها.
وإذا كانت خصائص المادة تتبدل بالتفاعل مع المواد الأخرى، فأن الأنسان، فردا أو جماعة، أكثر عرضة للتبدل الإثني والجيني والثقافي ـ المعتقدي، فبفعل التمازج الإثني الناجم عن عمليات الهجرة والنزوح وعمليات الغزو والإحتلال المتبادل، وتجارة البشر، صار الحديث عن إمتداد جيني بيننا وبين الأجداد المفترضين ، ليس سوى وهم أو مزحة، أما الأمتداد الحضاري فيكفي لتفنيدة أن شعوبنا غيرت مكرهة أو مختارة، لغاتها ومعتقداتها أكثر من مرة، وهنا لا يمكن القياس على الجيوب الأثنية الصغيرة هنا وهناك التي حافظت على شيء من أرث الأجداد اللغوي، فلا الآشوريون ولا الكلدان القدامى كانوا مسيحيون وللمسيحية معتقداتها وطقوسها وعاداتها التي تختلف تمام الإختلاف عن ما كان سائدا في بابل ونينوى.
وينطبق ذات الأمر على علاقة الأقباط الحاليين، بالمصريين الذين عاشوا في زمن مينا موحد القطرين. وعلى مارونيي لبنان الحاليون الذين لا صلة حقيقية تربطهم بالفينيقيين الذين سبقوا المسيحية ولم يعرفوها، ولم يعرفوا العربية، وربما لم يعرفوا بوجود قوم اسمهم عرب، وربما لم يكن العرب أنفسهم قد تشكلوا بعد كجماعة إثنية في ذلك الوقت، ولم يعرف العرب، حين بدء تشكلهم معتقدا دينيا أسمه الإسلام أو طوائف مذهبية بأسم سنة أو شيعة، بل كانوا عبدة آلهة متعددة.
الشعوب التي تسكن حاليا ما بين الخليج والمحيط هي نتاج تمازج عرقي وثقافي ومعتقدي تأريخي، تمتد عناصره على ضفتي البحر المتوسط الشرقية والغربية وضفتي البحر الأحمر وتتوغل باتجاه أفريقيا وباتجاه آسيا الوسطى التي غزوناها وذبنا فيها في مرحلة ما، ثم عادت وغزتنا وذابت فينا في مراحل لاحقة.