بدرجات مختلفة من اللين أو الحدة، ينحو بعض الأصدقاء الأعزاء باللائمة على التيارات السياسية، والتقدمية منا على نحو خاص، التي تقاطع الأنتخابات البرلمانية، التي ستجري دورتها المقبلة في العاشر من الشهر الجاري، كما جرت دوما في ظل سلطة أحزاب المليشيات، وقوانينها الأنتخابية وهيئاتها التي تشرف على تزييف الإرادة الشعبية، ويرى اللائمون أن الديمقراطية سيرورة طويلة المدى لابد للقوى التقدمية أن تخوض معاركها، الصعبة، في كل الظروف والأحوال، كون المقاطعة تخلي الساحة بالكامل لقوى الجريمة والفساد. وآنها حسب بعض اللائمين تحيي شكلا من أشكال الحنين الى أنماط الحكم الدكتاتورية.

 لا يخل هذا الطرح، هذا اللوم، من الوجاهة، لكنه يغفل التميير بين الممارسات الديمقراطية الحقيقية وتلك التي تنتحل، أو تطلق على نفسها صفة الديمقراطية، بما فيها عمليات الأقتراع لأختيار هيئات تمثيلية. فمنذ آذار ـ مارس 1980 تجري في جمهورية إيران الإسلامية أنتخابات منتظمة لم تغير شيئا في طبيعة النطام الذي يتحكم به الولي الفقيه، ومنذ كانون الأول ـ ديسمبر 1946 استقل لبنان وواضبت سلطة الأقطاع السياسي التي فصلت دستوره على مقاسها، واضبت على إجراء أنتخابات وفق صيغة المحاصصة الطائفية، رئاسة جمهورية مسيحية ـ مارونية، رئاسة برلمان إسلامية ـ شيعية، رئاسة حكومة إسلامية ـ سنية. ومنذ 30 عاما يجلس الشيعي نبيه بري على مقعد رئاسة البرلمان الذي تشغله عوائل الأقطاع السياسي.

 ولا ننسى أن صدام حسين كان هو الآخر ينظم انتخابات لمجلسه الوطني الذي يجدد البيعة للرئيس القائد، كما ولا تتردد بعض الكتل عن إعلان ولائها الكامل للسيد علي خامنئي.

 ولهذا فأن مقاطعة مثل هذه الممارسات ((الديمقراطية)) ليس كما يصورها اللائمون موقف سلبي، وإخلاء للساحة السياسية أمام الفساد، بل هي نشاط سياسي متقدم، يساهم في تطوير الوعي الديمقراطي، وفضح زيف الأنتخابات التي تجري تحت فوهات بنادق أحزاب المليشيات وفي ظل عمليات الإغتيال والأختطاف والتعذيب. وحماية القتلة والمجرمين والفاسدين.