تشكلت أغلب الدول الوطنية بمساعدة خارجية ولم تنشا لغرض (تلطيف) النزاعات الطبقية، بل ارتبط ظهورها بتطور مصالح الدول الرأسمالية المترابطة وفتح أسواق جديدة في البلدان المستهدفة بهدف تصدير منتجاتها الصناعية والهيمنة على ثرواتها الوطنية.
- ظهور المعسكر الاشتراكي وتعزز مواقعه في السياسة الدولية ساعد على استقلال الدول الوطنية وسيطرتها على ثرواتها الوطنية.
- استنادا الى تلك الرؤى نعمد الى متابعة مراحل تطور الدول الوطنية والتي يمكن تحديدها بمراحل تاريخية تتمثل ب--
أولا- الكولونيالية وظهور الدول الوطنية.
ثانيا – المعسكر الاشتراكي وبناء الدول الوطنية.
ثالثا -- العولمة الرأسمالية وتهميش الدول الوطنية.
استنادا الى تلك المراحل التاريخية نتناول مضامينها بهدف تفكيك بنيتها السياسية – الاقتصادية.
أولا- الكولونيالية وظهور الدولة الوطنية.
-بداية نشير الى ان ظهور الدول الوطنية تلازم ودخول الرأسمالية مرحلة المنافسة الدولية وما نتج عن ذلك من ترابط بين مساعي الدول الكولونيالية الهادفة الى بناء الدول (الوطنية) وتسييجها بسيادة شكلية لغرض منع القوى الكولونيالية المنافسة من الهيمنة عليها.
- ظهور الدولة الوطنية بمساعدة خارجية يمكن تلمسه في سياسة الدول الكولونيالية الرامية الى بناء مؤسسات الدول المستعمرة وبناء أجهزتها العسكرية والاشراف عليها بهدف كسر الانتفاضات الشعبية وتحجيم الصراعات الاجتماعية فضلا عن احاطة الدول الجديدة بحماية أجنبية.
- بناء الدول الوطنية بمساعدة خارجية عكس اغترابها عن تشكيلتها الاجتماعية حيث بينت نشأتها الخارجية استحالت تشكلها نتيجة لتناقضات بنيتها الطبقية، بل بالعكس ظهور الدول (الوطنية) بمساعدة خارجية ساهم في بناء قواها الطبقية المرتكزة على طبقتي الاقطاع والشرائح الطبقية الفرعية الكمبورادورية والبرجوازية المالية.
خلاصة القول ان ظهور الدولة (الوطنية) بمساعدة خارجية شكل خطوة نوعية لصالح بنائها وتطور تشكيلتها الاجتماعية وتسييجها بسيادة (وطنية) وهمية ساهمت في إنضاج نزاعاتها الطبقية ووفرت للمؤسسة العسكرية ظروفا اجتماعية -سياسية لان تصبح ممثلا وطنيا لإعادة بناء الدولة على أساس الاستقلال والسيادة الوطنية.
- بهذا السياق شكلت المؤسسة العسكرية رغم نشأتها برعاية اجنبية قوة وطنية قادرة على استثمار النزاعات الاجتماعية الحاصلة في تشكيلة الدولة الوطنية عبر الانقلابات العسكرية الثورية التي نقلت الدولة الوطنية من كونها أداة طبقية بيد الخارج الكولونيالي الى دولة وطنية مستقلة تعبر عن مصالحها الوطنية.
ثانيا – المعسكر الاشتراكي والدولة الوطنية.
- قيادة المؤسسة العسكرية لسلطة الدولة الوطنية أفضى الى فك الترابط بين الهيمنة الأجنبية والمصالح الوطنية وما انتجه ذلك من اتخاذ إجراءات اقتصادية – اجتماعية بمساعدة الدول الاشتراكية التي شكلت مثلا عالمياً في الانتصار على النازية الألمانية.
- تأثير الدول الاشتراكية على تطور الدول الوطنية رغم اعتمدها طريقاً استبدادياً في تعاملها مع القوى والأحزاب الوطنية كان كبيراً حيث ساهم بتطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الوطنية الجديدة رغم عدائها للديمقراطية.
- الدول الوطنية لم تكتف بتأثرها بهيمنة الدولة الاشتراكية على اقتصادها الوطني، بل تأثرت بنظمها السياسية وقيادة الحزب الواحد لمنظومتها السياسية.
- ترابطاً مع ذلك تميزت الدولة الوطنية بنظمها السياسية الدكتاتورية ومنعها لعمل الأحزاب الوطنية، عاملت بذات الوقت على تطوير مبدأ السيادة الوطنية والحفاظ على الثروات الوطنية بهيمنتها على القطاعات الأساسية للإنتاج الوطني.
-- ان هيمنة الدولة الوطنية على اقتصادها الوطني جعلها مالكا رأسماليا يتحكم بثروات بلادها الوطنية وما نتج عن ذلك من نمو شرائح طبقية متنفذة معتمدة على حيازاتها العامة لوسائل الانتاج وقدراتها على اتخاذ القرارات السياسية المهمة.
- نمو الطبقات الفرعية وسيادتها على الثروات الوطنية افضى الى تراجع الانتاج الوطني وأدى الى تحجيم الكفاح الوطني – الديمقراطي المناهض للديكتاتورية والهيمنة الخارجية.
- القوى الحاكمة في الدول الوطنية المستقلة انتهجت سياسة متوازنة بين المعسكرين المتناحرين وأدت الى تحول قواها الطبقية الماسكة بالثروات الوطنية الى قوى متحالفة والعالم الرأسمالي الامر الذي مهد لاحقا لتوطيد مواقع القوى الاجتماعية الفرعية واعتمادها سياسة داخلية مناهضة لتطلعات قوى شعبها الأساسية.
- سياسة الطبقات الفرعية الارهابية وتحكمها بالثروة الوطنية عزز من طموحها في التمدد الى أسواق الدولة المجاورة سالكة طرق التدخلات العسكرية والحروب الإقليمية فاسحت الطريق امام التدخلات الدولية الهادفة الى تفكيك الدولة الوطنية التي لم تعد قادرة على إدارة مصالحها -الوطنية والدولية.
ثالثا -- العولمة الرأسمالية وتهميش الدولة الوطنية
تتعرض الدولة الوطنية في المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي الى التهميش والالحاق بالتكتلات الدولية ويعود ذلك الى روح الهيمنة التي يسعى راس المال المعولم الى اعتمادها في العلاقات الدولية وما يشكله ذلك من تناقض مع المرحلة الكولونيالية التي ساهمت في بناء الدول الوطنية وبهذا السياق نحاول مقارنة سمات المرحلتين من التوسع الرأسمالي عبر الدالات التالية –
1- المرحلة الكولونيالية أدت الى بناء دول (وطنية) بينما تسعى الرأسمالية المعولمة الى تفكيك وتهميش الدولة الوطنية.
2- ساعدت المرحلة الكولونيالية على بناء طبقات اجتماعية تتنازع مصالحها في تشكيلة اجتماعية وطنية محمية من الدولة الكولونيالية. بينما تسعى الرأسمالية المعولمة الى تفكيك التشكيلة الاجتماعية وقواها الطبقية.
3- بناء المؤسسة العسكرية في المرحلة الكولونيالية افضى الى الانقلابات الثورية ومناهضة الخارج الكولونيالي بينما تعمل الرأسمالية المعولمة الى تفكيك الجيوش الوطنية واستبدالها بمليشيات مسلحة.
4 الطبقات المنتجة في التشكيلات الوطنية ناهضت التحالف مع الخارج الكولونيالي بينما تسعى الطبقات الفرعية في مرحلة العولمة الرأسمالية الى الإرهاب واثارة الحروب الاهلية.
ان الاختلافات بين المرحلتين الكولونيالية والرأسمالية المعولمة إزاء الدولة الوطنية ناتجة عن اختلاف طبيعة القوانين الناظمة للتوسع الرأسمالي فبينما نجدها في المرحلة الكولونيالية تهدف الى بناء دول (وطنية) بسيادة شكلية نراها في العولمة الرأسمالية تعمل على التهميش والالحاق.
- الاختلافات بين مرحلتي التطور – الكولونيالي – والمعلوم- تتطلب من القوى الوطنية الديمقراطية تطوير مهامها الكفاحية متمثلة في بناء دول وطنية مستقلة تعتمد التحالفات السياسية والتقاربات الطبقية في تشكيلة البلاد الاجتماعية.
-- ان بناء دول وطنية ديمقراطية مستقلة يرتكز كما أرى على -
اولاً-- بناء تحالفات سياسية وطنية تعمل على تشكيل دول وطنية ديمقراطية ترعى مصالح طبقاتها الاجتماعية الفاعلة.
ثانياً- نشوء دول وطنية ديمقراطية يتطلب مكافحة نهوج الطبقات الفرعية الساعية الى التحالف مع الاحتكارات الدولية.
ثالثاً– تشكل قوى اليسار الديمقراطي القوى الاجتماعية القادرة على صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش.
رابعاً– اقامة علاقات دولية متوازنة المصالح هادفة الى تطوير بنية العلاقات الدولية الهادفة الى رفض التبعية والوصاية الأجنبية.
ان الكفاح الوطني- الديمقراطي الهادف الى بناء دول وطنية ديمقراطية كفيل بتحجيم قوانين التبعية والتهميش المتلازمة وسياسية العولمة الرأسمالية في العلاقات الدولية.