قدمت التجربة التاريخية المنصرمة أشكالا عديدة من التحالفات السياسية وأثبتت التجربة السالفة ان أغلب التحالفات السياسية في الدول الوطنية فشلت في تطبيق برامجها التحالفية لأسباب كثيرة يتصدرها الاستئثار بالسلطة السياسية.
- اعتماداً على التجربة التاريخية الملموسة نسعى الى دراسة التحالفات الوطنية وتجاربها التاريخية وصولا الى أهميتها في المرحلة الرأسمالية المعولمة.
- مرت التحالفات الوطنية بتجارب كثيرة ولغرض تدقيق اشكالها لابد من تناولها بمراحلها تاريخية محددة يتصدرها--
1 –مرحلة ازدواجية التطور الاجتماعي.
-- تمحورت التحالفات الوطنية في مرحلة ازدواجية خيار التطور الاجتماعي حول ثلاثة أشكال تحالفية، (أ) تحالفات سياسية تهدف الى إلغاء السيطرة الاستعمارية وتشير التجربة التاريخية المنصرمة الى تعدد الاصطفافات السياسية المناهضة للوصاية الكولونيالية (ب) تحالفات سياسية معارضة للنظم الديكتاتورية وهادفة الى إقامة نظم سياسية ديمقراطية (ج) تحالفات حاكمة بين قوى سياسية حاكمة وأحزاب وطنية مرتكزة على برامج سياسية اقتصادية لصالح تطور الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.
- رغم تعدد اشكال التحالفات السياسية الا انها لم تنتج نظم ديمقراطية بسبب طبيعة القوى الطبقية الماسكة بالسلطة السياسية واتباعها سياسة الاقصاء والاضطهاد السياسي.
- استنادا الى ذلك يمكن ارجاع فشل التحالفات الوطنية، الى أسباب كثيرة منها–
1-- اسباب اجتماعية
تكمن الاسباب الاجتماعية في ضعف التشكيلة الطبقية الوطنية الامر الذي مكن المؤسسة العسكرية بما لديها من روح مراتبية وأمريه القيام بإنهاء السيطرة الاستعمارية.
- انتصار الثورات الوطنية ترافق وسيادة النزعة العسكرية في بنية الدولة السياسية استناداً الى اعتماد نظم استبدادية تعتمد الإرهاب السافر ضد القوى والتيارات الوطنية.
2 -أسباب سياسية - فكرية
- سيادة النظم الديكتاتورية ترافق والبناء الايديولوجي للأحزاب الوطنية حيث اعتمدت الأحزاب القومية وحدة الدول العربية أولوية سياسية وما رافقها من تراجع الحياة السياسية وتفكك البنى الاجتماعية لصالح الأوهام الأيديولوجية. اما التيار الاشتراكي فكافح من اجل بناء الثورة الوطنية الديمقراطية وصولا الى الدولة الاشتراكية.
3 -أسباب دولية
- ادى الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي الى محاولة المعسكر الاشتراكي بناء سياج دولي يتشكل من الدول الوطنية بهدف مناهضة التطور الرأسمالي معتمداً التعاون الدولي بين أنظمة الدول الوطنية وبين الدول الاشتراكية متجاهلاً سياسة الدولة الوطنية المتسمة باضطهاد القوى اليسارية وبذات السياق سعت الدول الرأسمالية الكبرى الى بناء علاقات متعددة الاشكال مع النظم الاستبدادية لغرض الحفاظ على مصالح شركاتها الاقتصادية الاحتكارية بغض النظر عن ممارستها الإرهابية.
2- مرحلة الرأسمالية المعولمة.
- أفضى انهيار نموذج التطور الاشتراكي وسيادة التطور الرأسمالي الى تبدلات كثيرة في مضامين التحالفات الوطنية حيث أصبح بناء الدولة الوطنية الديمقراطية مهمة رئيسية تحظى بالقبول في الممارسة السياسية، وامست التحالفات وطنية اطارا سياسيا لصيانة الدول الوطنية من التبعية والالحاق.
- تتصف الرأسمالية المعولمة بصفات تختلف عن تلك التي حملتها الرأسمالية في مرحلتها الكولونيالية إزاء الدولة الوطنية لهذا يتعين تأشير تلك الاختلافات وأثرها على فعالية الدولة الوطنية.
-- تتسم العولمة الرأسمالية بقوانين التبعية والتهميش والالحاق. واستناداً لذلك تسعى الرأسمالية المعولمة الى الحاق الدول الوطنية بمسار تطور تكتلاتها الاحتكارية وما يشترطه ذلك من تحقيق حزمة من المتطلبات يتصدرها-
أ -- تهميش الدولة الوطنية
بسبب مساعي الدول الوطنية وحرصها على تطور التشكيلة الاجتماعية تسعى المراكز الرأسمالية الى اضعاف الدول الوطنية وإلحاق فعاليتها الاقتصادية بمسار الاحتكارات الدولية.
- تهميش الدول الوطنية يتطلب تفكيك بنيتها العسكرية وبهذا المسار تساند المراكز الرأسمالية اضعاف المؤسسة العسكرية والتعاطف مع الميليشيات العسكرية.
ب -- تفكيك التشكيلات الاجتماعية
- ضعف سيطرة المؤسسة العسكرية على بنيتها الاجتماعية وانتشار المليشيات المسلحة يقود الى تفكيك البنية الطبقية للدولة الوطنية وتحويل نزاعاتها الاجتماعية الى حروب طائفية.
ج – استبدال النزاعات الطبقية بصراعات طائفية
- تتلازم اهداف المراكز الرأسمالية المتمثلة في تفكيك الدولة الوطنية واستبدال تناقضات بنيتها الطبقية بالنزاعات الطائفية والنهوج الإرهابية للسلطات الاستبدادية.
- الرؤية التحليلية السالفة تشترط بناء سياسة جديدة تفرضها الأوضاع الدولية – الوطنية المعاشة والتي اجدها ب-
- دور اليسار الاشتراكي في التحالفات الوطنية.
اثبت التجربة التاريخية المنصرمة فشل القوى السياسية المختلفة في تطور التحالفات الوطنية وانطلاقاً من ذلك ينهض اليسار الاشتراكي في الدفاع عن مصالح الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية بطبقاتها المناهضة للهيمنة الخارجية.
- اعتماد برنامج الوطنية الديمقراطية
يشكل برنامج الوطنية الديمقراطية في مرحلة العولمة الرأسمالية ردا وطنياً مناهضاً لقوانين التبعية والتهميش وقادراً على تأهيل القوى السياسية للدفاع عن مصالح بلادها الوطنية.
- يرتكز برنامج الوطنية الديمقراطية على الموضوعات السياسية التالية–
1-بناء دولة وطنية ديمقراطية تستمد شرعيتها من النظام السياسي الديمقراطي المنبثق من الشرعية الانتخابات والديمقراطية السياسية.
2 – تمكين المؤسسة العسكرية من تأدية وظائفها الدفاعية عبر حل كافة التشكيلات المسلحة التابعة للأحزاب الطائفية.
3– تحالف اليسار الاشتراكي والقوى الديمقراطية المناهضة للاستبداد الطائفي وقوانين التبعية والتهميش الرأسمالي.
4- اعتماد إجراءات اقتصادية- سياسية لصالح الطبقات المنتجة وتطوير روحها الكفاحية.
5- محاصرة الأحزاب والتكتلات الطائفية ومنعها من اقتسام البلاد وتوزيع سلطاتها على أقاليم طائفية.
ان الموضوعات المشار اليها تشكل ردا وطنيا – ديمقراطيا على سياسية التهمش والتبعية وتوزيع الدولة على أقاليم طائفية.
الاستنتاجات
اعتماداً على ما جرى استعراضه لابد من تثبيت الاستنتاجات التالية –
اولاً – اثبتت مرحلة المعسكرين الاشتراكي – الرأسمالي فشل التحالفات الوطنية بسبب نزوع أطرافها الحاكمة للهيمنة والانفراد بالسلطة السياسية.
ثانيا – تشير الوقائع التاريخية المنصرمة الى مساندة كلا المعسكرين المتعارضين للنظم الاستبدادية المدافعة عن مصالح الطبقات الفرعية المالكة للثروة الوطنية وسلطة القرار السياسي.
ثالثا – تشترط قوانين العولمة الرأسمالية المتسمة بالتبعية والتهميش قيادة اليسار الاشتراكي للتحالفات الوطنية انطلاقاً من طبيعة قواه الطبقية الرافضة لتقويض سيادة البلاد الوطنية والهادفة الى بناء دولة العدالة الوطنية.