تمكنت مؤخرا، القوى الفاشية الدينية المتمثلة في طالبان، من إزاحة خصومها للمرة الثانية، الأولى كانت في الانتصار على أمراء الحرب، والثانية باستلام قادة الفساد لها، وبهذا تكون طالبان، بمباركة أولياء الأمر ودعمهم الخفي والمعلن، قادرة على القيام بمهمات خصومها والحفاظ على ورثهم العتيد، إضافة إلى أداء الدور المنوط بها في المنطقة، بشرط أن يترك (الشعب الأفغاني) تحت رحمتها تعبث به كما تشاء، ربما لسنوات لحين ترتفع النداءات وتفوح رائحة كراهيتهم للبشر.

 والذي يهمنا، عراقيا، أن السيناريو الأفغاني لن يمر بنا، فالمسؤولون يطمئنوننا أن المليشيات المارقة أو (الطرف الثالث) تحت السيطرة، وقرارنا قرار عراقي بامتياز مئة بالمئة، وكأن الأمريكان لم يعملوا على انشاء (الفوضى الخلاقة) في البلاد، وتشجيع السلاح المنفلت، وترك الحبل على الغارب لدول الجوار تعبث بالقرار العراقي، وتتدخل حتى في التفاصيل.

 ومعروف أن الطامة الكبرى، هو دخول داعش إلى الموصل ثم احتلالها أجزاء كبيرة أخرى من الوطن، ونشر الرعب فيها، ورغم الانتصار على داعش الذي جاء بفضل التضحيات الكبيرة لقواتنا العسكرية والحشد الشعبي، غير أننا خرجنا بمليشيات همها الأساس، أن تكون مثل (قوات الباسيج)، وهي تعمل على ملاحقة الناشطين المدنيين وقادة الانتفاضة ونشطائها وقتلهم واختطافهم وتهديد عوائلهم، لإثبات حسن النية.

  وهي بهذا الدور تكمل الحلقة المفقودة مع طغمة الفساد والنهب، والرشى، والعسف والتي فرطت بمستقبل العراق، شعبا وأرضا وموارد، ومزقت اللحمة الوطنية بسياستها الطائفية والعرقية، وأذلت المواطن العراقي وقهرت حلمه بوطن يتسع للجميع ويحفظ كرامته ويلبي طلباته بالعيش الأمن.

إن شكلا أو ظلالا من ظلال طالبان يخيم علينا، ومن يريد أن ينكر ذلك، عليه أن يجري حسبة بسيطة للأموال المنهوبة من ميزانية الدولة، والفساد الذي يتحكم بمفاصل أجهزة الحكم، والتراخي أمام العمليات الإرهابية والتخريب والاغتيالات، وازدياد نسبة الفقر والبطالة وانتشار ثقافة التجهيل، وسوء الخدمات وغيرها.

فإذا نزع قادة عسكريون بدلاتهم وتركوا جنودهم للقتل في سقوط الموصل، وإذا استسلم أو هرب أمراء حكومة أفغانستان، فالأمر واحد، وهما مثل الغرابين المتخاصمين الذي يقول لبعضهما البعض إن وجهك أسود.

الآخرون لا يعنيهم من أمر العراق والعراقيين شيئا، سوى مصالحهم، وهم مع الطرف الذي يلبيها ويكون (حصان أو حمار) طراودتهم.

فمن حلقت لحية جاره عليه أن يسكب الماء على لحيته!     

عرض مقالات: