تتشابه نهايات الوجود الامريكي على الاغلب في البلدان التي ترزح تحت نير هيمنته. لا سيما عندما يدنو الاذى من المصالح الاساسية الامبريالية، سواء كانت سياسية ام اقتصادية.. حينذاك تسعى المؤسسات الاستراتيجية الامريكية الى البحث في دفاترها القديمة، عن انجع السيناريوهات التي اعُتمدت فيما مضى للافلات من زحف المخاطر .. وابرز ما يمكن التأشير به على اوجه  التشابه. هو قيام الادارة الامريكية بتسليم امور الحكم الى قوى دينية المنهج السياسي. تلك التي معروف عنها غير قادرة على توحيد مجتمعات بلدانها بفعل جمودها الايدلوجي وشمول سطوة حكمها، الامرالذي لابد من ان يثير الاختلافات الدينية والنعرات الطائفية.  وكونها لا تؤمن باقامة العدالة الاجتماعية ولا بالديمقراطية الحقة، وحقوق الانسان. ولها رؤية سلبية من حقوق النساء. الامر الذي يؤدي بالضرورة الى عدم الاستقرار.

ومن الاوجه التشابه الاخرى ففي خضم ذلك تتم التضحية باقرب الحلفاء وهنالك امثلة قد سجلها التاريخ على تحالفات الادارة الامريكية لا سيما في الشرق الاوسط. وليس ببعيد تجربتها مع حليفها الذي كان يسمى بشرطي الخليج { شاه ايران } حيث تم التخلي عنه بغية التمهيد لاستلام الحكم من قوى دينية.. كما ان ما حصل بعد اسقاط نظام البعث في العراق الذي اتى به القطارالامريكي مرتين. ومن ثم جرى تسليم الحكم الى قوى دينية ايضاً. واخيراً ما حصل للرئيس الافغاني" اشرف غني " ونظامه، اذ سلمت الامور الى قوى دينية محسوبة بلامس القريب كونها منظمة ارهابية.. هذا والحبل على الجرار.

ان النتائج الاخيرة في افغانستان والتي جاءت عقب عشرين عاماً من الحرث الامريكي، قد طفحت عنها افرازات مثيرة للتساؤل حقاً.. وقبل ذلك لابد من العودة قليلاً الى الوراء لنستذكر بوعد وسائل الاعلام الغربية وغيرها وحينما سقطت وطُردت " داعش " من العراق بفضل جهود القوات الامنية العراقية عموماً جيشاً وحشداً، حينها بثت هذه الجهات خبراً مفاده بان الرايات السوداء قد سقطت ولكن سيأتيكم اصحاب الرايات البيضاء. وها هم قد جاؤوا واول غيثهم ظهر في افغانستان. الا يدعو ذلك للتأمل ولكي تكون تساؤلاتنا موجبة .

لقد كانت هنالك مفاوضات دامت وقتأ طويلاً بين الامريكان وقادة طالبان في الدوحة العاصمة القطرية. وقد جرت اتفاقات وتفاهمات مختلفة. ولكن قد جرى التعتيم على نتائجها، او بالاحرى ادعي انها  قد فشلت. غير انه سرعان ما تجلت في الانسحاب الامريكي الحالي من افغانستان.. وهنا تتمحور تساؤلاتنا حول الكيفية التي جرى فيها تطبيق هذا اليسناريو الجهنمي المعد مسبقاً دون اي ريب. واذا ما كان غير ذلك فلماذا لم يتم الانسحاب على مراحل، بغية اتاحة الفرصة لتسوية الامور بين طالبان والحكومة الافغانية. ولماذا لم تقدم قوات طالبان حتى على التحرش بالقوات الامريكية، ولماذا سمح للمتعاونين مع الادارة الامريكية بالخروج من كابول امنين، ولماذا تم تقييد فعاليات الجيش ضد طالبان وهذا ما اكده وزير الدفاع الافغاني بقوله { قيدوا ايدينا وهربوا }، وكان ذلك قد جاء في سياق تعليقه على هروب الرئيس الافغاني..

وجدير ان نضيف شيئاً آخر فيه دلالة على ما نقصده وهو: لماذا لم تسحب المليارات من الدولارات قبل ان تقع تحت يد طالبان. ولماذا لم تهرب " لجنة التفاوض" المكونة من الرؤساء الافغان السابقين امثال عبد الله عبد الله، وكرزاي، ونائب الرئيس" امرالله صالح " انما بُرر ذلك على انهم بقوا في كابل لاتمام ما سبق وجرى الاتفاق حوله في الدوحة.. الامر الذي يكشف تماماً بأن كل المجريات الراهنة في افغانستان لا تنفصل عن " اتفاقيات قطر". وقد تم تأكيد ذلك على لسان الرئيس الامريكي" بايدن " حينما قال ان طالبان لم تلتزم بما قد تم الاتفاق عليه. ولكن كان يراد بمثل هذا التصريح ذر الرماد في العيون. ولاظهار الادارة الامريكية بصورة الحريصة على حفظ حقوق الشعب الافغاني.

غالباً ما تتميز السياسة الامريكية ببعدها الاستراتيجي كما ان تكتيكاتها ليست بالقصيرة. ولكن بايقاعها الراهن في افغانستان كانت تنم عن قصر نظر الى حد بعيد. الامر الذي حدا بحلفاء واشنطن الاوربين تحديداً، ان يوجهوا انتقاداتهم الحادة الى الرئيس الامريكي، هذا وناهيك عن موقف الجمهوريين الناقد لاداء الرئيس " بايدن " حيال عملية الانسحاب الكامل من افغانستانن ويضيفون على هذا الموقف الخاطىء، نقدهم للاسلوب الذي اتبع في اجلاء الدبلوماسيين والتابعين لواشنطن من مطار كابل. كما ووصفوه بالفشل الصارخ و " كسيرة " سياسية اذا لم تكن فضيحة. والانكى من ذلك ان الادارة الامريكية قد صرحت بان وصول طالبان الى كابل العاصمة سوف لن يتم الا بعد ثلاث اشهر، غير ان الامر قد تم  باقل من ثلاثة ايام وبسرعة خارقة. هذه هي الصورة المتخلفة لسياسة واشنطن والتي ما زالت غائرة في سياسة الهيمنة الاستعمارية التي ترفضها الشعوب بكل قوة. والتي ظلت مصابة بنفس الكاوبوي، وعدم المعرفة بوعي الشعوب لمصالح بلدانها.

عرض مقالات: