المشهد العراقي اكثر تعقيدا مما يبدو للوهلة الاولى، فبالاضافة الى ما رافق الانتخابات من عزوف ولغط وغموض حيّر حتى المراقبين الذين لديهم قدر محترم من النباهة، فأنّ ما يدور الآن في الصالونات وخلف الستائر يثير الخوف والشكوك ويقلق المواطن ويضع البلاد امام تحديات اكبر واخطر.

انّ الاحزاب والشخصيات السياسية (فائزة كانت ام مهزومة) التي لا تتعب من الكذب والنفاق ولم ينهكها مارثون المشاركة في السلطة، جعلت المواطن يؤمن (بالنحس) ويعتقد ان له وجها في بعض الاحيان!، فها هو يقف مشدوها وغير قادر على مغادرة متاهته وكأنّ السياسة في العراق نسر لا يطير بجناحين!، ليس فقط هذه المرة، بل الأمر يوحي كما لو ان تاريخ العراق السياسي اصبح دائريا ويعيد نفسه بشكل كاريكاتوري.

ففي ظل هذا السباق الذي لا يخلو من عدم النزاهة، نجد الفاشلين الذين ابتلونا بآفة الغش والخداع والفساد وكانوا خارج التغطية في جميع ملفات البلد المهمة وجربهم العراقيون لسنوات طويلة، اعادوا انتشارهم بأساليب جديدة وراحوا يتباكون على الفقير ويرفعون وبوقاحة كاملة (وعينك عينك) وفي النهار القهّار ومن دون ايّ حياء شعار (دولة المواطنة)، مع انهم يعلمون بأننا نعلم ان شعلة الايمان بالمواطنة تنطفئ عندهم ما ان يجلسون على كرسي المسؤولية ثم يذهبون الى بيوتهم وينامون قريري العين.

يبدو ان المفارقة اعلاه عادية جدا في بلاد نخرت عظامها الازمات السياسية والامنية والاقتصادية لعقود من الزمان، لكن ستكون من اكبر المفارقات واكثرها قبحا ان يقطف ثمار نتائج الانتخابات وثمار الحناجر التي بحّت وهي تصرخ في ساحة التحرير مطالبة بحقوق الناس اولئك الذين يحاولون استغفال الشعب ويسعون الى هندسة تحالفات بطريقة مشبوهة ويبتكرون لأنفسهم مسارات وهمية ليصعدوا الى الطابق الحكومي بأية طريقة وأيّ ثمن.

ليتذكر السياسيون الغارقون في مستنقع الريع.. والصدفة هنا لا دخل لها بالموضوع!.. بأنّ نسبة عالية من العراقيين لم يشاركوا في الانتخابات، وهذا ليس يأسا ولا احباطا، بل رفضا للأحزاب والوجوه التي لم تنتج في السنوات السابقة سوى الفشل الذي جعل المواطن يفقد ما تبقى من ثقة بالسياسة والمؤسسات، أمّا الذين انتخبوا، فدافعهم الأساسي هو تغيير نظام المحاصصة الذي طال انتظاره، وبين هذا وذاك، كان المطلوب طوي صفحة كاملة من الانحراف والجشع ومطاردة الحرامية والتخلص من فكرة (انّ الذئب ممكن ان يرعى قطيع الغنم)!.

انّ المواقف التي تُطبخ في الغرف المغلقة وتحت عناوين جديدة من اجل العودة الى دولة الغنائم!، ما هي الاّ محاولة بائسة لتبييض سمعة الفساد والاستخفاف بارادة الناس وعقولهم، لكنّ العراقيين الذين انهكهم الاهمال، ادركوا اهمية ان يكون (الرجل المناسب في المكان المناسب) وانّ من يتحمل المسؤولية يجب ان يكون مثالا في الكفاءة والنزاهة، وان يكون فوق الشبهات والانتماءات، وما عدا ذلك فأنّ شعب العراق سيقلب المشهد رأساً على عقب!.

 

عرض مقالات: