أرغم عدد من الدول العربية بما فيها دول الخليج، ويرغم العراق حاليا، على السير بنفس الخطى وعلى نفس النهج، ذلك إن السياسات التوسعية الإيرانية والطابع الارهابي التخويفي وعوامل التهديد اليومي لبعض دول المنطقة، من قبل إيران وسياستها التوسعية في المنطقة والمخطط الامريكي الإسرائيلي، لعبوا دورا مفصليا في تطبيق التطبيع مع الدولة اليهودية، ناهيك عن المشروع الأمريكي الذي يرمي باستمرار إلى تحسين صورة “إسرائيل ”وتجميلها أمام شعوب المنطقة والعالم الثالث، سيما وإن أمريكا منذ تشكيل دولة الصهاينة، قد أعدت خططها بدقة وإتقان، بهدف نفي الاتهامات عن إسرائيل، وتبرير ممارساتها الاستعلائية ومنحها الحق في توسيع سيطرتها بحجة الدفاع عن أمنها، وتشريع ما تقوم به من جرائم في سبيل تأمين حياة مستوطنيها وحفظ مصالحهم، فهي وفق منظورهم الذي يعملون بموجبه دولة غير عدوانية، تعمل على إبعاد واحتواء شعوب المنطقة لمصالح الدولة الإيرانية, التي تصاعدت واتخذت طابع الإملاءات على مسار النظام الجديد في العراق بعد عام 2005 لضم العراق تحت عباءة "ولاية الفقيه"، بتصاعد لهجة التهديد المليشاوية الولائية، وغياب النوازع الوطنية بتغافلها عن دورها الوطني لصالح الدفاع عن حكومة إيران، والتدخل بشؤون الدولة العراقية، وتعريض مستقبل شعبها للمخاطر لتدور التنمية المستدامة ضمن الدائرة الإيرانية ومخططاتها في المنطقة، وليساعد ذلك في أن تنفتح بين حكومات المنطقة، وبين إيران آفاق جديدة من الصلات الاقتصادية والتجارية والسياسية، وبخاصة بعد أن فتحت بعض حكومات دول المنطقة سفارات لإسرائيل فيها ،
أما العلاقات بين العراق وإسرائيل، فقد تكون اللاحقة للاعتراف بإسرائيل كدولة لها كيان سياسي، لكنها قد تطول بكل تأكيد. وسيجد العراقيون بعد سنوات ان إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أمر قد يكون ممكنا جدا، وقد لا يجد معارضة من كثيرين، حتى بضمنهم ساسة من شيعة العراق وسنته ، سيما وأن الإخوان المسلمون قد انضموا لليمين لتشكيل حكومة يمينية شأنهم شان الصهاينة لا يهمهم مقام الشعوب بقدر مصالحهم الذاتية والاقتصادية ناهيك عن مآربهم السياسية، وسيرغم العراق على قبول سلوك هذا الطريق، شاء أم أبى، بعد أن يتحول العراق الى دولة منقسمة على نفسها، وعوامل انشطاره بين حكومة الدولة الحالية واللادولة التي تُرعى من قبل الميليشيات الولائية والاحزاب المتحاصصة أصبحت تقترب رويدا رويدا من التشظي ، وهي تسعى (الاحزاب المتحاصصة) زيفا وبشعارات فارغة، لإظهار أنها مترابطة، لكن عوامل الفرقة والتناحر المذهبي والقومي فيما بينها تتسع. بالإضافة لكون العراقيون راحوا يشعرون بأن مستقبلهم الاقتصادي مظلم هو الآخر، بسبب تقلبات أسعار النقط وعدم وجود موازنات أو تخطيط سليم، وسيادة الفوضى والسلاح المنفلت الذي يستعمل لتثبيت كياناتهم.
لقد اثبت الوقائع وفقًا لأوريت باشكين* ، أن اليهود التزموا بالوطنية في حراكهم السياسي بما في ذلك بعد تهجيرهم الى إسرائيل حيث حافظوا على التراث العراقي الذي حملوه إلى إسرائيل، فكونوا مقامات عراقية خاصة بهم تنفرد بعكس التراث العراقي بين صفوف يهود العالم، ويذكر بأنهم وخاصة الشيوعيين منهم، قد لعبوا دورا وطنيا عراقيا عند تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية في أيلول عام 1945 وصعدوا اسوة بوطنيين عراقيين أعواد المشانق، مشكلين أحد أهم مآثر الشيوعيين اليهود.( لقد عارضوا ادعاء الصهيونية في التحدث باسم جميع اليهود بغض النظر عن بلدهم الأصلي، وحذروا من الأخطار الكامنة عند العراقيين وغيرهم من الخلط بين الصهيونية واليهودية. وبالإضافة إلى نشر الأدبيات المتضمنة آرائهم المعلنة، لدعم عصبة مكافحة الصهيونية ومعادات الحركة الصهيونية) * من خلال فعاليات دعم الشعب لفلسطيني وخلال الاحتجاجات المنظمة
حتى بعد الهجرة إلى إسرائيل، لم يحصل اليهود الشرقيون الذين هُجروا للدولة الجديدة على نفس المستوى من الاعتراف مثل نظرائهن من اليهود الذين اتوا لزيادة نفوس الدولة الجديدة من الدول الغربية، علاوة على ذلك، لم يغادر العراق كل اليهود العراقيين إلى إسرائيل في عام 1951. على سبيل المثال، فمن بقي منهم بالعراق استمروا في صنع أسماء لأنفسهم في مسالة مواجهة الاضطهاد الرأسمالي والدولة والنوع الاجتماعي في آنٍ واحد، يستحق الشيوعيين العراقيين من كافة انتماءاتهم العرقية، الاعتراف بشجاعتهم وتفانيهن في الكفاح من أجل قضايا شعبهم العراقي، ونهجه الذي لا يلين في سبيل ترسيخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حتى لو لم تكن السجلات التاريخية في صالحهم.
*من كتاب البابليون الجدد، تاريخ اليهود في العراق الحديث