بالرغم من ان الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية المبكرة 2021 بدأت منذ فترة طويلة، الا ان الاعلان الرسمي عن الماكنة الانتخابية لدولة القانون كشف عنها الستار في 10 تموز 2021 بحضور زعيم الكتلة السيد نوري المالكي وبقية اعضاء البرلمان والشخصيات البارزة في الكتلة، عندما قدم خطابا سياسيا تناول فيه دوافع المشاركة في السباق الانتخابي.
اهمية الخطاب السياسي لدولة القانون ياتي من كون السيد نوري المالكي تربع على كرسي رئيس مجلس الوزراء لدورتين متتاليتين، اتهم بسببها في صناعة الدولة العميقة، بالاضافة الى السماح لداعش في التمدد، خاصة وهو من ادعى تأسيس الحشد الشعبي، من جانب آخر لا يزال السيد المالكي يسعى لولاية ثالثة، يرسم من خلالها مستقبل العراق لمدة اربعة سنوات قادمة او اكثر.
لم تطلق دولة القانون حملتها الانتخابية بل ماكنتها الانتخابية، ولا اعتقد ان التسمية جاءت اعتباطا، فالعراقيون تعودوا ان يسموها حملة، اما الماكنة فيقصد منها سحق كل من يقف بوجهها، هذا التعبير والمفهوم يعني اننا امام انتخابات كسر العظم. اذا ما عدنا الى العام 2018 وما آلت له نتائج الانتخابات، والتجاوز على الدستور بالغاء مفهوم الكتلة الاكبر، عندما اعلن السيد عادل عبد المهدي مرشح سائرون والفتح، الاعلان كان بمثابة اتفاق تأجيل الصراع على المنصب لاربعة سنوات قادمة، لكن ما حدث ان سائرون لم تلتزم بالاتفاق ولم تجعلها هادئة، فكان نزولها مع التشرينيين ذو وقع كبير، السؤال المهم هل تم الاتفاق والاعلان بموافقة دولة القانون؟ تشير التصريحات بلا، وهذا يجعلنا نفكر هل سيلتزم الفتح بالاتفاق للدورة القادمة؟ تاتي الاهمية من ذهاب العراق الى الحرب الاهلية، ام الاستقرار السياسي.
يعود خطاب السيد نوري المالكي الى قضية الديمقراطية واختزالها بآلية الانتخابات، التي ستمنح الفائز بغض النظر عن التزوير وغياب الامن الانتخابي وانتشار الفصائل المسلحة وعدم تطبيق قانون الاحزاب وعدم الكشف عن قتلة التشرينيين وكل مخالفات خوض العملية الانتخابية ونوايات المقاطعة الشعبية، يعود المالكي ليعطاها حق منح منصب رئيس مجلس الوزراء للكتلة الاكبر، هذا المنطق الذي ساد منذ العام 2005، يرفض المالكي تجاوزه الى المفهوم الواسع للديمقراطية، لانه ببساطة يعني بقاء منهج المحاصصة على ما هو عليه، واذا ما نظرنا الى تسريبات انتقال الدولة العميقة من ولائها لدولة القانون الى التيار الصدري، فإنه يعطي المبرر للمالكي أن يستعيدها بالانتخابات التي يحذر من تزويرها، وبهذا المنطق تصبح الانتخابات آلية غير ديمقراطية.
يشير السيد المالكي بوضوح أن الدولة العراقية لا يقودها مكون واحد (طائفة، عرق، حزب او كتلة) وهو بهذا يتراجع عن دعوته بالذهاب الى النظام الرئاسي المباشر، ويضيف، أن العراق اصبح بهذا السوء من الخدمات والفساد والنزاعات الداخلية، لان (الوفاق السياسي) قد غاب بين الاحزاب الحاكمة، وهذه ادانة واضحة للفاعل السياسي، في تكرار لمقولته، (أن الجميع فشل بما فيهم أنا). المشكلة أن دولة القانون تنقلب على حلولها في اللحظة المفصلية وتعود الى الفاظ هلامية، الشراكة والمشاركة والشركاء السياسيين، التوافق والوفاق السياسي، النظام الرئاسي والبرلماني، الديمقراطية وآلياتها، باختصار شديد هي تتوجه لخلط المفاهيم في رسالة واضحة المعاني الى المنافسين.
مما تناوله السيد المالكي قضية الحشد الشعبي والفصائل المنفلتة، عندما اشار ان الفصائل المنفلتة مجهولة وهي من تمارس القتل. اذا كانت الدولة العراقية غير قادرة على كشف الفصائل المنفلتة (التي تعلن عن نفسها)، فهذا يعني أننا امام ضعف شديد في المؤسسات الامنية وفشل في بناء الدولة الجديدة (هذا ما صرح به المالكي والعامري والحكيم والجبوري واخرين). ثم يستذكر السيد المالكي أن الحشد الشعبي خرج على القانون، ثم عاد لينبه ان الحشد لا بد ان يلتزم بما جاء من اجله، وهنا نقع في مشكلة غياب الحلول، كيف يمكن للحشد ان يلتزم بالقانون اذا كانت ولاءاته منقسمة بين احزاب تتنافس رسميا على السلطة التشريعية والتنفيذية، علما انه لا يمكن القبول بوصف الفصائل المنفلتة، لان احزابا وتيارات برلمانية تباركها وتصفها بمحور المقاومة، وتربطها مع محور المقاومة في لبنان واليمن وسوريا.
حول اقامة الانتخابات التشريعية المبكرة، يحذر السيد المالكي في خطابه الى قضيتين مهمتين، الاولى أن عدم قيام الانتخابات سيؤدي الى كارثة سياسية وفوضى وخراب، لن يتمكن احد من السيطرة عليه، وهنا يجب التوقف لنسأل لماذا التخوف من عدم اجراء الانتخابات؟ واذا كان هناك احد قد دعا لتاجيل الانتخابات، فلماذا لم يعرب عن بنفسه؟ هل يعتقد السيد المالكي ان هناك اذرع خارجية تعمل على تاجيل الانتخابات، وتفرض ارادتها على الشعب العراقي، ام ان كتلا سياسية عبرت عن رغبتها في الاجتماعات السرية، والشعب لا يعلم بذلك؟ في كل الاحوال هي فرض ارادة، ولا ندري من المقصود بها.
النقطة الثانية حول الانتخابات حذر المالكي من التزوير، فما شرع من قانون يضمن للمتسابقين استعمال البطاقة طويلة الامد (في تصريح سابق للمالكي، سرق منها اكثر من مليوني بطاقة) الى جانب البطاقة البايومترية، كذلك اعطى الحق للاعتراض على نتائج اي مركز انتخابي، باعادة العد والفرز يدويا اذا ما قدمت شكوى تزوير عليه، (هذا ما اعتبره المالكي ضمانا للمتسابقين)، بمعنى ان كل احتياطات منع التزوير قد ذهبت في مهب الريح، وان الاعلان المبكر عن نتائج الانتخابات غير معترف به، وسيعاد العد والفرز يدويا ويؤجل التصديق على النتيجة الى حين ان يتم الوفاق السياسي الذي دعا له السيد المالكي.
لا نختلف ان الانتخابات وسيلة حضارية لتقدم الامم، وهي آلية لتحقيق التغيير المستمر، وتمهد الطريق امام التبادل السلمي للسلطة، التمسك بها صفة حضارية، لكن الانتخابات التشريعية المبكرة القادمة لن تكون اكثر من شاهد زور على براءة الاحزاب الفائزة بالفساد والتزوير والمال السياسي والمليشيات المسلحة وسرقة المال العام وقتل التشرينيين، لهذا مقاطعتها يسحب الشرعية منها، والعمل منذ الان على توفير فرق المراقبة لفضح اشكال التزوير وتقديم الادلة للشعب العراقي والمجتمع الدولي، وبث روح الانتفاضة والتغيير السلمي بالعصيان المدني وكل ما يمنحه الدستور العراقي وقوانين الامم المتحدة من اساليب، حتى يتمكن الشعب العراقي من اجراء انتخابات عادلة ونزيهة.