ضمن سلسلة دراسات فكرية تنشرها جامعة الكوفة صدر حديثاً " كتاب اللادولة " لعالم الأجتماع العراقي " فالح عبدالجبار "

(1946-2018) ترجمة حسني زينة وتحرير علي حاكم صالح وحسن ناظم ، ما قالهُ الأستاذ حسن ناظم وزير الثقافة عن الكتاب " أللادولة " : لم يمهل القدر فالح ليكمل تنظيم كتابهِ هذا وتبويبهِ ومراجعتهِ وتصحيحهِ فرحل عاجلا في 26شباط2018 ببيروت متأثراً بنوبة قلبية ، وهو يحاول أن يقول آخر كلماته في أوضاع الدولة واللادولة ، حيث طلبتّ ألينا فاطمة المحسن الكاتبة وزوجة الراحل أن نقوم بتحرير الكتاب ، فعمدنا إلى تنظيمه وتبويبه ومراجعته وتصحيحه ، وأن فالح عاش بين الدولة واللادولة وختم حياته ب اللادولة ، ويا له من حيفٍ وحسرةٍ أن يختتم الهموم ببناء الدولة حياتهُ بكتاب " اللادولة " .

وقد تأثرتُ بعناوين آخر كتابين للراحل الفقيد فالح : الدولة اللوثيان الجديد ودولة اللادولة ، وقد دفعني الشوق الشديد لأقتنائهما ، ومن خلال قراءة ما ورد في كتابه الثاني " دولة اللادولة " وجدتُ : إن مفهوم اللادولة لا يعني غياب دولة واجب الحضور أو يعني شكل من أشكال الفوضى وأنعدام النظام ليس هذا المقصود بمفهوم اللادولة بل يعني نمطاً مستقلاً بلا سلطات قهرية ، وهذا ما أعتقدهُ هو {مستقبل العراق السياسي } وبعبارة أدق : المقصود بمفهوم اللادولة هو شكل آخرموازي من أشكال التنظيم الأجتماعي غير مستند على سلطات مستقلة ، سلطة لا تحتكر القوّة والسلاح ، وتكون مقبولة وموافقَ عليها مجتمعياً من دون وسائل أكراه ، ولا يمكن أعتباراللادولة دولة عميقة أو دولة موازية ، أنما مزيج متنوع من الأطراف داخل منظومة الدولة وخارجها ، فيكون كتاب فالح عبدالجباراللادولة يمكن ترجمته ب (الدولة الغير رسمية ) ، ويتضمن مفهوم اللادولة مجموعة من مختلف القوى والجماعات  (الميليشيات والأحزاب السياسية ) وربما الجماعات الأجرامية ، والجماعات القبلية المسلحة ، وكل هذه الظواهر القلقة تكون داخل الدولة وخارجها في نفس الوقت ، وصفها آخرون بأنها ( الأطراف الهجينة ) إنها جماعات مسلحة أكتسبت أهمية سياسية وعسكرية دائمة من خلال أنشاء قواعد شعبية لها وسط أحتفاظها بالأراضي وربما تنخرط في نزاعات مسلحة ، وغالبا ما تستولي هذه الجماعات على مؤسسات الدولة وتشارك في الحكم الرسمي بدرجات متفاوتة ، حيث تنخرط هذه الجماعات الهجينة في الحروب والحياة الدبلوماسية السياسية وبناء القواعد الشعبية وإنها تعمل على تطوير هياكل موازية للدولة ما يمنحها أستقلالية غير قانونية .

وحسب مفهوم الحداثة والعصرنة يمكن تحديد مفهوماً جديداً (للادولة) : حين نربط بالمفهوم الذي يريدهُ الشعب فهو { يمنح الأولوية للخدمات ، وهذا واقع حال على أرض الواقع وهي " الأمن والآزدهار " } بعد أن يبتعد عن الآيديولوجيات ، وهي ليست منّةٍ من الدولة بل هي من صلب ما تقدمه ( الدولة الوظيفية ) .

وعليه ليس من المستحيل إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعاقدية في العراق ، والذي يبدو على السطح السياسي لمقبولية الشعب العراقي لتطبيق مفهوم دولة أللادولة في قادم العراق وهو واقع حال ، وسوف أضع أمامكم ما على مفهوم اللادولة من مآخذ أي ( تداعيات ) وربما بعض الأيجابيات التي منها مقبولية الشارع العراقي بها :

-أستخدام العنف وتبريره

- تجاذب الخطاب الشعبي

- تشهد منعطفات سياسية كبيرة كما وضُح في تأريخ العراق السياسي ضمن المئة سنة من حكم ملكي ما بعد الأستعمار ، وأنقلابات ، ونظام جمهوري ، ودكتاتورية الحزب الواحد ، وحرب أهلية ما بعد الأحتلال الأمريكي .

- مجتمعات محلية متصدعة .

- غياب الهوية الوطنية .

- الأنقلابات .

- التدخلات الخارجية النزعة الأثنية والطائفية والمناطقية التي عززتها الدكتاتورية .

- تسيّدَ العشائر .

- تتضمن مفهوم اللادولة مجموعة مختلفة من القوى والجماعات من ميليشيات والأحزاب السياسية والجماعات الأجرامية والجماعات العشائرية المسلحة .

يبدأ الكتاب في فصله الأول بعرض( الحالة العراقية ) بين 1991-2003 وهي فترة العقوبات والحصار الأقتصادي والتي مخرجاتها المآسي الأجتماعية والنكبات الأقتصادية ، يقدم الكتاب مآلات الحالة العراقية في زمكنة هذه الفترة الحرجة  والعصيبة والقلقة يشرع في تسليط الضوءعلى المؤسسات الدينية وطقوسها ومآسي الطائفية التي أشبعتْ تسييساً منذ قبل 2003 ثُمّ توطدت أركانها بعد سنة الأحتلال البغيض في 2003 ، وإن حركات الأسلام السياسي العراقي الشيعي منها والسني هي حركات ( تتبنى ) لاهوت الدولة من دون أن تتمكن من تحقيقه في دولة اللاهوت ، والذي يسود هو العنف على العراق ودول الربيع العربي في هذه الفترة الزمنية حصراً يوضح الكتاب أشكالية هذا العنف في عموم البلاد العربية خلال القرن العشرين والتي مخرجاتها البغيضة الطائفية والدكتاتورية والثالوث المأساوي ( الفقر والأمية والمرض ) وصعوبة بناء الدولة الجديدة

فأن كتاب الأكاديمي والباحث السوسيولوجي عبدالجبار يمثل المشهد التراجيدي والمأساوي الأخير والذي أرى أنها الفترة العصيبة والصعبة المعقدة والتي تتقارب مع حيثيات مؤلفاته الأرثية ( العمامة والأفندي ، في الأحوال والأهوال ، والتوتوليتاريا ، ودولة الخلافة ) .

وعند الأقتراب من الأحتفاء بذكرى المئوية لتأسيس دولة العراق (المنحوسة؟!) في 1921 كم شهدتْ من مطبات مرعبة ومنعطفات مليئة بالأحداث السياسية القلقة من حكم ملكي وأنقلابات العساكر ونظام جمهوري ودكتاتوري الحزب الواحد وحرب أهلية وسياسيي الفساد الأداري والمالي اليوم .

ويمكن أن أوضح أسباب بروز ظواهر أجتماعية وسياسية منفلتة في التأريخ السياسي العاصف للعراق خلال المئة عام إلى :

غياب الهوية الوطنية ، أنقلابات العساكر وعسكرة الشارع العراقي توضحت مؤشراتها الأجتماعية والسياسية بعد الحرب الآولى المتسمة بالنزعة الشوفينية ، النظم الدكتاتورية ، ووضوح رؤى الطائفية ، ظهور الأضطرابات السياسية التي ظهرت موجاتها على الأنظمة المتتالية ضمن فترة المئة سنة ، ظهور المحاصصة على جميع الأنظمة المتعاقبة ولو ب (شكلٍ خجول) بيد إنها بدت واضحة  - بعض الشيء - في زمن الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم .

وأخيرا ليس آخراً نقول نعم نعم للدولة ( المدنية الديمقراطية ) لكونها أفضل الدول على صعيد التنمية السياسية والأقتصادية والتي تنتهج طريق الديمقراطية والمدنية ، وهي دولة مواطنة قائمة على أساس المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات ، تتأسس على أساس عدم خلط الدين في السياسة ، ويكون الشعب الركيزة المهمة في الدولة المدنية ، أي لا سلطة أعلى من سلطة الشعب ، وتكون القاعدة الشبيهة للدولة المدنية واسعة ومتنوعة ولا يكون الولاء ( إلآ ) للدولة  ، وللأنصاف إن الدولة المدنية ترعى الحرية الدينية التي تعني حق المواطن من أختيار ما يشاء من العقائد .

عرض مقالات: