تجارب الشعوب مع العقوبات الاقتصادية  في الماضي والحاضر كثيرة وفي مقدمتها الشعب العراقي الذي عانى الامرّين من الحصارالاقتصادي في العقد الاخير من القرن العشرين والجزء الاول من العقد الاول من القرن الحادي والعشرين , وتفشت الرشوة والفساد والاستغلال حتى النخاع لدرجة صار الجندي العراقي يستجدي اجرة تنقلاته وقوته حين تمتعه بالاجازات الدورية ، يليه الشعب السوري والشعب الايراني و الشعب الليبي و دول كثيرة مع استحداث نوع جديد من العقوبات تحت مسمى ( العقوبات الذكية ) وكأن الاخيرة لاتمس بنتائجها الشعوب المغلوب على امرها وهى تنخر بذات الحالة مفاصل الدولة المستهدفة . تستهدف "العقوبات الذكية" بالأساس قطاعات النخبة في البلد المعني عن طريق ضرب مصالحها، ودفع هذه النخبة للضغط على نظامها السياسى. ولذلك لا تصطدم "العقوبات الذكية" في المرحلة الأولى بجماهير البلد المعاقب، وهو ما يوفر لها مزية لا تتوافر لدى العقوبات الاقتصادية الاعتيادية. وهذه المزية تتلخص في الحيلولة دون استثمار النظام للعقوبات الاقتصادية، وتحويلها إلى أداة لربط الجماهير بالمشروع السياسى للنظام. و"العقوبات الذكية" تؤثر بالتالى على النظام ككل وعلى أجنحة معينة فيه، بحيث تضغط عليه أو تحجب تأييدها عنه. ولكن هذا النوع من العقوبات يتطلب- شأنه شأن باقى أنواع العقوبات- تنسيقاً دولياً على الصعيد التقني والسياسي، وهو ما سيكون متاحاً إذا ما تغطت بغطاء الشرعية الدولية عبر قرار من مجلس الأمن. ويمكننا أن نتصور أيضاً أن حزمة "العقوبات الذكية" ستتضمن إيقاف تصدير المنتجات التكنولوجية المتطورة إلى الدولة المحاصرة  إيران مثالا ، بحجة أنها ستسخدم لأغراض عسكرية أو نووية، على مثال الحظر الذى فرضه العالم الغربى على دول المعسكر الاشتراكي  إبان الحرب الباردة. ومروراً بحظر هبوط الطائرات الإيرانية المدنية في مطارات العالم المختلفة والتضييق على خطوط ملاحتها البحرية.                                                   

وللعقوبات المفروضة لفترة طويلة نسبياً فعالية واضحة، مثال يوغوسلافيا التسعينيات حاضر لتأكيد هذا القول، حيث استخدمت حكومة ميلوسيفيتش وقتها العقوبات الاقتصادية التى فرضت على يوغوسلافيا لتبرير الكثير من الاختناقات الاقتصادية وصولاً إلى استغلالها لتغذية المشاعر القومية الصربية. على أن المستفيد الأساسى من فرض تلك العقوبات كان المافيا اليوغوسلافية التى استغلت الضائقة المعيشية لشرائح اجتماعية واسعة لمراكمة أرباحاً طائلة، في الوقت الذى هاجرت فيه شرائح كبيرة من الطبقة الوسطى اليوغوسلافية إلى خارج بلادها. ولكن في النهاية كانت التكاليف للقيادة السياسية في بلغراد  أكثر من طاقتها على الاحتمال، وهو ما جعلها ترضخ لإرادة  من فرض الحصار . ولأن يوغوسلافيا المنهكة اقتصادياً وعسكرياً والمفتتة جغرافياً لا يمكن مقارنتها بالوضع الإيرانى الآن، فلا يمكن التكهن تماماً بمقدار الشرعية التى سيخسرها النظام السياسى في إيران، إذا ما تم فرض عقوبات عليه، ومن ثم لا يمكن تقدير حجم "الإرغام" الممارس عليه لتغيير سياساته من أجل الاحتفاظ بالسلطة. وبالإضافة إلى ذلك فمن الواضح قوة ارتباط الجماهير الإيرانية بالمشروع النووى، بشكل يقارب ربما ارتباط المصريين بمشروع السد العالى في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.  

وتتنوع العقوبات المفروضة ما بين الحصار الاقتصادي الشامل، وتجميد الأرصدة في الخارج للحكومات أو الأشخاص، ومنع الشركات الأجنبية من الاستثمار في بعض الدول، وتصل إلى فرض حظر على التحويلات المصرفية والحّد من استيراد المعدات الطبية والتقنية، وحتى بعض البضائع المصنفة بأنها ذات استخدام مزدوج.

وبشكلٍ عام، فالعقوبات الاقتصادية تعد في آن واحد أمرا مجديا، وغير مجد، فتكون أمرا مجديا إذا كانت العقوبات المفروضة من قبل أطراف متعددة، وأن تكون مفروضة على بلاد ضعيفة من الناحية الاقتصادية، كي تتأثر وتخضع لأهداف الجهة التي فرضت عليها العقوبة. وتكون أمرا غير مجد إذا كانت العقوبة من قبل أطراف أُحادية أو ثنائية، لأنها بهذه الطريقة لن تؤثر كثيرا على اقتصاد البلد المفروض عليه العقوبة ولن تؤتي ثمارها، وتكون قدرتها على تحقيق الأهداف ضئيلة، أو مخيبة للآمال.                  

وتتسبب العقوبات الاقتصادية في كوارث إنسانية كما حصل في العراق بعد 1990، فقد قضى ملايين الأطفال والنساء والشيوخ نتيجة الحصار الذي تواصل حتى إسقاط نظام  صدام حسين عام 2003 نتيجة انعدام الأدوية، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية على خلفية الانهيار الاقتصادي، ولم يفلح التحايل على القرار باعتماد صفقات "النفط مقابل الغذاء" في تخفيف المعاناة بل زادها ليكشف النقاب لاحقا عن حجم الفساد الذي شاب هذه الصفقات. لكن ورغم كل هذه المعاناة لم يسقط النظام إلاّ بعد دخول مئتا الف جندي امريكي وبريطاني باسلحتهم الحديثة المتطورة .  والعقوبات الاقتصادية سلاح ذو حدين، فالحكومات المحاصرة يمكن أن تبتكر أساليب لتعويض النقص من أسواق أخرى، أو زيادة الاعتماد على المنتج المحلي، كما يمكن إيجاد خطوط ائتمانية من بعض الحلفاء لضخ الاستثمارات، وتطوير الاقتصاد، أو الحفاظ على مواقعها في الحكم، في وقت تتراجع وتيرة النمو في البلدان، التي تفرض العقوبات مع تراجع الصادرات، وازدياد البطالة.                            

ويلفت النظر في تناول موضوع الانهيار السياسي المؤرخ الأميركي بول كنيدي في كتابه الشهير «صعود وسقوط القوى العظمى»، والذي صاغ فيه قانوناً علمياً يحكم عملية سقوط الإمبراطوريات على وجه الخصوص، مبناه «إذا زادت الالتزامات الاستراتيجية لإمبراطورية ما لدرجة تعجز مواردها الاقتصادية عن الوفاء بها، فإنها تسقط» بالمعنى التاريخي لكلمة السقوط. وبناء على هذا القانون العام في الانهيار السياسي تنبأ كنيدي بانهيار الإمبراطورية الأميركية، ما جعل الدوائر الرسمية في واشنطن تحاول التعتيم على هذا الكتاب لأنه كشف للعيان عملية التردي المستمر للقوة الأميركية، بحكم اتساع الجبهات العسكرية التي وزعت قواتها عليها، وكأنها تريد أن تحكم العالم وتضبط سلوك دوله.                                   

محاولة تغيير الأنظمة العربية التى باتت فى نظر الإدارة الأمريكية غير قادرة على مسايرة المخططات الأمريكية فى المنطقة  لانها تريد ان تفتح الحدود بين دول الشرق الاوسط لعبور البضائع والرساميل وهذه هي العولمة ولمج الكيان الاسرائيلي مع الدول العربية ، وللاسف كانت انتفاضات الربيع العربي ذات توجه ثوري مدعوم جماهيريا لكن الجيوش الالكترونية الامريكية الغربية هي من غيّرت مسار هذه الانتفاضات بخلق المنظمات الارهابية.  

ختاما يمكننا القول ان الحصار الاقتصادي والعقوبات مهما كانت قاسية لا يمكنها اسقاط نظام سياسي خاصة اذا كان هذا النظام يحكم بلد غني وموارده متنوعة مما يضطر الدول التي تفرض الحصار الانتظار حتى يتم إنهاك البلد لكي تتدخل عسكريا فيوغسلافيا السابقة لم يتجرأ بيلي كلينتون وبريطانيا على ضربها إلاّ بعد سنتين من التطاحن الداخلي , والعراق لم يقدم بوش الابن على احتلاله مع البريطانيين إلاّ بعد ثلاث عشر سنة من الحصار القاسي .