يشكو عراقيون كثر ممن عانوا الأمرين من الحقبة الصدامية وماسبقها، وما تلاها من حقبة حكم الاسلام السياسي الشيعي. وشكواهم أكثر من مفهومة، وأكثر من وجيهة، وأكثر من عادلة.
لكن البعض يركزون في شكواهم على من يسموهم بـ ((عراقيي الخارج)) الذين عادوا بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين، بما يوحي بأن صدام حسين كان محقا في ملاحقته للمعارضة وأجبار أفرادها على الفرار من قمعه ودمويته.
والحقيقة ان ((عراقيي الخارج )) ليسوا كتلة واحدة، بل شرائح شتى مختلفة ومتناقضة. بعضها كان يتطلع لاستبدال دكتاتورية صدام حسين بنظام ديمقراطي قائم على العدالة الاجتماعية وضمان المساواة بين العراقيين بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والطائفة.
وبعضهم الآخر يتطلع الى الماضي ونماذج حكم تميز بين المواطنين، على أساس الجنس والدين والطائفة، وتستلهم في تطلعاتها أنظمة قائمة تنطلق من هذه المنطلقات مثل النظامين الإيراني والسعودي، وقد حظي ((عراقيو الخارج)) الذين يستلهمون هذين النموذجين، بدعم الجهة التي أطاحت بصدام حسين - أمريكا – وكذلك بدعم النظامين المتنافسين في إيران والسعودية، وتحكمت هذه الجهات بصراعاتهم وتوافقاتهم. وفي ظل ذلك الصراع المتحكم به جرت عمليات الفساد والإفساد والنهب وتحولت الى ثقافة وممارسة، لوثت للأسف أوساطا إجتماعية واسعة. وحرست منظومة الفساد المحاصصاتي الطائفي والأثني مليشيات مسلحة، تحولت لاحقا إلى قوى خارجة عن التحكم، وربما متحكمة.
وما كان لهذا أن يحدث لولا إنحياز أوساط واسعة من العراقيين الى ذلك القسم من (( عراقيي الخارج )) الذين قسموا (( عراقيي الداخل )) دينيا وطائفيا، ليستفيدوا من أنقسامهم وتناحرهم، وتسامح كل طائفة مع السياسيين اللصوص من (( عراقيي الخارج )) الذين ينتحلون تمثيلهاها دينيا وطائفيا، والعودة لانتخابهم مرة بعد أخرى، والأبتعاد عن (( عراقيي الخارج )) الذين ينظرون الى العراقيين دون أي تمييز، ويعتبرون الدين والمذهب شأنا شخصيا للفرد المؤمن، لا ينبغي ان يكون له أي دور في الحياة السياسية، وفي القوانين والاجتماعية.
وهذا يستدعي من (( عراقيي الداخل )) الذين يستمرون في الشكوى من (( عراقيي الخارج )) أن يدركوا مسؤولياتهم عن ما يعانون من كوارث، وانها نتيجة لخياراتهم المنطلقة من انحيازاتهم الدينية والطائفية، وأن يعيدوا النظر في تلك الخيارات.