من القضايا المثيرة للجدل الحديث عن موقف التيارات الإسلامية المختلفة من قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وبتعبير أكثر دقة، الصراع مع التحالف الإمبريالي الصهيوني في المنطقة. فبالرغم من المكانة المركزية والدينية لقضية فلسطين، والخلفية الدينية والتاريخية للمسألة الفلسطينية، فقد تباينت مواقف التيارات الإسلامية وحجم مشاركتها في دعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل حريته وإستقلاله.

 لا يتسع المجال للإسهاب والتفصبل لتأريخ هذه المواقف والتي بالتأكيد شهدت مشاركة فاعلة وإيجابية في كثير من المراحل، بدأ من الشيخ المجاهد عز الدين القسام (1883- 1935 ) ، وصولا إلى الدور الذي تقوم به حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة ، وتصديهما المشرف للإحتلال ، ولكن من الثابت أيضا أن هناك عشرات من التيارات الأخرى كانت ومنذ قيام الكيان الصهيوني تدور في فلك النظام العالمي والنظام الرسمي العربي، وارتضت أن تمارس دورا وظيفيا لم يخدم قضية فلسطين خصوصا خلال الحرب الباردة بين القطبين العالميين (الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية)، ولا قضية التحرر والإستقلال العربي من التبعية والهيمنة الإستعمارية ، وكانت لا تملك مشروعا إسلاميا لشرقنا العربي الإسلامي، ولا لفلسطين قلب هذا الشرق، وتحددت أولوياتها وفقا لأجندات الأنظمة الرسمية الممولة ماديا، والداعمة لوجستيا،  بل وساهمت كمخلب قط للسلطة الحاكمة في مواجهة التيارات القومية والوطنية على الصعيد المحلي والإقليمي.

وبالرغم من حقيقة أن مشاريع بعض الجماعات الإسلامية، تناقضت في مراحل مختلفة مع هيمنة السلطات الحاكمة، وخاضت معها صراعات دموية، إلى أن هذا الوضع ينطبق على جماعات صغيرة محدودة التأثير والجماهيرية ، أما الغالبية العظمى منها فكان ينفذ اجندة أمنية وضع خطوطها العريضة وبكل صراحة ووضوح أجهزة المخابرات الأمريكية – البريطانية بتمويل من  النفط العربي.

ربما هو قدر الشعب الفلسطيني، أن يرتبط مصيره بالمشروع الإمبريالي العالمي الصهيوني وبريق الذهب والنفط وشهوة المُلك في منطقتنا. فهل يحق لنا كشعب فلسطيني أن نوجه نقدا مبررا لمعظم هذه التيارات؟ ونحملها المسؤولية على إستمرار التراجيديا الفلسطينية؟.

ساهمت كوكبة كبيرة جدا من الشخصيات الوطنية والقومية والإسلامية من مختلف دول العالم الإسلامي، ومن هم في مواقع السلطة والنفوذ بلا أدتى شك،  في دعم كفاح الشعب الفلسطيني ومسيرته النضالية، وساهمت حكومات ودول في مراحل مختلفة في دعم صمود هذا الشعب وتصديه  للإحتلال، ولا يليق إنكار هذه الحقيقة، ولكن هذا الدعم لا يحرر أوطانا، ولا يغير من معادلة الصراع ولا من موازين القوى، وهو أقل بكثير من مستوى التحديات التي تتعرض لها المنطقة.

 فعلى سبيل المثال ووفقا لصحيفة " كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، فقد تلقت دولة الكيان الإسرائيلي دعما ماليا يعادل 1,6 تريليون دولار أمريكي، أي 1600 بليون دولار، كما أبرز الخبير الإقتصادي توماس ستوفار من واشنطن، توزعت ما بين دعم عسكري وتقني ومالي مباشر، بعضه بصورة علنية وبعضه الآخر بصورة سرية ، ناهيك عن الدعم السياسي والإعلامي غير المحدود، بالمقارنة كم يبلغ  الدعم الإسلامي؟.

يشهد العالم صراعا محموما على المستوى الدولي، ويطل برأسه نظام عالمي جديد، من أهم عناوينه التنافس ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولن تكون المنطقة بمعزل عنه، فهي من الساحات الاولى المرشحة لتكون ساحة من ساحات هذا الصراع القادم، فأين ستتموقع هذه التيارات مستقبلا؟ هلى تملك القدرة لتطرح مشروعها الإسلامي الخالص ، أو طريقا ثالثا، أم ستستمر في دورها الوظيفي؟ وربما يدفن البعض رأسه في التراب كالنعامة؟. 

إن البُعد الديني والعقائدي (المسيحي والإسلامي) للقضية الفلسطينية ، هو من أهم القوى الدافعة لديمومة المقاومة ، إضافة للأبعاد الوطنية والقومية والأممية، فعلى التيارات الإسلامية إن أرادت أن تنسجم مع مبادئها ، أن تضع فلسطين في مكانها الصحيح وتعيد صياغة أولوياتها، وأن لا تجر المنطقة لصراعات وأجندات جانبية عناوينها طائفية تعيدنا لزمن داحس والغبراء،  كما فعلت طويلا منذ عام 1947، فكما تلقت التيارات الوطنية والقومية بمختلف أطيافها ضربات قاصمة في الفترة الماضية، توجه معظم السهام الآن نحو قلب هذه التيارات وعقيدتها : الإسلام، ومن لا يرى وضوح المشهد عليه مراجعة طبيب العيون في أقرب فرصة.

منذ قيام الكيان الصهيوني والفلسطيني (المغضوب عليه دائما) يقف في مواجهة كيان إحتلالي إقصائي توسعي، ويخوض صراعا وجوديا نيابة عن المنطقة ، وعن الأمة بأسرها، ولكن بعض هذه الامة ، يريده أن يخوض كل حروبها وصراعاتها ونزاعاتها وأن يكون طرفا في كل خلافاتها ، ويخدم كل سياساتها المحلية والخارجية، وأن يلعب دورا وظيفا متنقلا بين مختلف التناقضات، ومن ثم يدفع الثمن لو تورط ، أو تقاعص أو وقف على الحياد، فتحل عليه اللعنة إما من قطاعات واسعة من الشعب معارضة أو موالاة ، أو من أجهزة السلطة.

على التيارات الإسلامية أن تُعيد الإعتبار لقدسية فلسطين في خطابها الإعلامي على الأقل ، فهي تجمع ولا يجب أن تفرق، وتتصدى للمحاولات المقصودة المبرمجة التي تستهدف إسقاط هذه القدسية ، وأن تدفع بإتجاه تجنيب الحالة الفلسطينية لبعض خطابها الطائفي الضار، وأن تقدر أن الفلسطيني الذي يواجه كيانا أقيم بقرار دولي، وبإرادة دولية إستعمارية ويحظى برعاية وحماية دولية في غفلة من العرب والمسلمين ، لا يملك في مرحلة التحرر الوطني، ترف " الفذلكة" الطائفية، والتلاعب بوحدته الوطنية، وإسقاط أبعاد صراعه الوطنية والقومية والإنسانية، ناهيك عن إستعدائه لأنه يصيغ تحالفاته حسب أولويات يفرضها نوع وشكل وطبيعة هذا الصراع المتواصل.

 إن نهضة وتقدم وإستقلال كل الأقطار العربية والإسلامية وتقدمها التنموي والحضاري، هي مصلحة فلسطينية عُليا أيضا، لأنها تخدم جدليا قضية فلسطين ، ويجب تفهم أولويات بعض الأقطار العربية بلا شك ، ولا يجب أن تتعارض أو تكون على حساب الحقوق الفلسطينية ، فالذي تسبب في تشريد الشعب الفلسطيني، هو نفسه من أسس للهيمنة والتبعية لهذه الأقطار.

فإما الدعم بأضعف الإيمان ، وإما ارحموا شعبنا من هذا الحُب القاتل ! لا تجروا الشعب الفلسطيني لكي يُضيع البوصلة! ، كل العيون والجهود والطاقات نحو حيفا ويافا وعكا والخليل وبيت لحم والناصرة ونابلس وصفد وبئر السبع وأريحا والقدس وغزة، هذه أمانة الشهداء، والوفاء للعائدين في المنافي والمخيمات ، ووصية الآباء والأجداد، وعقلانية وواقعية المرحلة.