تحتل دراسات الرأي العام مكانة مهمة، في مختلف النظم السياسية نظرياً وتطبيقياً، وهذا يعكس الاهتمام الأكاديمي والحكومي بالرأي العام، لطبيعة تعاملها مع فئات مختلفة من الجماهير لابد لها من الوقوف على آرائها واتجاهاتها واحتياجاتها، ويمكنها من التنبؤ بحالات الكمون لتفادي العواقب الوخيمة، وتفادي فرص الانحراف السياسي والفردي..
من هنا لابد لنا من الوقوف، على تأثير الكتابة في صناعة الرأي العام، ودور الكتاب في توجيه وتشخيص المواقف الوطنية، وأثر ذلك في رسم السياسة العامة للدولة.
تنطلق الكتابة كفعل ليس لمجرد ملأ فراغ أو تعبير عن خلجات شخصية، أو إملاءات آيدلوجية تبتعد أحياناً عن، بوصلة خطوات بناء الرأي العام، وتتناول مختلف مجالات صناعة الرأي وطبيعة العوامل المؤثرة، لإيجاد مخارج للأزمات، وممارسة رأي ضاغط على القوى السياسية، لتصويب دور وأداء السلطات وحثها للتحرك، في زوايا بعيدة عن اهتمامات القوى السياسية والحكومية.
هدف الكتابة الوطنية إيجاد رؤى متقاربة، تختلف بالوسائل وتصب بنفس الهدف، وتحت مظلة الدولة الدستورية والقانونية، وتلامس احتياجات المجتمع، ومن هنا يأتي دور الكاتب في خضم الأحداث المتلاحقة، وموقفه في صناعة رأي عام.. ومع اقتراب الانتخابات التشريعية، ستكون هناك عدة عوامل مؤثرة، منها ما يعيقها وآخر يشكك بشرعيتها، وبما أن الرأي العام متأثر في معظم مواقفه أما بالرأي السياسي، أو بوسائل الإعلام أو واقع لا يراه يتلاءم مع طبيعة قدرات الدولة على تلبية احتياجاته، لذا يرى أنه لا يعيش في دولة، وهناك أكثر من قوة تزاحمها وتزيد من ضعفها، وستكون من العوامل المؤثرة، على منع الناخب من المشاركة، أو تقليل شرعية الانتخابات.
عندما نتحدث عن انتخابات وسيادة وهيبة، وصناعة رأي عام فأننا نعني الحديث عن دولة، من جوانبها السياسية والثقافية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية، وتبني أسسها على قوة القانون لا قانون القوة، ويحكمها نظام ديمقراطي يستند الى الدستور والإرادة الجماهيرية، وحكومة شاملة تتجاوز الطائفية والمكوناتية..
وفق الدستور لابد من كتلة أكبر وبأفضل الاعتبارات والشرعية والقبول لابد فيها من حفظ التوازن، وهنا لابد من مقدمات إيضاح مقومات الدولة وأمنها واستقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهناك مخاوف تلوح في الأفق تعبر عن واقع يخص الأمن الانتخابي، وماله من انعكاس على شرعية الانتخابات، أو ما يتعلق بإعاقة المشاركة الفاعلة التي تمثل أغلب الشعب.
إن أهم أساسيات مهام الدولة بأن تكون حارسة، وبظل تلك الحراسة يأمن المحروس من كل خطر يمكن أن يداهمه، سواء أقترف ذنباً أو لم يفعل، ويكون القانون هو الحاكم، وكل الأطراف راضية بمخرجاته محتكمة إليه، وعندما نقول دولة فأننا نعني أن لها سلطة، وهي جزء من عقد اجتماعي تنازلت فيه الجماهير للسلطات الحاكمة، عن بعض امتيازاتها لممارسة مهامها التي تنعكس بالإيجابية على غالبية شعبها، وواجب الكاتب أن يصف الدولة حين تجاوزها مرحلة الحراسة الى دور الرعاية، وينتظر دولة الرفاهية، ويسلط الضوء هل بالفعل أن هذه الدولة استطاعت أن تصل الى كل الشرائح وتغطي احتياجاتها، أو أنها تعمل على تشجيع القطاعات للتحول دولة إنتاجية بدل الدولة الريعية والرعاية الاجتماعية، التي يتنظر شعبها بيع النفط لتوزع رواتب، وحتى المعترض أصبح يبحث عن وظيفة لا عن عمل في قطاعات خاصة، يمكن أن تكون أكثر فائدة اقتصادية للفرد والمجتمع.
دور الكتاب والنخب تشخيص الدولة دون مواربة ومحاباة، فهل هي دولة في ظل وجود القتل على الهوية؟ ولا نقصد ما مارسه الإرهاب تحت عناوين طائفية فحسب، وإنما هوية الاختلاف التي وصلت للتطرف وتصفية الرأي الآخر، وهل أن الأسلحة من الحجارة الى الأسلحة الثقيلة التي هي خارج سيطرة الدولة، تجعل منها دولة؟ وهل أن تخلي رجل الأمن عن فك شجار وترك الواجب تحت مخاوف الملاحقات غير القانونية، ومنها الحزبية والعشائرية والعصاباتية هو مبرر؟
لذا يتحتم على الكاتب أن يرى الدولة من الواقع، ويرى ويشير الى أسباب كثيرة تعوق عملها، وعراقيل كبير تمنعها من ممارسة أبسط أفعالها، ولا تستطيع محاسبة فاسد، ولا منع سلاح ولا فرض قانون، تحت سطوة قوى موازية وهادمة للدولة، وبذلك هي لا دولة، عندما تكون فيها دول وهي دويلة.