منذ سقوط النظام الدكتاتوري في 2003، ولحد الآن تشهد بلادنا تزايدا في معدلات البطالة، وخصوصا بين الشباب، حيث يشعر الكثير منهم بالغبن في الحصول على فرصة عمل، ويضطر الكثير منهم الى البحث عن مورد رزق، ولو شحيح، ولا يتناسب وتحصيلهم العلمي، لسد الرمق. وهذا الأمر غير مقتصر على الشباب، بل هو ظاهرة تعم المجتمع رجالا ونساء، فالنظام السياسي الحاكم، المتقاطعة مصالحه مع مصالح الشعب لا يبادر إلى بناء المنشآت الإنتاجية الزراعية أو الصناعية، أو إعادة تشغيل المتوقفة منها، ويلجأ إلى الاستيراد لإثراء الفئات الفاسدة، معتمدا على اقتصاد ريعي أحادي الجانب، متمثلا في النفط، الخاضع سعره للتقلبات. وقد دفعت الفاقة والحاجة الأطفال إلى سوق العمل، تاركين مقاعد الدراسة، ومنهم من فقدوا معيلهم لأسباب مختلفة في ظل انعدام الأمن، والوضع المزري للبلاد، والبعض منهم يمارس أعمالا شاقة، منافسين الكبار.

ولم يقتصر الأمر عند الصغار على بيع الورق الصحي والبالونات وزجاجات الماء، فقد نافس الأطفال الكبار في مهن عديدة وأعمال شاقة في ورش الحدادة والنجارة أو العمل كحمالين، تحني ظهورهم الأحمال الثقيلة، وامتهن بعضهم تلميع الأحذية! فهذه فتاة يافعة تجلس، منكمشة على نفسها، أمام صندوق صغير، فيه معدات التلميع من دهون وفرشاة، وهي تنكس رأسها خجلا من موقف الذل الذي وضعت نفسها فيه مرغمة. إن الذي يجب أن يخجل في الحقيقة هو من جعل مثل هذه الطفلة أن تلجأ إلى هذه المهنة لتضمن اللقمة  والكرامة المهدورة.

إن الموقف الوطني يدعو، كما يرى الحزب الشيوعي العراقي إلى معالجة ظاهرة عمالة الأطفال و"مكافحة البطالة باعتبار ذلك من الأهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية، وإعطاء الأولوية إلى البرامج الاستثمارية وإلى خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز، و"ضمان الالتزام بجميع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المرأة وحقوق الطفل"."

و في مجال حقوق الطفل يرى الحزب أن " سن القوانين والتشريعات التي تتفق مع القوانين الدولية الخاصة بحقوق الطفل، والتي تهدف إلى حماية الطفولة ورعايتها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية قدراتها ومواهبها، وحمايتها من العنف والتعسف في العائلة وفي المدرسة والمجتمع، ومنع عمالة الأطفال وحظر جميع أشكال الاستغلال التي تمارس بحقهم".

ولن يتحقق سن مثل هذه القوانين، ومعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، ودرء عواقبها الكارثية على المجتمع ككل، إلا بنضالات مطلبية متصاعدة، وضغط جماهيري واسع، يجعل هذه المطالبات أمرا واقعا ومحققا، ونحن نعيش في ظروف تحتم نهجا مغايرا لسياسات السلطة الحاكمة، القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية والفساد. ولنا أن نأخذ من دروس تجربة انتفاضة تشرين ما يحفزنا على النضال من أجل تحقيق مطامح شعبنا في حياة حرة كريمة في وطن يسوده العدل والأمان 

ملاحظة: النصوص الواردة بين الأقواس مأخوذة من برنامج الحزب الشيوعي العراقي المقر في مؤتمره العاشر، كانون الأول 2016.

عرض مقالات: