الأحزاب المتحاصصة حصلت على فرصة لن تتكرر أمامها خاصة بعد أن خبرتها الجماهير الشعبية طيلة 18 عاما من تسلطها على رقاب الشعب والوطن، وهي السيطرة على دولة غنية وشعب متسامح كريم. هذا لا يعني مناقشة ما مدى تماهي أجندات الاحزاب تلك مع أجندات المحتلين كما أنه ليس بابا لفتح نقاش حول دونية هذه الاحزاب لتحويل العراق الى ركام من الجهل والفقر والخراب نتيجة فسادهم وسحتهم الحرام مع صمت وعدم تحرك المحتلين الذين يفرحهم هدم العراق وعدم نهوضه على ايدي من اختيروا لمواقع القرار، تبقى الحقيقة أنه في كل يوم يمر دون حل، يصبح الدمار أكثر صعوبة لتعديله، والآن بعد أن أصبحت هناك إدارة أمريكية جديدة، يجب أن تكون الحكومة العراقية قادرة على التعامل معها

المشكلة الكارثية الأولى التي خلقتها الأحزاب الحاكمة، هو فسادها عبر تبنيها نهج مقيت (المحاصصة الطائفية والإثنية) خالقة فجوة اقتصادية واجتماعية مرعبة. من الصعب أن نتخيل أنه في بلد يتمتع بثروات لو استغلت بشكل وطني لازدهر الوطن، إلا أن ما نراه أن الفقراء أصبحوا أكثر فقرًا والأغنياء أكثر ثراءً. الأمر المذهل هو أنه حتى قبل انتشار الوباء، فإن أكثر من33 في المائة من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر، وسترتفع النسبة بمعدل صاروخي، ذا استمر حكم الاحزاب المتحاصصة. غالبية المتضررين هم من كبار السن، والشباب والخريجون الذين حرموا من التعيين. فلا زال العديد من العراقيين يتحمل وطأة الفقر التاريخي، واستمرار عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بينما يتم إنفاق المليارات على بناء الأحياء السكنية المربحة والفنادق والقصور ومستوطنات بعض الدوائر الأمنية التابعة لما لفصائل مسلحة ير خاضعة للمساءلة القانونية.

المشكلة الثانية هي رفض المتربعين على مواقع القرار الاعتراف بالأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وشريحة الشباب التشريني المتنور، التي تمثل الاغلبية الساحقة من الشعب، إذ ليومنا هذا، لم تتم دعوتها للانضمام لمعالجة الاوضاع غير الصحية وتنهض بالتغيير والإصلاح. إن الحكومات التي توالت على حكم العراق خلال 18 عاما، كانت غير جديرة بالثقة وكان يجب تهميشها سياسيًا.  لقد حان الوقت لعراق اليوم التفكير في مستقبل أجياله القادمة، الذي لو بقت الاوضاع على ما عليه الآن فأن الحال لا يبشر بالخير، وطالما لا يتم دمج مكونات الشعب العراقي العرقية في التيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأجل النهوض بمسؤولية التنمية.

هناك العديد من المشاكل الرئيسية التي تعايشت معها الجماهير الشعبية وقواها الوطنية لم تتم معالجتها من قبل الأحزاب الحاكمة، ناهيك عن إيجاد حلّ طويل الأجل، فهل ستكون الحكومة التي ستفرزها الانتخابات القادمة قادرة على الحد من نفوذ المليشيات المنفلتة والتعامل معها وطنيا قبل وقوع انفجار مميت، لربما تتجه الأمور إلى انتخابات في موعدها الزمني، على الرغم من أن هناك من يريد تأجيلها، لأبعد زمن ممكن مما يجعل إجراؤها مع واقع الامور الحالية ضربا من الوهم. 

إن نزاهة الانتخابات القادمة هي ضرب من الخيال واﻷحلام المسكنة التي ممكن أن تراود البعض في الظروف الحالية. إن ذلك ممكن عندما تسود الحاجة إلى نكرات الذات بعيدا عن مصالح نفعية متبادلة بين بعض أطراف العملية السياسية والشركاء، وإن لم تعالج وتوضع حلول صائبة لتحديات الواقع المعيشي والخدمي للجماهير، فلن تبشر الانتخابات القادمة بخير، سيما وإن أوليات إجراءها مع تواجد 33 ميليشيا، وغياب أسس الدولة الديمقراطية، التي ينص عليها الدستور الذي يداس عليه من قبل المتربعين على مواقع القرار دون رادع، تبقى الانتخابات القادمة معرضة للتزوير، إسوة بما سبقها.

عرض مقالات: