حيث السلطة التنفيذية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تنفيذ القانون، ولديها الإمكانيات البشرية والمادية التي تُعينها على وضع التشريعات موضع التنفيذ، ولهذا تحرص الدساتير والتشريعات على منح السلطة الإدارية الاختصاص بإصدار قرارات الضبط الإداري من أجل حماية النظام العام، ولما كانت الدولة ممثلة في السلطة التنفيذية مسؤولة عن تلبية وإشباع حاجات المجتمع فإنها لا تترك المجال مفتوح للنشاط الفردي بل نجدها تفرض نوع من الرقابة عليه بهدف حماية النظام العام من الأنشطة الفردية التي قد تخل أو تهدد النظام العام. إن التركيز على الجوانب التي قد يكون لها جانب نظري أكثر منه عملي يستدعي التطرق إلى جانب مهم عملي يتمثل في دراسة التدابير التي يباشر بها الضبط الإداري، ولا يكون لهذه النقطة أهمية إلا من خلال ربط هذه التدابير بالحريات العامة، ومدى تأثير هذه التدابير على الحريات العامة المكفولة قانوناً. إن سلطات الضبط الإداري لا تكون حرة في تصرفها وتكون خاضعة لمبدأ الشرعية في إصدار قراراتها، ولكن في الجانب الآخر هناك سلطة تقديرية لهذه السلطات وبذلك تنحصر تدابير الضبط الإداري بين التقييد والتقدير. تٌأثر الظروف الاستثنائية تأثيرا مباشرا على مبدأ الشرعية، فيتوسع بذلك نطاقه ليصبح أكثر مرونة وتلائما مع هذه الظروف، فما يخرج من أعمال الإدارة عن إطار الشرعية في الظروف العادية يعد شرعيا في ظل الظروف الاستثنائية إلا أنه حتى تبرر الظروف الاستثنائية عدم خروج الإدارة عن مبدأ الشرعية، يتعين توافر شروط أعمال نظرية الظروف الاستثنائية أو حالة الضرورة , وبالتالي فرض رقابة على توافر هذه الشروط من وجود حالة تمثل خطراً جسيما يهدد المصلحة العامة أو يعوق سير المرافق العامة بحيث لا تستطيع الإدارة دفع هذا الخطر بإتباع قواعد الشرعية العادية، لتعذر إتباعها أو عدم كفايتها أو أن يكون من شأن إتباع تلك القواعد تعريض المصلحة العامة للخطر كما يجب أن تكون الإجراءات المتخذة من جانب الإدارة هدفها حماية المصلحة العامة . إن نشاط الضبط الإداري يختلف ممارسته في الظروف الاستثنائية عن الظروف العادية، حيث أن مواجهة الظروف الاستثنائية تقتضي السرعة للمحافظة على النظام العام ودفع الأخطار، فمن الضروري إعطاء قرارات الضبط الإداري بعض الصلاحيات الخاصة وإن كان يتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية إلا أنه يبقى مع ذلك أمرا قانونيا وشرعيا، في إطار شرعية استثنائية وبذلك فإن قرارات الضبط الإداري تتأثر بهذه السيطرة على الوضع. وإثبات الانحراف بالسلطة أمر بالغ الصعوبة بالنسبة للقاضي والمدعي العام على حد سواء، فالقاضي لا يمكنه التوصل بسهولة إلى ما يؤكد انحراف الإدارة بسلطتها، حيث أن هذا العيب ليس من العيوب الشكلية يَسهل كشفها كما أنه ليس كعيب المحل والسبب بحيث يمكن استخلاصه بسهولة ولكنه على خلاف ذلك هو عيب شخصي يكمن في نوايا ومقاصد سلطة الضبط، وهنا تنبعث صعوبة إثباته، ويزيد من الصعوبة أن القاضي لا يحكم بالإلغاء استنادا إلى هذا العيب إلا إذا تأكد فعلاً من وجود هذا الانحراف لما يترتب على القضاء به من خطورة تتمثل في المساس بهيبة مصدر القرار وتهديد الاحترام الواجب له . إن نقطة الضعف التي تلازم عيب الانحراف هي صعوبة إثباته ولقرارات الضبط الإداري خصوصيات فيه، وبذلك فإن سلطات القاضي في الكشف عن عيب الانحراف بالسلطة تحكمه حدود تتعلق بعيب إثبات عيب الانحراف، وأخرى تتعلق بوسائل البحث التي يستخدمها القاضي الإداري في عملية الكشف.
والدولة الحديثة كما نعرف ظاهرة اجتماعية سياسية قانونية،وهي التجسيد القانوني والسياسي والثقافي لمجموعة بشرية ذات علاقة وثيقة بالهوية الجماعية لهذه المجموعة البشرية التي تجسدها و قد أثرت الدولة الحديثة لكونها نتاج ومنتج الحداثة والعصرنة، كثيراً في المجتمعات التقليدية وغيرت من تركيبتها وتكوينها وشكلها، من هنا فالهوية جوهر التفاعلات التي ينتجها عقد بين مكونات الدولة ولكافة مكوناتها الداخلية. الدولة إطار كلي، ينتج عن تمازج مجموعة من العناصر، الأمة المكونة للجماعة السياسية، والقيم والقوانين المكونة للنظام، والإقليم المكون للوطن ، والمؤسسات الإدارية (المدنية والعسكرية) المكونة للسلطة، وروح وجوهر هذا الرابط والنظام الكلي المسمى بالدولة ، وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر ببعضها البعض في الوعي والثقافة والتشريع والتطبيق، كلما تكاملت وتنظمت وترسخت أسسها؛ كلما قويت الدولة وتجذّرت، ومن هنا فبقاء الدولة مرتبط بفاعلية الهوية وقدرتها على البقاء والتجديد والتطور. بناء الدولة عملية تتعلق بتأسيس، وإنشاء، وتقوية بنية المؤسسات، وقدرات الدولة، أي أن بناء الدولة يتم بصورة أساسية على المستوى المؤسساتي، ولكن هذا لا يكفي لأنَّه يحتاج إلى الاعتماد على الفاعل السياسي الذي يتوقف عليه تكوين ووجود هذه الدولة.
نشأة الدولة الحديثة أدى إلى إبراز مسألة وإشكالية الهوية الوطنية والهوية القومية مقابل الهويات التقليدية السابقة للجماعات البشرية، لأن مسألة الهوية الوطنية والقومية لم تكن ذات تأثير بالنسبة للمجتمعات داخل الإمبراطوريات الكبيرة والواسعة والأنساق السياسية السابقة على نشأة الدولة الحديثة. و عامة الشعب والرسميون لهم انطباعهم حول اثار السياسة العامة ونتائجها التي تجعلهم مناصرين أو معارضين لهذا البرنامج أو ذاك,أما السياسيون وأعضاء البرلمان فإنهم يتأثرون في تقيمهم لمحتوى البرامج ومضامينها لردود فعل مناطقهم وناخبيهم وما تتركه مواقفهم نحوها على إعادة انتخابهم.إن تعديل او المطالبة بتعديل السياسات العامة يعتمد على المهارة التي تدار بها هذه السياسات والثغرات والسلبيات التي تنجم عن تطبيقها والوعي أو النضج السياسي للفئات المستفيدة منها أو ذات العلاقة بها والعوائد المتحققة منها مقارنة بالكلفة المترتبة عليها وما يتوقع أن يتحقق منها مستقبلا.والكلف والعوائد التي تتعلق بالسياسات العامة قد تنظر بشمولية أو تؤخذها في إطارها الضيق.
خضوع السلطة للقانون، هو مقوم أساسي لقيام دولة تحمي المواطن وتزرع الثقة بين الدولة والمواطن وشعور المواطن بالمواطنة والانتماء الحقيقي الى بلده . ولا يجوز للسلطة أن تتخذ إجراءا أو قرارا إداريا أو عملا ماديا إلا بمقتضى القانون وتنفيذًا له. ولا يمكن لها أن تتصرف إلا بالقانون كونها إحدى سلطاته والتزامها بالعمل وفق القانون يؤكد وحدة النظام القانوني المقرر في الدولة، وهو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية، ويعتبر ذلك السلطة عنصرا من عناصر دولة القانون. ويترتب على هذا أيضا سيادة حكم القانون وسيطرته وخضوع الإدارة في نشاطها للقانون تطبيقًا لمبدأ الشرعية وعنصرا من عناصر الدولة. و تطبيق مبادئ المواطنة الحقة يمثل حلا لبعض التحديات التي تواجه مجتمعنا وهذا يبدأ من مؤسسات الدولة التي يجب ان تطبق مبدأ العدالة على الجميع، ان تطبيق القانون الذي يعني فرض هيبة الدولة يجب ان لا يتعدى على حريات المواطنين. والقانون يعرف بأنه مجموعة القواعد العامة والمجردة التي تصدر عن السلطة التشريعية لتطبق على الجميع على قدم المساواة دون أي تمييز او اعتبارات، فالمبدأ الأساسي المفروض على الدولة القانونية اتباعه عند تطبيق القانون هو مبدأ المساواة، بحيث يخضع جميع الأفراد لأحكامه ونصوصه ولا يخرج عن نطاق تطبيقه أحد على اعتبار أن القانون قد صدر ليطبق على الجميع دون استثناء. وبتمسك الدولة بمبدأ المشروعية في علاقتها مع الأفراد، تستعيد القدرة والصلاحية القانونية بأن تمارس الدور الذي قامت من أجله وهو فرض القانون كأداة لضمان سير المرافق العامة بانتطام والفصل في النزاعات التي تنشأ بين الأفراد، فيأخذ كل فرد حقه وينال المعتدي جزاءه القانوني.
والدولة الحديثة تقوم على أساس نظام من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر، المساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. وبالتالي لابد من انتشار ثقافة التسامح والقبول بالآخر بين أفراد المجتمع وبين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في المجتمع، كعامل مهم لتحقيق وتجسيد مفهوم الدولة الحديثة على ارض الواقع. وثقافة التسامح لا تعني التسامح مع الآخرين حين يرتكبون الأخطاء فقط، بل تعني قبول الآخرين كأفراد وجماعات وتجمعات بكل ما يحملونه من أفكار مختلفة وما يؤمنون به من آراء متباينة. وعدم التسامح يؤدي إلى موت الفكر وغياب الديمقراطية، وإلغاء حقوق الإنسان، وإلى رفض الحوار وتداول السلطة، و العنصرية والعدوان والتسلط في المجتمع. ولذلك فإن تعميق مبدأ التسامح في الوجدان والممارسة، هو المقدمة الأساسية إلى تحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية والقهر والتسلط.
وقد تجد سلطة الضبط الإداري نفسها أمام حالة استثنائية لا يمكن أمامها أن تستمر هذه السلطة في إتباع ذلك الشكل أو الإجراء، فقد يتطلب القرار إجراء أو شكل يتطلب وقت معين، وأمام تفاقم الوضع أو الحالة لا يمكن انتظار استيفاء ذلك الإجراء، فيستحيل بذلك إتمام ذلك الشكل. إن هذه الحالة تجد نطاق تطبيقها في القرارات الضبطية التي اتخذت في حالات عادية، حيث أن خروج هذه القرارات لحيز التنفيذ يتطلب وقت معين بسبب شكليات معينة، ولكن يحدث أن تتدخل ظروف استثنائية تعجل بصدور القرار، فما يكون على سلطة الضبط الإداري إلا أن تقطع ذلك الإجراء الشكلي، وتصدر القرار بشكل فوري. فالرقابة القضائية على الخروج على قواعد الشكل في الحالات الاستثنائية تكون هي نفسها الرقابة على الخروج على قواعد الاختصاص، حيث أن القضاء الفرنسي الإداري كان يراقب شروط توافر الظروف الاستثنائية، وبذلك يطبق نظرية الضرورة التي بموجبها يمكن للإدارة بصفة عامة الخروج على مبدأ الشرعية ومن ثم الخروج على قواعد الشكل سواء كانت جوهرية أو ثانوية، وتصبح بذلك القرارات شرعية بسبب شرعيتها أي اتخاذ هذه القرارات في ظروف استثنائية ومن أجل المصلحة العامة.
الرقابة على الشرعية الداخلية:
اما عناصر الشرعية الداخلية هي وحدها التي تحمل خصائص نظرية الضبط الإداري ونظامه القانوني الخاص به الذي ميزه القضاء بسلطته التقديرية والمقيدة معا. يحدث عيب المحل عند الخروج على أحكام القانون ومخالفة القواعد القانونية أيا كان مصدرها سواء كان المصدر مكتوبا أو غير مكتوب، وبذلك فإن النظر لهذا العيب من زاوية شمولية، نجده يشمل جميع العيوب التي تجعل القرارات الإدارية باطلة لأن مخالفة الاختصاص المحدد بالقانون، أو الخروج على الشكليات المقررة، أو إساءة استخدام السلطة والانحراف بها تعتبر في جميع الأحوال مخالفة للقانون. بيد أن فقه القانون العام والقضاء الإداري درجا على استخدام اصطلاح مخالفة القانون. فهذا العيب يقع إذن في محل القرار الإداري، أي يصيب مضمون القرار أو الأثر القانوني الذي يحدثه القرار في المراكز القانونية للأفراد .المحل في قرارات الضبط الإداري يجب أن يكون مطابق للقانون أي احترام القواعد القانونية سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة وقد فرض القاضي الإداري الفرنسي رقابة كاملة على عنصر المحل في قرارات الضبط الإداري. وأعلن عدم شرعية القرارات الضبطية التي يكون مجالها مخالف للقانون سواء كانت هذه المخالفة ناتجة عن تجاهل تام لقاعدة قانونية، أو ناتجة عن تفسير خاطئ وإلى جانب المخالفة المباشرة لنص أو القاعدة القانونية يمكن أن توجد مخالفة غير مباشرة تتمثل في حالة وجود خطأ في تفسير وتطبيق القانون خاصة في حالة الغموض حيث يصدر القرار . بناءا على تفسير أو تأويل خاطئ لمضمون القاعدة القانونية . ففي هذه الحالة تكون قرارات الضبط الإداري المتخذة بناء على تفسير أو تأويل خاطئ للقانون غير شرعية، وقد أعلن القاضي الإداري الفرنسي عدم شرعية قرار رفض الترخيص بلعبة "الروليت المبني على نص "لعبة الكرة والألعاب المماثلة" لأن لعبة الروليت والكرة ليستا لعبتان متماثلتين. " استخلصت المبادئ العامة للقانون من عبارة أو روح النصوص وكذلك من المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية بواسطة مجلس الدولة الفرنسي من خلال خلقه لقضاء مستقل . وقد مرت هذه المبادئ بمرحلتين من حيث قيمتها، إذ نجد المرحلة الثانية منذ دستور 1958 صدرت بموجب المادة 38 من الدستور الفرنسي تخضع لاحترام المبادئ العامة للقانون ، وبذلك يمكن رفعها فوق القانون. وقد عرفت المحكمة الإدارية العليا في مصر المبادئ العامة للقانون بأنها "قواعد غير مدونة مستقرة في ذهن وضمير الجماعة يعمل القاضي على كشفها بتفسير هذا الضمير الجماعي العام، وتلك القواعد المستقرة في الضمير تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى أن يقررها"، وبذلك تتميز المبادئ العامة للقانون عن المبادئ الدستورية بحيث إذا نص الدستور على مبدأ من المبادئ العامة للقانون وأصبح ذلك المبدأ دستوري مباشرة.
وتصدر الأحكام الإدارية مشمولة بصيغة تنفيذية ، بالرغم من هذه الصيغة فإن تنفيذ الأحكام الإدارية تثير عدة مشاكل ميدانية، باعتبار أن أحد أطراف التنفيذ هو الإدارة,شخص عام يتمتع بامتيازات السلطة العامة وبخاصة إذا كانت محكوم عليها وبذلك تثار مسألة حجية الشيء المقضي فيه إذ برفض الإدارة تطبيق الحكم الحائز على حجية الشيء المقضي فيه، فإنها ترتكب مخالفة تعادل مخالفة القانون، ويجوز لصاحب المصلحة أن يرتكز على هذه المخالفة في رفع دعواه أمام القضاء وينجر على ذلك الطلب من القاضي بإلغاء جميع القرارات المتخذة بصورة مخالفة للحكم المنطوق به.في قرارات الضبط الإداري يكون المحل المخالف لحكم قضائي له حجية الشيء المقضي فيه غير شرعي.
وبسبب قدم هذه الفكرة وصفتها الضرورية والمنطقية في قرارات الضبط الإداري فإن القاضي الإداري لا يتحقق من الوجود المادي للوقائع فقط، بل يتحقق كذلك من أن طبيعة الوقائع الثابتة تصلح لتبرير التصرف وفقا للشروط التي حددها القانون، إذن المشكلة في التكييف هي الإجابة على السؤال هل الوقائع الثابتة تعد إخلال أو تهديد بالنظام العام ؟ وطبعا فإن الإجابة على هذا السؤال لا تنسينا صعوبة التعريف بالنظام العام خاصة في جانبه الأدبي، والأمثلة على ذلك كثيرة فهل لمشاركة القٌصّر في المراقص العامة لها طبيعة تخل بالأخلاق العامة.غير أن القضاء الإداري حل مشكلة التكييف بصفة نهائية ويسلم في الموضوع بقرينة تخلف الأسباب فيها مثل المسيرات الدينية، موكب جنائزي، مسيرة خاصة بعادة محلية، الصلاة الجماعية في مكان طلق، فمجلس الدولة هنا أقام قرينة على أن المسيرات الدينية لا تهدد السكينة العامة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن القضاء الإداري الفرنسي امتنع عن التكييف القانوني في بعض القرارات الضبطية واكتفى بالرقابة على الوجود المادي للوقائع فقط، ففي مجال الضبط العام استثنى الرقابة على التكييف القانوني في الضبط في مادة الأجانب وكذلك بالنسبة لتدابير المنع المتعلقة بدخول وتوزيع الجرائد والمجلات الأجنبية، أما مجال الضبط الخاص نجده قد امتنع عن التكييف في القرارات التي تتسم بطابع فني معقد يستلزم فيه الاستعانة بالخبراء ومن ثم التحقق من الوجود المادي للوقائع، دون التكييف القانوني. امتدت رقابة القضاء في كل من فرنسا ومصر في الرقابة على عنصر السبب لتشمل–إضافة إلى ما ذكر- فقضى مدى تناسب أهمية وخطورة الوقائع والإجراء المتخذ من قبل سلطة الضبط الإداري، وبذلك فإن عملية الرقابة تمتد إلى رقابة ملائمة القرار الذي اتخذته سلطة الضبط الإداري، وبذلك فإن عملية الرقابة تمتد إلى رقابة ملائمة القرار الذي اتخذته سلطة الضبط الاداري.
وإذا كانت جميع الأعمال الإدارية تستهدف تحقيق المصلحة العامة، فإنه إلى جانب هذا الهدف العام قد يتحدد العمل الإداري بهدف معين داخل نطاق المصلحة العامة، يتعين تحقيق هذا الهدف عملا لقاعدة تخصيص الأهداف، وبذلك يعتبر القرار الإداري مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة إذا خرج عن الغاية أو الهدف المخصص الذي رسم له . فالفرق بين الانحراف عن المصلحة العامة والانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف، أنه في حالة الانحراف عن مبدأ تخصيص الأهداف يكون صاحب القرار حسن النية لا يبغي إلا تحقيق الصالح العام ، ولكنه يستخدم من الوسائل ما لا يجوز لذلك. وقد يستخلص الهدف المخصص من روح التشريع أو طبيعة الاختصاص وبذلك فإن المشرع حدد لسلطات الضبط الإداري هدفاً محدداً وهو المحافظة على النظام العام، فإذا استعملت الإدارة سلطاتها في هذا الخصوص لغير هذا الهدف كان قرارها مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة حتى ولو كان الهدف لا يجانب المصلحة العامة. فقرار الضبط الإداري المتخذ لمصلحة عامة ولكنها أجنبية عن النظام العام ليس كافيا لسلطات الضبط الإداري لكي تأمن الانحراف بالسلطة إذ يجب أن يكون قرار الضبط من أجل الغرض الذي حدده القانون خصيصا. هذه هي حالات الانحراف بالسلطة التي قد تصيب قرارات الضبط الإداري، فالملاحظ أن هذه الحالات حالات يغلب عليها طابع الغموض، ومن الصعب اكتشافها، خاصة إذا كانت تتعلق بالبواعث النفسية، ومن ثم فإنها تعقد مهمة القاضي في إثبات هذا الانحراف.