إستلزمت أغلب عمليات أنتقال المجتمعات من أنظمة قمعية وديكتاتورية، الى حياة ديمقراطية، تنازلات من طرفي الصراع: الديكتاتورية والمعارضة.

 فنظام الديكتاتور الدموي بينوشيت في تشيلي، أنتهى بصفقة ضمنت إعفاءه من المساءلة القانونية عن الجرائم التي إرتكبها الدكتاتور ونظامه على مدى سنين طويلة، راح ضحايا لها آلاف من معارضي الديكتاتورية، في مقدمتهم الرئيس التشيلي المنتخب سيلفادور أليندي.

 وفي جنوب أفريقيا، ضمن ورثة نظام التمييز العنصري، في الصفقة التي عقدوها مع الثائر الكبير نيلسون مانديلا، عدم التنكيل بهم ودمجهم بشكل ما في النظام الديمقراطي الجديد. وشهدت اسبانيا تحولا مماثلا في عملية تفكيك النظام الدكتاتوري الذي خلفه الجنرال فرانكو.

 معضلة مجتمعاتنا أنها تفتقر الى ثقافة المساومة السياسية، التي تعتبر وفق تقاليدنا السياسية نوعا من الخيانة، وهذا ما يعيق عمليات التحول الاجتماعي ـ السياسي فيها، ويدمر أمكانية نجاح عمليات التغيير.

 فقر الفكر والسياسىة في مجتمعاتنا يخرج العملية السياسة من دائرة وحدة وصراع الأضداد، ويدفع بها الى دائرة الإنتقام والإفناء، حيث يسود منطق الأقصاء المادي والمعنوي والتنكيل المتبادل. وتجد أطراف الصراع نفسها في حالة صراع وجودي، أما النصر ودحر الأعداء واجتثاثهم، أو الهزيمة وهي تحمل في طياتها خطر الفناء المادي والمعنوي. وربما يفسر هذا تعثر ثورات (( الربيع العربي )).

 ما نطرحه هنا، مجرد إفتراضات، تتطلب فحصا وتدقيقا ودراسات علمية مستفيضة، ربما تساعد نتائجها في إغناء ثقافتنا السياسية، وإكساب عملية الصراع الاجتماعي، أشكالا أقل قسوة وعدوانية وعنفا، بما يسهل عمليات التغيير ويجنب مجتمعاتنا الدمار.