المقدمة:
شهدت أواخر القرن العشرين على المزيد من الاهتمام العالمي بمسالة البيئة من قبل الحكومات ووحدات إدارة الاعمال والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والمعنيين بأمور البيئة، بعد ان أصبحت مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبذلك جرى اتخاذ إجراءات على المستوين الوطني والدولي لحماية وصيانة وخفض أثار البيئة من التلوث والتدهور والاضرار التي تصيبها نتيجة: التطور التكنولوجي الذي بدأ يطل باثاره الإيجابية والسلبية على المجتمعات الإنسانية، ومن جراء مزاولة الوحدات الاقتصادية لأنشطة الإنتاجية والخدمية والتسويقية ذات التأثير على تلوث البيئة، والناتجة عن انبعاث الادخنة التي تسبب الى ثلوث الهواء او تلوث الماء و/او تصريف مخلفات الملوثة للبيئة، وكذلك لما لهذه المسالة من أثر كبير على استمرار التنمية المستدامة على المدى البعيد، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والاحتفاظ بها وتنميتها في الوقت ذاته.
وبذلك صدرت الجهات المعنية، القوانين والتشريعات البيئية التي تحمل الوحدات الاقتصادية المسؤولية الاجتماعية عن سلامة البيئة، بجانب أهدافها المالية والنقدية. وظهرت ايضا الحاجة الى وجود الإدارة البيئية، التي تهتم بتطبيق نظام محاسبة التكاليف البيئية، من خلال توفير إطار علمي وإجرائي له، بهدف قياس وتحليل ورقابة كمية وقيمة مدخلات عوامل الإنتاج، وأثر مخرجاتها على مستوى الرفاهية الاقتصادية للفرد والمجتمع. وصدر بهذا الخصوص العديد من الدراسات والابحاث العلمية في البلدان الاوربية والولايات المتحدة الامريكية، وقلتها في الدول العربية، وذلك لتدني التعليم والوعي والثقافة وضعف القوانين والتشريعات البيئية فيها.
أن مسالة البيئة وحمايتها موضوع واسع، يمكن معالجتها من الجوانب الطبيعية Ecology)) والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والمحاسبية. ومن خلال هذه الورقة نحاول التركيز على الجوانب المالية والمحاسبية لمشاكل البيئة والأثار الاقتصادية الناجمة عنها، وباتباع أسلوب وصفي وتحليلي للتعرف على كيفية القياس المحاسبي لتكاليف البيئة والافصاح عنها في التقارير المالية، من اجل جودة المعلومات المحاسبية، التي يتحقق بموجبها: إجراءات تبويب التكاليف البيئية، التزام الإدارة بالمعايير البيئية، وعملية اتخاذ القرارات لمستخدمها، بهدف تحسين الأداء البيئي،
وضمن المحاور الاتية:
المفهوم المحاسبي للتكاليف البيئية؛
- القياس المحاسبي للتكاليف البيئية؛
- انتاج وافصاح البيانات عن التكاليف البيئية؛
- أهمية محاسبة التكاليف البيئية ومردودها الاجتماعي
أولا: المفهوم المحاسبي للتكاليف البيئية
عرفت محاسبة التكاليف البيئية، على انها عملية دمج ومقارنة المعلومات البيئية مع الأصول والموارد، والدخل والتكلفة، بحيث تنعكس هذه المعلومات على تكلفة المنتج أو الخدمة، وتظهر في البيانات المالية للوحدة الاقتصادية. [1]
لذا، تولى محاسبة التكاليف البيئية اهتماما خاصا بالمعلومات المالية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية. وذلك من خلال تحليل النتائج ومسببات حدوث التكلفة، لتحديد وتعيين أثر التكاليف البيئية التي تسببت بها الأنشطة والعمليات الانتاجية للوحدة الاقتصادية، كما تساعد على تحديد التوقيت الزمني لتطبيق استراتيجيات الأعمال اللازمة لتوقع واستغلال الفرص المتاحة لتحسين البيئة. [2]
وهي تمثل التكاليف التي تتحملها الوحدة الاقتصادية اختياريا او إلزاميا، تطبيقا للقوانين واللوائح البيئية، بهدف حماية البيئة بصورة سليمة وموضوعية، وبالتالي تحسين الأداء البيئي.
قياس ورقابة هذه التكاليف والافصاح عنها بشكل معلومات في التقارير المالية وفق اسس ومعايير محاسبية مناسبة، وتزويد الأطراف المعنية الداخلية والخارجية بها، والتي تساعدها في تقييم الكفاءة الاقتصادية للوحدة، ومدى التزام بمسؤوليتها تجاه حماية البيئة من التلوث، وعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية على مستوى الوحدات الاقتصادية او على مستوى الاقتصاد الوطني.
تتمثل تكاليف البيئة كافة عناصرها التي تساهم بتخفيض الفاقد في الخدمات والطاقة والموارد الاقتصادية المتاحة، بالإضافة الى تكلفة اعادة تدوير المخلفات، مثل (صلبة، سائلة، غازية)، هذا الى جانب تكلفة منتجات صديقة للبيئة. [3]
يمكن أن نميز ثلاث صفات في محاسبة البيئية، كالاتي:
ـ الاقتصادية: قياس وتحليل كمية وقيمة مدخلات عوامل الإنتاج، وأثرها على مستوى الرفاهية الاقتصادية على الفرد والمجتمع؛
ـ المحاسبية: تتداخل مع المحاسبة المالية في اعداد القوائم المالية وفق المعايير والاسس المحاسبية، وتتضمن معلومات للآثار البيئية، للمستفيدين الخارجيين من مالكي الأسهم والمستثمرين والمقرضين والممولين والمستهلكين، وغيرهم؛
ـ الإدارية: تحليل البيانات والمعلومات المرتبطة بالأنشطة البيئية والافصاح عنها لمساعدة الإدارة في التخطيط والرقابة وعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية.
ثانيا: القياس المحاسبي للتكاليف البيئية
تتحمل الوحدة الاقتصادية عند قيامها بمزاولة نشاطها الإنتاجي والخدمي والتسويقي، تكاليف بيئية داخلية تلتزم كثير من الشركات الصناعية بها، وتكاليف بيئية خارجية التي تتحملها قطاعات المجتمع غير مرتبطة بشكل مباشر بالوحدة الصناعية نتيجة الاثار البيئية المتلوثة عن نشاطها، وذلك للمساهمة في تخفيض اثار البيئة السلبية. [4] ففي حالة عدم تخصيص هذه التكاليف بشكل مباشر على المراحل والمنتوجات، مما يسبب بان تظهر كلفة الإنتاج بأقل من حقيقتها، وبالتالي لا تعكس تسعير المنتج تكلفته الحقيقية. عادة تظهر في التطبيق العملي صعوبات في قياس ومعالجة هذه التكاليف، على الرغم من إصدار المنظمة الدولية للتوحيد القياسي بجنيف، مجموعة المعايير البيئية والتي تسمى بالأيزو
((ISO 14000 ،(The International Organization For Standardization)، إي نظام الإدارة البيئية، والتي تتعلق بعدة جوانب مرتبطة بنظام ادارة وقياس التكاليف البيئية، بما فيها معايير مراجعة الحسابات البيئية ((14012، (لمزيد من المعلومات بهذا الخصوص، انظر، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)، إلا أن لايزال هناك نقص كبير في المعايير المحاسبية المتعلقة بالقياس والتقرير عن صافي المنافع والتكاليف البيئية الخاصة بأنشطة الوحدات الصناعية، وصعوبة التحديد للتكاليف البيئية الخارجية، وغيرها، مما يؤدي الى صعوبة توحيد أهداف واشكال الإفصاح البيئي. هناك إمكانية تطبيق المقاييس الكمية على الأنشطة غير الملموسة في الوحدة الاقتصادية، والتي يدخل من ضمنها التكاليف والالتزامات البيئية. [5]
يمكن تصنيف هذه التكاليف، كالاتي: [6]
ـ تكاليف (المنع)، تتضمن تكاليف لحماية البيئة ومنع التأثيرات السلبية لا نشتطها على المجتمع الداخلي والخارجي، وتشمل تكاليف البحث والتطوير لمنع التلوث والفاقد والحصول على تكنولوجيا النظيف لإنتاج منتوجات صديقة للبيئة؛
ـ تكاليف المعالجة (التخلص)، تشمل تكاليف معالجة الانبعاث والضوضاء والتخلص من النفايات المترتبة على أنشطة الوحدة الاقتصادية، ويمكن الاستفادة منها من خلال إعادة تدويرها أو التخلص منها بطريقة لا تضر بالبيئة؛
ـ تكاليف التشغيلية، وهي مجموعة التكاليف المرتبطة بعمليات التصنيع او انتاج خدمة من اجور ومستلزمات السلعية والخدمية والإدارية والتي تسبب التلوث، او متابعة مستويات التلوث في المخلفات وتكاليف معالجتها والغرامات والعقوبات الناتجة عن الحوادث البيئية، وغيرها. تحمل هذه التكاليف سنويا على حساب تكلفة الانتاج مع تكاليف النشاط الاعتيادي للمنتج ضمن الحسابات المالية ويجب ان تظهر تفاصلها أيضا في تقاريرالكلفة؛
ـ تكاليف الرأسمالية، وهي تكاليف مرتبطة بإنتاج أصول تستخدم في رفع كفاءة استخدام الموارد البيئية (معدات تقنية وخدماتها ومهمات التشغيل، تكاليف البحث والتطوير والتدريب، وغيرها). وتظهر كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية في جانب الأصول من الميزانية العمومية، وتخضع لطريقة الإهلاك خلال عمرها الإنتاجي، ويحمل قسط الإطفاء (الإهلاك) السنوي على تكاليف البيئية؛
ـ تكاليف بيئية مباشرة وتكاليف بيئية غير مباشرة (عامة)، الأولى ترتبط مباشرة بالنشاط الذي أحدثها، والأخيرة يصعب ربطها بشكل مباشر بنشاط معين وتجمع عادة تحت وعاء تكاليفي واحد، ويعاد توزيعها على الأنشطة المستفادة منها، باستخدام معدلات تحميل مناسبة.
يتوقف القياس المحاسبي لتكاليف تلوث البيئة على حجم ونطاق الأنشطة البيئية المراد قياسها. ممكن استخدام أسلوب القياس النقدي أو الكمي، والاخير متعدد الابعاد، مما يصعب اختيار وحدة القياس المناسبة، و/او استخدام أسلوب القياسي الوصفي، أي بتوصيف الإنشائي لخصائص الحدث. [7]
وعلى ضوء ذلك يمكن اعداد دليل حسابات الموارد الطبيعة، تعتمد تفاصيل تبويبها على حجم ونوعية البيانات البيئية المرغوب حصول عليها، وهي تشمل على سبيل المثال٠ الأراضي الزراعية، المياه، الهواء، الطاقة بمختلف أنواعها.
كذلك ممكن الاستعانة بالتكاليف الفعلية، إي اجراء مقارنة تكاليف الاداء البيئي بالفترة الحالية بالفترات السابقة، او استخدام التكاليف المعيارية و/او مخططة مقدما، وذلك بالاستناد الى المؤشرات المحاسبية، الاتية:
معدل التكلفة السنوية للتحكم في التلوث السلعة المنتجة، فمثلا بطن:
التكلفة السنوية للتحكم في التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = xx دينار/ طن
كمية الإنتاج الفعلية السنوية بالطن
نسبة تكلفه التحكم الى التكلفة الصناعية:
معدل تكلفة التحكم للطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = %xx
التكلفة الصناعية الفعلية للطن
ج. نسبة التكاليف الرأسمالية السنوية للتحكم بالتلوث الى اجمالي التكاليف الرأسمالية السنوية
(الأصول الثابتة والمشروعات تحت التنفيذ)، كلاتي:
التكاليف الرأسمالية السنوية للتحكم بالتلوث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = %xx
إجمالي التكاليف الرأسمالية السنوية للوحدة الاقتصادية
د. نسبة صافي التكاليف الجارية السنوية للتحكم في التلوث، الى إجمالي تكاليف الإنتاج السنوي:
التكلفة الجارية السنوية للتحكم في التلوث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = % xx
تكاليف الإنتاج السنوية الفعلية
ه. معدل التحكم في التلوث لكل فرد متأثر بالتلوث ويحسب كالاتي:
التكاليف السنوية للتحكم في التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = xx دينار/ فرد متأثر
عدد السكان الكلي بالمنفعة * نسبة السكان المتأثرين
ز. على أساس نسبة التحكم في التلوث مضروبا بالربح الصافي للوحدة الاقتصادية:
تكاليف التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = % xx
مصروفات السنوية للوحدة
صافي الربح للوحدة * نسبة التحكم في التلوث المستخرجة من المعادلة السابقة.
بغية اجراء القياس المحاسبي للتكاليف البيئية، لابد من جمع تفاصيل عناصر هذه التكاليف وفق التصنيفات المشار إليها سابقا والمعتمدة من الوحدة الاقتصادية من دليل حساباتها والتقارير والكشوفات الصادرة عن إدارة محاسبة تكاليف البيئية بالتنسيق مع الوحدات الاخرى التي تمارس أنشطة بيئية. وتحميل هذه التكاليف على مركز التكاليف البيئية، مما يسهل عملية قياسها ورقابتها وتحميلها على أنشطة التي تسبب التلوث البيئي، والافصاح عنها بشكل المعلومات التي تساعد على عملية التخطيط ، وترشيد قرارات الادارية ذات اثار البيئية، الذي يساعد الإدارة على الرقابة عبر تطبيق أركان المحاسبة المسؤولية [8]، التي يتضمن: نظام لتكاليف المحددة مقدما و/أو المعيارية تقاس عليه تكلفة البيئة، ونظام إداري يحدد المسؤوليات والسلطات، ونظام مدروس للحوافز، ونظام للتقارير بين مختلف المستويات الإدارية المنخرطة في الأنشطة البيئية، وتصميم نظام مستندي خاص بعناصر تكاليف البيئة، للرقابة عليها من المنبع، والفصل بين تكاليف الإنتاج وتكاليف البيئة، بهدف تخفيض التكاليف البيئية والقياس السليم لتكاليف المنتوجات، ومن ثم زيادة ربحية الوحدة الاقتصادية.
ممكن تتبع المعالجة المحاسبية للتكاليف البيئية، كالاتي:
تسجيل القيد الخاص بعناصر التكاليف في الدفاتر المحاسبية: (من ح/تكاليف البيئية الى ح/ النقد، البنك، الدائنون)؛
عند دفع التكاليف البيئية (بتفاصيل مفرداتها) نقدا او على الحساب.
(من ح/تكاليف البيئية الى ح/الموارد البيئية)
إطفاء قسط الاستهلاك السنوي للموارد البيئية؛
(من ح/ مركز تكاليف البيئية الى ح/تكاليف البيئية)، تحميل مركز التكلفة بهذه التكاليف؛
(من ح/كلفة الإنتاج للسلعة او الخدمة المنتجة الى ح/مركز التكاليف البيئية).
تحميل تكاليف الإنتاج بتكاليف البيئية؛
وفي نهاية السنة المالية يتم غلق حساب كلفة الإنتاج للسلعة او الخدمة في ح/ المتاجرة، والرصيد الناتج من الحساب الأخير ينقل الى حساب النتيجة/ الأرباح والخسائر. وهكذا تضاف التكاليف البيئية الى تكلفة المنتج للحصول على الكلفة الحقيقية للإنتاج، وينعكس ذلك أيضا على تسعير المنتج النهائي.
ثالثا: إنتاج وإفصاح البيانات عن تكاليف البيئية
أن العلاقة ما بين المحاسبة والتلوث البيئي، تتمثل في دور النظام المحاسبي بتوفير المعلومات اللازمة لأتخاد القرارات وتقييم الأداء، وتحديد مدى التزام الوحدة الاقتصادية بمتطلبات المسؤولية الاجتماعية ازاء البيئة. فعليه تقوم إدارة محاسبة التكاليف البيئية وبالتنسيق مع وحدات التي تمارس أنشطة بيئية، بإعداد مجموعة من التقارير بالاستناد الى: مبدأ الشفافية والخصائص النوعية للمعلومات المحاسبية، وتكون موثوقة قابلة للفهم وملائمة لمتخذ القرار، ومرتبطة بهدف المراد تنفيذه، والافصاح عنها لجهات مختلفة داخلية وخارجية للاستفادة منها لأغراض ترشيد واتخاذ القرارات من قبل مستخدميها، وتقييم الأداء البيئي.
ويمكن الاسترشاد بالمعرفة المهنية لمجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB)، وتعني "International Accounting Standards Bord" في هذا المجال، والاعتماد على الجودة المعلومات بدلا من الكمية.
ان أثر التكاليف البيئية على جودة المعلومات المحاسبية، تكمن في دور المحاسبة البيئية في اتخاذ إجراءات لقياس وتحليل هذه التكاليف، باعتبارها وسيلة وقائية واستباقية للحد من التلوث، باتباع الأسس الإدارية عن طريق إدخال تغيرات معينة في تصميم المنتوجات او طرق الإنتاج، والتطبيق الفعال لنظام الإدارة البيئية، والدور المحاسبي في تفسير وتتبع هذه التكاليف ومسبباتها، وتسليط الضوء على تحليلها وضمها الى اجمالي التكاليف عند تحديد نتيجة النشاط، وإمداد الجهات الإدارية المختلفة بالمعلومات للمساعدة في رسم السياسات واتخاذ القرارات وتحسين الأداء. [9]
ممكن الاستعانة بالوسائل الالكترونية في اعداد هذه المعلومات. وإذا أحسن تصميم أنظمتها، وتوجه في قناة الاتصال المناسب، وتحديد خطوط تسييرها بوضوح، فسوف يؤدي هذا الى تكامل عملية المراقبة وتكامل أيضا في المعلومات.
رابعا: أهمية محاسبة التكاليف البيئية ومردودها الاجتماعي
اليوم تواجه الوحدات الاقتصادية تحديات كبيرة لمواكبة المتغيرات في محيطها، نتيجة تطور التكنلوجي السريع على مختلف الصعد، وخاصة المعلوماتية منها، وذلك لأجل الاستمرارية والبقاء والمنافسة والتفوق في السوق. كما وان هناك الترابط والتكامل والتأثير المتبادل بين البيئة والتنمية، إذ لا يمكن استمرار التنمية في ظل الموارد البيئية المتدهورة، ولا يمكن حماية البيئة إذا اهملت التنمية تكلفة الاضرار البيئية. فعليه ان مسالة حماية البيئة أصبح امرا ضروريا، وعلى الوحدات الاقتصادية المنخرطة في النشاط الإنتاجي او الخدمي، الاعتراف بمسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية تجاه البيئة، ومن خلال تطبيق نظام محاسبة التكاليف البيئية وتعزيز دوره وأثره بهذا الخصوص، وما له من الاهمية والمزايا على الوحدة وعلى صعيد المجتمع، وكالاتي: [10]
إنتاج المعلومات عن التكاليف البيئية، التي تساعد الإدارة في ترشيد القرارات وتخفيض تكاليف البيئية، وتحسين جودة المعلومات المحاسبية، وتقييم الأداء. وتساعد ايضا على تحسين قرارات المستثمرين في التعامل مع الوحدة الاقتصادية؛
- نشر الثقافة البيئية لدى العاملين ورفع معنوياتهم والتصاقهم بالإدارة، بما لها من تأثير على رفع الإنتاجية في الأداء؛
- المساهمة الجادة في عملية تحقيق التنمية المستدامة عن طريق ممارسات وتطبيقات المسؤولية الاجتماعية، ووضع مجموعة من الأنشطة البيئية من خلال نظم للمحافظة على البيئة؛
- الحصول على فرصة تنافسية أفضل في السوق، من خلال المساهمة في تخفيض الأثار البيئية، وتحسين تصميم وجودة منتجات تكون صديقة للبيئة، رغم ان إضافة تكاليف البيئية الى كلفة الانتاج ستؤدي الى ارتفاع في سعر المنتوج، الا أن البعد الاجتماعي لهذه التكاليف على صعيد الوحدة والمجتمع والمستهلك سيكون أكبر من ذلك؛
- مساعدة الجهات الحكومية في قياس الاداء الاجتماعي وتحليل التأثيرات البيئية للنشاط الذي تمارسه الوحدة الاقتصادية ومدى التزامها للمعايير والتشريعات البيئية، واتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط ومعدلات النمو وأداء الاقتصادي على المستوى القومي والدولي؛
- المساعدة في تطوير وتشغيل نظام إداري بيئي للوحدة الاقتصادية؛ [11]
- يساعد على بناء قاعدة بيانات عن نشاطات الوحدة الاقتصادية، بهدف القياس السليم للتكاليف البيئية الناتجة عن تلوث البيئي؛
- توسيع نطاق عملية التقييم وتحليل الاستثمار لكي يشمل اثار البيئية المحتملة.
- ضرورة حصول الوحدات الاقتصادية على شهادة ISO 14000 ، لما لها من تأثير على شروط التصدير الى أسواق دول الوحدة الاوربية، والحصول على القروض والتسهيلات من المصارف العالمية.
ختاما، ان مسالة حماية البيئة أصبحت اليوم عنصرا مهما من عناصر الإنتاج، مما يتطلب وجود نظام محاسبي بيئي يوفر المعلومات اللازمة حول استراتيجية وخطط الوحدات الاقتصادية تجاه القضايا البيئية، وذلك من خلال: قياس ورقابة التكاليف البيئية، وإنتاج البيانات والمعلومات عنها، وتزويد مستخدمي القرارات والمجتمع بها، والتي تعكس الأداء البيئي لهذه الوحدات ويعزز الثقة بدرجة اكبر في كسب الرضا الاجتماعي والأطراف ذات المصلحة، وتعزيز التنمية المستدامة، وتحسين سمعتها ودعم قدراتها التنافسية، وجودة المعلومات المحاسبية مما يؤثر على ربحيها، غيران تطبيقها ما يزال محدودا في الوحدات الصناعية العراقية بسبب: تدني الوعي والثقافة البيئية في المجتمع، وضعف القوانين والتشريعات البيئية، وعدم التزام معظم الوحدات الاقتصادية بتطبيقها، ونقص في معايير المحاسبية الوطنية التي تخص البيئة، مما يؤثر سلبا على تقييم أدائها.
لذا ارى ضرورة الاعتناء بهذا الموضوع، من خلال:
أ. زيادة الوعي المؤسسي والجمعيات المعنية والمدنية في البيئة، من خلال منظومة الوعي البيئي، بأهمية الإفصاح المحاسبي عن تكاليف البيئية في الوحدات الاقتصادية؛
بـ. أصدر معيار محاسبي من الجهات والمنظمات المهنية الوطنية توافق مع معايير المحاسبة الدولية لتنظيم عملية القياس والرقابة والافصاح المحاسبي عن تكاليف البيئية في تقاريرها المالية والكلفوية، فيما يؤدي الى جودة المعلومات المحاسبية؛
ج. مساهمة الدولة في توفير بيانات بيئية قابلة للقياس الكمي، وفرض القيود على الوحدات الاقتصادية وخاصة الصناعية منها، باتباع القوانين البيئية، ومن خلال منح خصومات على ضريبة خضراء للوحدات التي تهتم بالبيئة؛
د. مساهمة الجهات المختصة والمنظمات المهنية في تهيئة الكوادر المحاسبية وتدريبها على تطبيقات المحاسبة البيئية في الوحدات الاقتصادية، مع ادخال موضوع المحاسبة الاجتماعية، ضمن الحصص الدراسية في الجامعات المختصة، ونشر الدراسات والأبحاث في هذا المجال؛
ه. ضرورة تطوير نظام المعلومات البيئية من خلال مشاركة المختصين والباحثين في وضع مجموعة من الأسس النظرية وفق مبادئ واسس المحاسبية الملائمة، لتطوير وحل مشاكل المرتبطة بقياس التكلفة البيئية وجودة انتاج المعلومات اللازمة لعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية على المستوين الوحدات الاقتصادية والاقتصاد القومي؛
و. عدم استناد الى تقييم أداء الوحدات الاقتصادية على اساس ما تحققها من أرباح فقط، بل الاخذ بنظر الاعتبار ايضا ما تتحمله من تكاليف بيئية من اجل الحفاظ على البيئة.
المصادر:
.1 Kirschner. E, Full-cost accounting for the environment, Chemical Week, 1994, 154/9, P. 25-26
2. William G. Russell, (On Green Accounting), “Environmental Today”, Jan/Fab 1995, No.1, p.20
3. Robert J Gale, Peter Stokoe, (2001) Handbook of Environmentally Conscious Manufacturing – Environmental cost accounting and busines strategy (Kluwer Academic publisher), pp. 4 – 6
4 . سيد علي، أيمن صابر، مدخل محاسبي مقترح لقياس وتقيم أداء البعد البيئي في مصر، القاهرة، جامعة عين شمس، كلية التجارة، مجلة الفكر المحاسبي، السنة 13، العدد2، 2008، ص 289.
5 . المرزوقي، مها عباس، "دراسة وتحليل التكاليف البيئية وأهميتها في ترشيد القرارات الإدارية، جدة، كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة الملك عبد العزيز، 2008، ص.81
.6ـ قدوري، صباح، تحديث محاسبة التكاليف في القطاع الصناعي الحكومي ـ العراق، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعةŁódź ، بولندا1985 (باللغة البولندية) ، ص، 173-172
ـStępień M., Koszty ochrony środowiska i ich klasyfikacja, Zeszyty Teoretyczne Rady Naukowej S.K.W, P., tom 1V, Warszawa 1980, s.58-59 (باللغة البولندية).
.7بدوي، محمد عباس، المحاسبة عن التأثيرات البيئية والمسؤولية الاجتماعية،
الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2000 ص .156 -152
.8قدوري، صباح، نظام محاسبة التكاليف ووظائف الإدارة في وحدات إدارة الاعمال، ورقة بحثية منشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2015، ص 13.
. 9السيد، رانية عمر محمد الباز" أهمية المحاسبة عن التكاليف البيئية لتحسين جودة المعلومات المحاسبية، 2008، ص. 104
Department of Economic and Social Affairs Statistics Division .10
United Nations, (2005) Preliminary Meeting of UN Committee on Environmental Economic Accounting, Global Initiative for
Environmental Accounting, New York 29-31 August, P 4-6
.11 عطية، محمد راضي، دور المراجعة البيئية في ترشيد القرارات الاستثمارية، مجلة
البحوث التجارية، كلية التجارة، جامعة الزقازيق، العدد2، ص273.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ورقة بحثية منشورة في مجلة (الثقافة الجديدة) العدد419 ـ 420 آذار2021