في 11/3/1970 بثت آذاعة الجمهورية العراقية في بغداد  بيان 11 آذار ونص الاتفاقية الموقعة بين الحركة الكوردية وحزب البعث العربي الاشتراكي حول وقف العمليات العسكرية،  وفور سماعنا  قامت منظمة حزبنا الشيوعي العراقي في دربندخان وبمشاركة الجماهير والسيارات بتنظيم مظاهرة كبيرة لإبداء التأييد والفرح، وطافت أرجاء المدينة.
في اليوم الثاني للبيان { أي في 12آذار 1970} نظمنا حفلاً في الحي السفلي على (ساحة التنس)  بقراءة  كلمة قصيرة من منظمة الحزب، وقراءة أشعار وقصائد، وتقديم اغاني ودبكات وبهذه الفعالية أعطينا لمنظمتنا دفعاً كبيرا إلى الأمام، ولم يكن للحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) تنظيم حزبي بالرغم من وجود عدد كبير من البارتيين وأنصارهم، وقد ساعدناهم  في تشكيل منظمة حزبية  لهم.

ظروف الفرح والمسرة التي رافقت الإحتفالات بصدور بيان 11 آذار، وبروز دور الشيوعيين في المدينة دفعت بالعديد من الشباب الانتماء للحزب، وعودة من ترك الحزب لظروفهم الخاصة. وفي التحضير علنا للإحتفال بعيد نوروز القومي، أي بعد (10) أيام من صدور بيان  11  آذار، إستلمنا تهديدا قبل يوم للإحتفال من الإستخبارات العسكرية عن طريق (الملازم سعيد الذي تزوج من فتاة كوردية ومن عائلة معروفة صديقة،  والملازم صلاح الذي قتل في بانيخيلان) بضرورة عدم الإحتفال، وقد ذهبنا { أنا والرفيق ملاحسن نورولي عضو المنظمة الحزبية والعامل في دائرة ري دربندخان } إلى معسكر الفوج وفي الباب النظامي التقينا رئيس عرفاء منشد زامل جلوب، وأخبرناه وقلنا له كما تدري نحن من الحزب الشيوعي العراقي نريد مقابلة المقدم خالد مسؤول الإستخبارات، وقد تعجّب وأمعن النظر فينا قائلاً: شيوعيون تريدون مقابلة المقدم خالد؟.

ضحكنا وقلنا له: نعم، ولماذا تتعجب؟ وأسرع إلى المقدم وعاد قائلا: تفضلوا.
رحّب المقدم خالد بنا، وأشعل سيكارة بتبختر وكبرياء على طريقة زمرة الإستخبارات وقال باندهاش: من أنتم؟  أنتم شيوعيون؟ ماذا تريدون؟

اخبرناه باننا من منظمة الحزب الشيوعي العراقي في دربندخان، واستلمنا عن طريق ضباطكم وجنودكم تهديدا ومنعنا من إقامة الإحتفال بعيدنا القومي {نوروز}، وجئنا لإبلاغكم رسمياً لمساعدتنا وأخذ موافقتكم.

وبعد لف ودوران واسماعنا كلمات التهديد والوعيد وأنكم من حزب محظور، وبعد مناقشات معه وإصرارانا واتصاله بالمراتب العليا وافق، ورجا أن نحاول قدر الإمكان المحافظة على الأمن وإستقرار المدينة.

لم نصل إلى البيت واستلمنا تهديداً نارياً من الأخ (احمد كلاري – قائد عسكري ميداني) من الجماعة المنشقة من الحزب الديموقراطي الكوردستاني (وسميت هذه الجماعة المنشقة بالجلاليين) نسبة إلى جلال طالباني، وهي الجماعة التي اعلنت انشقاقها من البارتي بقيادة ابراهيم احمد وجلال طالباني التي هربت إلى إيران وعادت بعد أن عفا عنهم القائد مصطفى بارزاني ولكن بعد فترة توجهت الجماعة إلى بغداد وتعاونت مع الحكومة العراقية وأصدروا صحيفة النور، وأطلقت الجماهير الكوردية عليم جماعة النور.

كتب الأخ احمد كلاري في رسالته لنا: سمعنا بأن الحزب الشيوعي العراقي يريد الإخلال بأمن وإستقرار المدينة بإقامة إحتفال بمناسبة عيد نوروز، وأن أحداً منهم سيقرأ كلمة، وفي هذه الحالة لا نوافق القيام بالإحتفال، وسوف نقتل الشخص الذي يقرأ كلمة الحزب، وختم رسالته بعبارة: (أعذر من أنذر!). وأخبرنا (المبلغ) نعم سنحتفل وبلاشك سيلقي أحد رفاقنا كلمة الحزب الشيوعي العراقي، ونرجو من أخينا احمد كلاري أن يعمل على تهدئة الوضع ونبذ القتل.

كتبنا رسائل مستعجلة إلى مكتب محلية السليمانية ولجنة جوتياران  والرفيق المسؤول لمنظمتنا { المناضل المعروف عبدالله القره داغي – ملا علي} بديلا للرفيق فارس رحيم  مسؤول لجنة جوتياران الذي لم يكن متواجدا آنئذ في المنطقة وكان ملا علي آمراً للسرية العاشرة الباسلة ضمن تشكيلات الحركة التحررية الكوردية، وشرحنا وضعنا باسهاب وأن رفاق المنظمة مستعدون لاقامة الاحتفال وعدم الاصغاء إلى الآخرين وقلنا نحن بخير ونرجوا ان لا تقلقوا وننتظر توجيهاتكم  واكدنا أن رفاقنا ومنظمة حزبنا في المدينة بخير وعلى الإستعداد التام وقبل الاحتفال بساعات استلمنا الردود والتوجيهات.
لم نرتاح أبداً في الليلة التي سبقت الإحتفال، عقدنا عدة إجتماعات حزبية، كانت الأكثرية من الرفاق  مع إقامة الإحتفال، ولكن الأقلية كانوا ضدنا.

اليوم، هو يوم العيد القومي لشعبنا، عيد نوروز، في الصباح الباكر قام الشباب المتحمس من رفاقنا في دربندخان وزاله ناو وبانيخيلان وكانى سارد والقرى القريبة  الأخرى بجمع الكراسي من البيوت ونقلها إلى ساحة الاحتفال في الحي السفلي للضيوف.
وقبل الإحتفال بساعتين أخذت كل مجموعة مكانها حسب القرارات للحفاظ على الأمن والإستقرار وحماية المحتفلين، وكانت القرارات صارمة وتقضي بحمل المسدسات من قبل الرفاق المشخصين ( كانت المسدسات) شخصية، وعدم الإختلاط بالجماهير مع المراقبة الشديدة للعناصر الغريبة وغير المعروفة ، وإذا حدث صدام تبقى المجموعة في مكانها ولا تتحرك إلا بأمر من مسؤوله.

بدأ الإحتفال بالنشيد القومي { ئه ى ره قيب ، ووسط التصفيق الحار والهتافات بحياة الحزب الشيوعي العراقي والحركة التحررية الكوردية تقدّم الرفيق {أحمد رجب} إلى المنصة لإلقاء كلمة الحزب متحديا الموت، وكان قرارنا إبتعاد كل الرفاق من المنصة، وكان شعارنا: لتكن خسارتنا أقل، إلتزم الرفاق بالقرار، وفي الأثناء تقدم الشيوعي الرفيق المناضل {غفور كويخا علي} وهو من الشيوعيين الأوائل القدامى في دربندخان وأستلم اللاقطة من يدي وقربها مني قائلاً : أموت معك وأتحدى الموت وتقدم رفاق آخرون ووسط الإندهاش والتصفيق ألقيينا كلمة منظمة الحزب الشيوعي العراقي في دربندخان، ومن ثم ألقى مسؤول منظمة الحزب الديموقراطي الكوردستاني كلمته.

كان الإحتفال منظماً بشكل جيد، كما سارت الأمور بشكل جيد، ولكن عند الختام بدأ إخوتنا الأعداء بالسب والشتم والتهجم على الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديموقراطي الكوردستاني، وحاولوا اثارة الرفيقين الشابين نجيب الشيخ محمد { استشهد} عام 1983 بايادي آثمة وخسيسة وحميد مجيد  الذي قتل غدرا عام 1995 الأمر الذي أدى إلى تدخل الجيش والشرطة واستدعائنا إلى الحضور في مقر اللواء، وهناك قام اللواء الركن (نصيف جاسم السامرائي – أصبح فيما بعد المستشار العسكري لصدام حسين) بإلقاء كلمة وتقديم نصائح على إننا اخوة، وعلينا حل مشاكلنا والمصالحة، وهنا قلت للأخ المناضل أحمد كلاري باللغة الكوردية، وهو يدري بانني صديق لأخوانه حسن وحسين أيام الدراسة الثانوية معا، وأحترمه شخصياً لأنه  اكبر مني وهو من عائلة مناضلة : حسنا كاك احمد  آمر اللواء ينصحنا أن نتصالح، وحال سماعه كلماتي تقدم وأعتذر لما جرى، وتبادلنا القبل الأخوية.

نعم هكذا احتفلنا واصبحت منظمتنا علنية وفرضنا انفسنا لكن الغوغائيين  واذناب السلطة والاقطاعيين المحليين وقفوا ضدنا ومحاربتنا حالنا حال المنظمات الحزبية الاخرى.

17/3/2021

عرض مقالات: