تعددت التسميات والهدف واحد. لم تأت هذه الدعوة التي ابلغنا بها السيد رئيس الوزراء، بخلاف ما سبقتها من دعوات الا بتعديل عنوانها. وان كانت معظم عناوين السابقات تسمى بـ " المبادرات الوطنية ". ولكن كلمة { الشامل والاشراف الاممي } المضافة من قبل السيد "مقتدى الصدر" التي وردت بدعوته الاخيرة، قد زادت الدعوة  اهتماماً . مما جعل هذه الكلمة الاخيرة اي " الاشراف الاممي " هي المعنية بالتأمل اكثر من غيرها.

  لا بأس بهذا التوسع بالحوار، شرط ان يخرج عن اسوار قلاع الطغمة الحاكمة نحو الفضاء الوطني.و ينبغي ان تستوعب خيمته تطلعات وهموم كافة الاطراف التي ستخوضه وعلى وجه التعيين قوى الحراك الشعبي المنتفض، كقاعدة انطلاق نحو التغييرالبنيوي والسياسي لمنظومة الحكم.

ومن دون الاسس سالفة الذكر تصبح الدعوة عبارة عن محاولة باتجاه الانقياد الى اغراءات سياسية على غرار ما جرى مع بعض شباب تشرين. وليست دواءً للجرح العراقي النازف. انما تكراراً  لـ "مواثيق الشرف" التي تمت فيما بين قوى الطغمة الحاكمة المتسلطة، التي قبل ان يجف حبر محاضرها يضربها عصف الخلافات التي لم تنفك حول الحصص والمغانم وبالتالي تذهب في مهب النسيان.

إن مستجدات الحراك الجماهيري في هذه الايام تحمل على متونها اثقال قوة قالعة لمخلفات وتراكمات الخراب والفشل، الذي بات كاتماً على انفاس العراقيين لحد زهق الارواح. سواء كان اغتيالاً او خطفاً او جوعاً او تشرداً او تغييباً.. فلا مناص من النهوض لازاحة " عزرائيل " الفساد.. وليكن الحوار وسيلة للتحرك، وكمحطة مراجعة وتصويب المسار في اقل تقدير. ومن ثم بناء ركائز دولة  العدالة الاجتماعية.. ولكن لغاية الآن لا توجد أية علامات فارقة تدل على معالم الوجهة المقصودة ولأي من الاتجاهات سيؤدي. شرقاً ام غرباً ام التمسك باهداف انتفاضة تشرين ؟.

وإذا ما بقي الابهام طاغياً على مثل هذه الدعوات، يغدو الامر كالذي يبني بيتاً على كثبان رمال متحركة. لاتتلاءم مع المناخات السياسية الراهنة في البلاد، المشحونة بالخلافات التناحرية واستقطاب الصراعات حول بناء الدولة  المدنية  وبين تفشي مفهوم اللادولة، الذي يهدف في نهاية المطاف الى قيام الدولة الدينية. إذن من الذي يؤطر الحوار ويرسم خارطته ...؟  

هذا هو السؤال الذي تنبغي الاجابة عليه بوضوح، اي رسم الاهداف التي يفترض ان لا تخرج عن دائرة " التغيير " ووضعها على ناصية الحوار. لأن ثلاثية الفشل والفساد والانحطاط الشامل لم تبق شيئاً يمكن اصلاحه. لذا اقتضي هذا الحال قلع خرائب وتركات الماضي البعيدة والقريبة، ومن ثم التأسيس للحياة العصرية المدنية العادلة. ان هذا يكشف حقيقة تجنب من يدعو للحوار عن اطرافها، الا وهي كفتي الاستقطاب والتمايز الطبقي الصارخ، المتجلية بين قوى طفيلية قد غدت مالكة للمال الحرام وللسلطة، وبين قوى شعبية واسعة منتفضة لا تملك شيئاً سوى ارادتها الواعية ووطنيتها الخالصة..

 نرجع للبحث: عن من الذي سيتحاور مع من، وهل ان الكفتين متساويتان في حلبة الصراع المسمى حواراً..؟  عند هذا الفاصل تتوفر امكانية لتحديث السؤال الى صيغة باحثة بالقول: هل ان الغاية من الحوار استدراجاً للحراك المنتفض الى ازقة ومتاهات سياسية لا منافذ لها، وابعاده عن الشارع الثائر. ام يفترض ان يكون علاجاً شافياً لازمة الحكم الشاملة الطاحنة ؟.

عرض مقالات: