لا زالت اليوم السيادة جزء كبير من مشكلة محدودية الحماية الدولية لحقوق الانـسان إذ تتمسك الدول بشدة بسيادتها تجاه التحرك الدولي المخلص ،ولو كان المقابل انتهاك حقوق مواطنيها غافلة عن إن الإلتزام بقواعد الحمايـة التـي أقرتهـا الاتفاقيات هو في جوهره إقرار لمبدأ السيادة، ذلك أن الدول التزمت بتلك الاتفاقيـات بإرادتها الحرة، والالتزام بنصوصها هو التزام نابع من ارادتها بطريق غير مباشـر وبالتالي لا تعارض في الجوهر بين حماية حقوق الانسان بموجب الاتفاقيات الدوليـة وبين مبدأ السيادة.
إرتبطت حقوق الانسان مع السلطان الداخلي للدول، وبدأت حركة دولية تدريجية في الاهتمام بهذه الحقوق، وبهذا الاعتبار تأتي اهمية الحماية الدولية من مقدار اهمية هذه الحقوق اضافة الى اعتبارات اخرى لا تقل اهمية مما تتمتع به هذه الحقوق من اهمية، وتهديدات انتهاكها للسلم والامن الدوليين. إن الحماية الدولية لحقوق الانسان، تُعد في عصرنا الحالي ضرورة إنسانية واخلاقية في المقام الاول، اتفقت اغلب دول العالم على ضرورة تفعيلها، لتحقيق جملة من الأهداف ليس أقلها تحقيق السلم والامن الدوليين، لما تنطوي عليه إنتهاكات حقوق الانسان من تهديد لهما. رغم ما للحماية اليوم من اهمية، إلاّ إن ذلك لم يمنع – للأسف – من إنتهاك حقوق الانسان في الواقع العملي، مما يشير بوضوح الى قصور اتفاقيات الحماية، ويرتبط ذلك بالدرجة الاساس بعدم وجود نوايا حسنة لدى الدول الموقعة على الاتفاقيات بتطبيق بنودها، بل غالباً ما يكون هذا التوقيع او الانضمام لأجل تجنب نقد تلك الدولة، أو ان تجابه برد فعل عنيف من الرأي العام الدولي. بما إن الاحتجاج بالسيادة الوطنية قد شكّل عقبة أمام الإرادة الدولية للمجتمع الدولي، فلا بد أن تكون المسؤولية في حماية حقوق الإنسان مشتركة بين الأجهزة الدولية التي تقررها وتراقب تنفيذها والسلطات الوطنية التي تحترمها وتطبقها، وكذلك العمل على تشجيع وتعزيز نظام شكاوى الأفراد الذي يُعتبر خير وسيلة لحماية حقوق الإنسان، لذا نرى من الضروري عقد مؤتمر دولي عالمي في أطار منظمة الأمم المتحدة، يدعو ويؤكد على حَث الدول وإلزامها على دمج وإدراج أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان في تشريعاتها الوطنية وتنفيذ تعهداتها وإلتزاماتها الدولية.
وسعى التنظيم الدولي لحماية الحقوق السياسية داخل الدول، بحيث لم تَعد مسألة احترام هذه الحقوق من الشؤون الداخلية التي تحتكرها الدول. وهكذا فأن مفهوم الحماية الدولية كان نتـاج ظروف دولية واقليمية، تنازعتها في ذلك الوقت المصالح الوطنية والدولية، ومـا كـان لهـذا النزاع من أثر على فاعلية الحماية الدولية ذاتها.
لم يكن غاية من غايات القانون الدولي لحقوق الانسان ان يتم ربط الحماية الدولية لحقـوق الانـسان بـسياسات الـدول، الـى الحـد الـذي جعـل مـن الحمايـة وسـيلة مـن وسائل تحقيق مصالح الدول المسيطرة عالمياً لغرض ضمان سـيطرتها، وسـاعد علـى ذلـك خضوع بعض الحكّام في الدول النامية من اجـل ضـمان الاحتفـاظ بكراسـي الحكـم لهـم ولأبنائهمم، ومن اجل ذلك فهم مستعدون لدفع اي ثمن وإن كان سيادة الدولة ذاتها، ولـم يكـن انتهاك سيادة الدولة في يوم من الايام ناتج من تفعيل قواعد الحماية الدولية، بـل هـو نتيجـة مباشرة لوجود اختلال في النظام الدولي ،ووجود دولـة ذات نفـوذ وسـطوة لا تبـالي إلا بمصالحها، وايضاً لسيطرة حكام لا يبالون الا بوجودهم على مقاعد الحكم. لقد ادى ربط حماية حقوق الانسان بمصالح الدول المتحكمة، على المـستوى العـالمي الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وأدى هذا الربط الـى الانتقائيـة أو إزدواج المعـايير فـي التعامل مع الانتهاكات التي تُمارس تجاه حقوق و حريات الافراد، وهذه الانتهاكات وربطهـا بمصالح الدول الكبرى يعود الى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما افرزته مـن وجـود عملاقين متصارعين في حرب باردة، كانـا يتبـادلان الإتهامـات بينهمـا بـشان حقـوق الانسان وانتهاكها، مع غض النظر عما تقوم به الحكومات الحليفـة، وفـضح مـا يـتم فـي دول المعسكر المقابل، فالولايات المتحدة مثلاً، تفرض حصاراً منذ ما يزيـد علـى 60 سـنة على كوبا، إلاّ انها من جانب آخـر كانـت تـدعم الانظمـة الـشمولية والعسكرية في أمريكا الوسطى والجنوبية، والتي كانت اكثر شراسة في تعاملهـا مـع حقـوق الانسان (1). والحماية الدولية، لحقوق الانسان تتمثل في جملة من الاجراءات التـي تتخـذها الهيئـات الدولية، التي تأخذ من تلك الحقوق موضوعاً لِنشاطها، أو بصفة هذه الحقوق إحدى الميـادين التي تهتم بها تلك الهيئات، وبالتالي فليس من الحماية الدولية المنظمة في شيء، تلك الانـشطة او الضغوطات أو الممارسات (الجزائية ) التي تقوم بها الدول تجاه الاخرى، بدواعي حمايـة حقوق الانسان، إذ أنّ قواعد التعامل الدولي السليم يقتضي أن تحيل كل دولة ترى في تصرف دولة أُخرى انتهاك لحقوق الانسان التي كفلتها المواثيق الدولية، أن تحيل الى المنظمات الدولية المختصة هذا الانتهاك، وان تلفت عنايتها الى مخالفة نصوص الاتفاقيات الدوليـة ذات الـشأن والتي تكون قد صدر منها الانتهاك طرفاً فيها. وبما إن الإحتجاج بالسيادة الوطنية قد شكّل عقبة أمام الإرادة الدولية للمجتمع الـدولي، فلا بد أن تكون المسؤولية في حماية حقوق الإنسان مشتركة بين الأجهزة الدولية التـي تقررها وتراقب تنفيذها والسلطات الوطنية التي تحترمها وتطبِّقها، وكذلك العمـل علـى تشجيع وتعزيز نظام شكاوى الأفراد الذي يعتبر خير وسيلة لحماية حقوق الإنسان.
مع نهاية النصف الاول من القرن العشرين وبداية النصف الثاني منه، بدأ الاهتمام في اطار العلاقات الدولية ينتقل من الدول وما لها من حقوق وما عليها من التزامات، الى الانسان ذاته بالنسبة للحقوق التي يجب ان يتمتع، بها والاهتمام كان يتلائم وما افرزته المرحلة السابقة، بحيث شمل الحق في الحياة وحرية الفكر والعقيدة وتحريم التمييز العنصري والتعذيب والاسترقاق والابادة وحق العمل والتعليم، باعتبار هذه الحقوق كثيراً ما كانت تُنتهك من قبل الدول، وحماية حقوق الانسان من الموضوعات التي نالت اهتمام الباحثين من النواحي الفلسفية، والسياسية، والدولية، مما كان له الاثر على القانون الدولي، فمن الناحية الفلسفية يُعد تقرير حقوق الانسان تحقيقا لفكرة العدل، ومن الناحية السياسية فإن الإقرار بوجود حقوق الانسان يُمثل ضمانة اساسية للوصول الى نظام سياسي يستند الى اساس شعبي حقيقي، موجود في الواقع وبالتالي تحقيق الديمقراطية، ومن الناحية الدولية فان إضافة حقوق الانسان الى المجالات التي تهتم بها المحافل الدولية، أمر يكفل اقامة وتوطيد العلاقات بين الشعوب وصولاً الى تحقيق اهتمام مشترك بأبعاد المشاكل الدولية، كل هذه النواحي أثرت بشكل مباشر على المفاهيم الاساسية للقانون الدولي (2).
أن الحماية الدولية تقسَّم إلى نوعين من الحماية، الحماية الدولية المباشرة والحماية الدولية غير المباشرة، يُراد بالأولى: (جملة الاجراءات والانشطة التي تباشرها الاجهزة المعنية على المستوى الدولي او الاقليمي لفرض احترام حقوق الانسان التي أقرَّتها المواثيق الدولية، والتصدي للانتهاكات التي ترتكب ضد هذه الحقوق، بغية وقف ومحو اثارها او التخفيف منها). بينما يقصد بالحماية الغير مباشرة:( تلك المهام والانشطة التي تنهض بها الاجهزة الدولية على المستوى الدولي او الاقليمي، بغرض خلق او ايجاد المناخ العام الذي يكفل اقرار وتعزيز حقوق الانسان، عن طريق صياغة وتقنين القواعد والاحكام المتعلقة بحقوق الانسان ونشر الوعي بها بين الشعوب والحكومات على حدٍ سواء).
وإذا لم یکن القانون یحمى الجمیع فلن یحمى أحدا، واستخلص المجتمع الدولى الدرس من الحربین العالمیتین، یتمثل فى کون عدم احترام حقوق الإنسان على المستوى الداخلى سیؤدى إلى انتهاکها على المستوى الدولى مما أدى به إلى إقامة علاقة ترابطیة بین الأمن والسلم الدولیین وضرورة حمایة حقوق الإنسان. فإذا کانت حمایة حقوق الإنسان فی الماضی مسألة فردیة أو محلیة تعنى بها التشریعات أوالممارسات الداخلیة لدولة ما فقد أصبحت الیوم قضیة تتصف بالعالمیة ولیس من المبالغة القول بأنها غدت موضوعاً إنسانیاً مشترکاً یحتضن حقوق الإنسان أينما وجد وإلى أي دین أوعرق .والیوم هناك إجماع دولی على اعتبار الإنسان المحور لکل الحقوق وعمودها الفقری، إن هذا التطور الذی طرأ على حمایة حقوق الإنسان یعود إلى ما سببته الحروب والنزاعات من انتهاکات واسعة لحقوق الإنسان إذ أُرتکبت أفعال بشعة من الانتهاکات ضد حقوق الإنسان بمختلف أنواعها.
ويبقى موضوع الحماية الدولية منبعاً للعديد من النظريات والآراء الفقهية في القانون الدولي ، وايضاً يبقى مثاراً للجدل السياسي والخلاف بين الدول، ذلك إنه يتعلق بتجاوز من جانب دولة او مجموعة دول، في ممارسة اختصاصات معينة لحدودها الجغرافية، ودخولها في اختصاصات دول اخرى، إذ وفي العديد من الاحيان يشكل مجرد إعلان دولة، أو اتخاذ هيئة دولية ما قراراً يتعلق بحوق الانسان، في دولة بنوع من التدخل، الذي ترفضه تلك الدولة متسلحةً بالسيادة.
----------------------------------
1- د. خيري احمد الكباش/الحماية الجناية لحقوق الانسان دراسة مقارنة في ضوء احكام الشريعة الاسلامية والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية/ الطبعة الاولى/منشأة المعارف /الاسـكندرية/سـنة2002/ص737-739
2- د. مصطفى سلامة حسين/تأملات دولية في حقوق الانسان /المجلة المصرية للقانون الدولي / العدد 40/سنة 1984/ص 191.