في علم الاجتماع.. وحتى في أعراف المجتمع المتوارثة من غابر الأزمان وحتى يومنا هذا!...

أسدال النصائح والتعنيف وحتى صيغ التهديد أثبتت فشلها وعدم جدواها في إصلاح الفرد والجماعة على حد سواء!...

فلو كان عندكم أولاد! وأحدهم عاق أو مشاكس أو شرس، ويكرر ما يتم تنبيهه عن مخالفاته وقصوره وخرقه للأعراف وللتقاليد، ومهمل لمسؤولياته وبإصرار وتزمت، فما على والديه من فعل لثنيه على تقويم سلوكه؟

بعد استنفاذ كل الوسائل التربوية، ووسائل الإقناع واللين والإغراءات المختلفة، مع هذا فلا جدوى من ذلك!

وإحدى أسباب إصراره هذا، هو تهديده بمعاقبته ماديا ومعنويا!

ولكن دون تنفيذ هذه التهديدات بشكل عملي، ونتيجة لذلك ولتكرار هذا الأسلوب!...

جعله يطمأن من عدم نيله شيء من تلك التهديدات والمحاسبات! وصدق المثل القائل (من أمن العقاب أساء الأدب).

هنا الأمثال تضرب ولا تقاس!

لكن لابد هنا من الدخول مباشرة بالموضوع المراد تناوله!

حال البلد والناس في عراق اليوم، والجب العميق الذي ألقي فيه العراق؟ ... من ألقاه؟

من المسؤول؟ ...

ولماذا؟

هذه جميعها أصبحت غير ذي جدوى!...

المهم.. ما هو السبيل للخروج من هذا السعير والأحداث الزلزلة الكارثية!...

حتى هذه فقد تم تناولها وبإسهاب ممل!

سبق أن كتب في أكثر من خاطرة ومقال وتغريد يحمل أكثر من سؤال؟

وذهبنا أبعد من ذلك فقد سخرنا من الذي يحدث، ومن حكامنا وساستنا المتربعين على دست السلطة، بل أكثر من ذلك.. فقد سخرنا من أنفسنا ولما ذهبنا إليه! كوني مثل ما قال لي أحدهم (أنتم متعبين حالكم؟ وكأنكم تنفخون في قربة مثقوبة!... أو تريدون أن تسقوا مزرعتكم بالغربال)، هذا بلد خربان هو وحكامه، وشعبه نائم! بس شلون نومه؟ ...

وقد يكون هذا وغيره قد أفقد الناس الأمل بحكامهم وبمصيرهم المجهول!!

فهروبهم الى الأمام، والبحث عن مكان أمن يؤويهم غير العراق!

حتى وأن كان البحر ويكونوا طعام للأسماك في هذا البحر المترامي في سعته واستيعابه لمن يريد ان يكون له سكنا وملجأ ومستقر.

قلنا إن ما خاضته قوى الإسلام السياسي من تجارب مريرة، وفشلهم الذريع في إدارة البلاد، والانهيار الكامل في كل مناحي الحياة المختلفة و، على وجه الخصوص الأمنية، وشخصنا الأسباب والعلل، واقترحنا الحلول، وقلنا مرارا وتكرارا، لا خيار أمام قوى الإسلام السياسي غير الذي ذكرناه في تخليهم عن نهجهم الكارثي والمدمر وإفساح المجال لقوى التغيير كي تقود البلد نحو التغيير وإعادة بناء دولة المواطنة.

لكنهم أعطونا (الأذن الطرشة !!؟) بل عميه بصيرتهم.. وفي كل مرة كانوا يعتقدون بأن من يدعوا إلى إعادة بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة، يتخذونه خصما وعدو ربما يلصقون به (كافر.. وإرهابي وابن السفارات أحيانا أخرى، وغير هذا الكثير. لا نريد أن نكرر ما قلنا)

ويستخدمون سياسة المماطلة والكذب والتضليل والوعود بثورة من الإصلاحات والإجراءات الثوروية!!

وبحقيقة الأمر لا تعدوا كونها ضرب من الدجل السياسي، ولن يخطو في تحقيق تطلعات الناس في الحياة الكريمة حتى خطوة واحدة، تؤكد للجميع بأنهم قد بدئوا الخطوة الأولى في إعادة بناء دولة المواطنة!!

هذا النظام وأحزابه الفاسدة، كالابن العاق لا يريد أن يفقه شيء بالرغم من كل النصائح والإرشادات والتحذيرات، ليعود إلى نفس النهج، فيعود هذا النظام ويرتكب مختلف الفضائح والجرائم والسرقات وكأن المناشدات والنصائح لا يسمعها ولا يريد أن يسمعها!...

والنظام وأحزاب السلطة رغم كل الإخفاقات يقولون!...

لقد حققنا وسنحقق المعجزات؟َ!!

والشعب لن يرى شيء يذكر من منجزاتهم، اللهم إلا الموت والخراب والجوع والجهل والشقاق والنفاق.

حتى نأتي ومن قصير القول !!...

فنقول لهم وبكل أمانة وإخلاص.. أنكم غير راغبين في أن تخطو حتى خطوة واحدة نحو إعادة بناء الدولة، على أساس (الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ... دولة المواطنة وقبول الأخر).

أما سبب ذلك يعود وأقولها بكل وضوح (أن فلسفة ونهج وقيم الدولة الدينية!... تتعارض كليا مع حركة الحياة، ومع الحضارة والحقوق الإنسانيتين ... بل يحدث شرخا عميقا في عملية البناء المجتمعي وبناء الإنسان، وبين مكونات شعبنا وأطيافه المختلفة.. مذهبيا.. دينيا.. أثنيا.. وأخلاقيا ... وفكريا ويكرس الكراهية والعنصرية والتعصب وإلغاء الأخر.

وفلسفة الدولة الدينية تتعارض مع حقوق الفرد والجماعة، وتؤثر سلبيا على خياراتهم.

فهي تفرض على المجتمع رؤيتهم ونهجهم وقيمهم، ولا تسمح بالاختلاف وحق الاختيار.

ويتعارض مع حقوق المرأة بشكل كامل، كونها تفرض عليها التبعية للرجل وعدم السماح لها بحرية الاختيار وممارسة حقوقها كاملة كما أخيها الرجل.

هنا لا يمكنني أن أتناول فيض من التعارض والاختلاف البين بين الدولة الديمقراطية العلمانية ورؤيتها وبين رؤيا وفلسفة الدولة الدينية، فهناك بونا شاسعا ولا وجه مقارنة بين النظامين المختلفين، القيمية والفكرية وحتى في الأعراف والتقاليد المتوارثة.

سعى ويسعى هذا النظام ومنذ ما يزيد على العقد من السنين، إلى تكريس هذه الفلسفة وبخلاف الدستور الذي يقر وبشكل صريح على أن العراق [دولة ديمقراطية اتحادية].

وتحاول قوى الإسلام السياسي تكريس فلسفة الدولة الدينية وولاية الفقيه على غرار دولة إيران الإسلامية قولا وفعلا!!

والجميع يعلم بأن الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية هي الوحيدة التي تحمي حقوقكم وطقوسكم، تحمي حقوق الجميع متدينين وغيرهم وقبول الأخر وحرية الاختيار.

نتمنى على قوى وأحزاب الإسلام السياسي الحاكم، عليكم أن تلتفتوا إلى كل الأصوات المخلصة الصادقة وتعيدوا النظر في نهجكم وسياساتكم المدمرة، اليوم وليس بعد حين، وتقوموا باتخاذ الإجراءات السريعة قبل أن يفرض عليكم ما لا نستهوه أنفسكم ولا أنتم راغبين بالذي تتعرضون إليه مستقبلا؟!!

عليكم أن تقوموا بإجراءات سريعة لرفع الحيف عن هذا الشعب المظلوم.

أهم الأمور التي تشكل حجر الزاوية لإعادة بناء الدولة الملحة:

أعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية وفق المعايير الوطنية والمهنية والعلمية، وتناط قيادتها بأناس أكفاء مهنيين، يتمتعون بالخبرة والنزاهة والأمانة واللياقة والوطنية، ويعاد العمل بالخدمة الإلزامية.

العمل فورا بحل كل الميليشيات والمجاميع المسلحة، ومصادرة أسلحتها ومعداتها وكل الأموال المنقولة وغير المنقولة، وحصر السلاح بيد وزارة الدفاع والداخلية والأمن الوطني.

يعاد تشكيل جميع الهيئات المستقلة، على الأسس الوطنية والمهنية المستقلة، بما في ذلك الأوقاف الدينية، ويكون هناك وزارة خاصة بالأوقاف الدينية.

تشكيل هيئة مستقلة ومن الخبراء في السياسة والقانون وعلم الاجتماع ومن الخبراء المختصين، تأخذ على عاتقها أعادة النظر في مواد الدستور بما يؤمن وحدة شعبنا وبلدنا، ومعالجة الثغرات القانونية والحقوق والواجبات بما يجسد وحدة نسيجنا الاجتماعي وتماسكه.

تشرف الحكومة وخلال صلاحياتها الممنوحة إليها على كل ما من شأنه التصدي للفساد والمفسدين وتعقب حيتان الفساد، وتقديمهم للعدالة واسترجاع ما نهبوه من المال العام والخاص وإعادته لخزينة البلاد.

على الحكومة أن تستعين بكل ما من شأنه إعادة العافية لهذا البلد (سياسيا.. اقتصاديا.. زراعيا.. وخدميا، لإعادة عجلة الحياة للدوران من جديد).. وطلب المساعدة الإقليمية والعربية والدولية، بما لا يخل باستقلالنا الوطني وحريتنا وكرامتنا.

هذه خطوط عامة تشكل طوق نجاة للشعب وللوطن للمرحلة القادمة. وبعكسه سيستمر التدهور وتتفاقم محنة الناس، وسيتعرض نسيجنا الاجتماعي للتمزق أكثر، وربما للتقاتل والانقسام، عندها لا يمكن تحديد مدياته وما سيتعرض البلد إليه.

ستتحملون تبعات هذا التدهور إن لم تضعون حدا له، والتأريخ لن يرحمكم أبدا، وستساهمون في شرذمة البلاد وتعرضون وحدته وسلامة أراضيه إلى مخاطر جمة، وتساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى تشجيع التدخلات الإقليمية والأجنبية.

لا شك بأن استمرار التدهور وبشكل ينذر بالخطر الجسيم وعلى الجميع وضع حد لهذا الانحدار والتدهور.

على قوى شعبنا الوطنية والمحب للسلام وللحرية والتقدم، مساندة شعبنا وتوعيته، لسعيه بناء دولة عادلة ديمقراطية علمانية اتحادية مستقلة موحدة.

قيام دولة فاشلة في العراق لا يصب في مصلحة أحد والجميع سيغرق، وعلى الجميع ألا تسمح في تمزقه وشرذمته كدولة ومجتمع،

تمزق العراق وتهديد وحدته وسلامته، يهدد السلام والأمن في المنطقة والعالم.

لسارع في إنقاذ هذا البلد العظيم من الانهيار والتمزق والسقوط.