من ينظر الى الحالة العراقية من الأعلى يرى التشظي في كل مفاصل الدولة والمجتمع، الى حد انه يشبه شظايا زجاج متناثر.
فهنالك مراكز قوى متعددة، متصارعة، متنافرة، تبحث جميعها عن الهيمنة، وعن دور أكبر لها في عمليات النهب والفساد والتحكم بالقرارات، وهي بالضد من الشارع العراقي الذي يحمل هو الآخر تناقضاته وصراعاته ولم يستطع هو الآخر من تشكيل كتلة سياسية، وطنية، متماسكة قادرة على إزاحة الطغمة المتحكمة، وموروثها المأساوي في المجتمع وحياته، وحضارته، وثقافته بالإضافة الى هيمنتها على الدولة ومستقبل الوطن.
وعلى صعيد اخر زاد التدخل الإقليمي والدولي في تحديد مصير الشعب العراقي، ورهن مستقبله في كيفية الخروج من عنق الزجاجة من أزمات متلاحقة وسوء وغياب الخدمات وغياب الأمن ونهب الثروات.
وتعيدنا الحالة العراقية اليوم الى رواية (الساعة الخامسة والعشرون) للكاتب الروماني قسطنطين جورجيو، وما الساعة الخامسة والعشرون كما يقول الكاتب عبد الله إبراهيم (الا تلك الساعة التي يتعذر فيها على الانسان النجاة بحياته من هلاك مؤكد).
والرواية التي تكشف (العالم الكابوسي) الذي يمر بها البطل ايوهان موريتز وعائلته ومعارفه من الاعتقال والإجبار على العمل الشاق، والتعذيب والمطاردة وتحويلهم الى جرذان للاختبارات، وتدخلهم في سلسلة من العذابات على يد السلطات النازية والعميلة لها، ولم تنته مع المحررين السوفييت والأوروبيين والامريكيين.
فشخصيات الرواية ومنها أيوهان يواجهون الأنظمة الشمولية التي
لا تعنى بهوية الفرد إنما تنظر اليه باعتباره كائنا مبهما في ولائه أو عدائه، على حد تعبير الكاتب عبد الله إبراهيم.
وفي حالتنا العراقية فأن القوى المتنفذة وشعاراتها البراقة ومن يقف خلفها من قوى إقليمية ودولية، وضعت العراق شعبا وجغرافية وتاريخا وحضارة، كسلعة على طاولة المقامرين والمزادات العلنية، ومن يعترض يقتل أو يطارد بأحسن الأحوال، أما نزيف الشعب الدائم من أبنائه وثرواته وآماله فهي لا تعني أحدا. ويظهر بين آونة وأخرى، مسؤولون (مدججون بالأريحية والابتسامات) ويعلنون استغرابهم لما يحدث، ويصبون وعودهم على رؤوس المواطنين بأنهم قادرون على ترميم ما أفسده الدهر!
نقولها بالفم المليان، وطننا في هلاك مؤكد إذا لم تستقم الأمور، وهي لن تستقيم بدون طرد غربان الفساد والجريمة المنظمة، وعدم التعويل على أعداء الشعب في اصلاح ما خربوه، وأن نبدأ بتنظيم أنفسنا كقوى حية، فالعراق لم يعد يتسع للجميع أما هم أو نحن، وألا سنبقى ضحايا، مطاردين حتى نثبت العكس لجلادينا.