لعبت المكونات العرقية المكونة لمجتمعنا العراقي وخصوصا التي لا تدين بالمذهبية الطائفية ولا بالتبرم تجاه الأديان الأخرى، دورا بارزا في النهوض الثقافي والعلمي، فبفضل جهودهم  و منذ عصور أضحت بغداد حاضرة للعلم والثقافة في المنطقة، حيث لعبت ترجمتهم للكتب الإغريقية واليونانية الى اللغة العربية التي اضطلع بها مسيحيو الشرق منهم (الأب أنستاس الكرملي) في العراق، فمن يستعرض التراث الحضاري لتلك البلدان يصادف ما لا ريب به من المبادرات الخلاقة للنهوض بالواجبات الوطنية، فعلى الصعيد السياسي، تبوأ العديد من افرادها لقيادة المنظمات والأحزاب السياسية. وغُيب العشرات منهم في أروقة التعذيب الفاشية من قبل ذوي الانتماءات القومية والطائفية، بينما راح المتشددون الإسلاميون والقوميون ومن يدعي زورا انتماءه للوطن وحمل هويته إلى محاربة الأديان الأخرى اجتماعيا واقتصاديا، بخلق مبررات، هجرتهم القسرية، خلال عقود وبصورة خاصة في العقدين الأخرين  وبذلك، يكونوا قد ساهموا بشكل مباشر بالتأثير السلبي على نسبتهم العددية وخاصة في وسطه وجنوبه، بالإضافة لما نجم عن ذلك زعزعة الاستقرار وهز النسيج المجتمعي وخلخلة الوضع الاجتماعي وللاقتصادي المتخلخل أصلا ، حيث مورست اساليب دون ردع السلطات المعنية بحماية المواطن من شرورهم وكأنما هناك نية لطرد المسيحيين والصابئة المندائيين وغيرهم من تلك المناطق (مناطق الوسط والجنوب) والذي أخذ مجراه يتضح بعد 2003 إذ توسعت عمليات التزوير لوثائق أملاكهم غير المنقولة على الرغم من عدم وجود داعش في تلك المناطق. مع ملاحقتهم وتهديدهم بالتصفية الجسدية مما حدا بهم اللجوء إلى أماكن آمنة بما فيه تفضيلهم الخروج منها، وحتى ترك العراق، حيث استخدمت القوى المتشددة إسلاميا وسيلة الدين والمذهبية، خاصة عندما ارتبط حراكها بوشائج طائفية مع دول الجوار، وصارت تابعه لها سياسيا ومؤسساتيا، مع عدم إغفال مدها بالمساعدات المادية واللوجستية، سيما وإن أوامر توجيه حراكها، يتم من قبل قيادة تلك الدول. التي كانت تحثها على التموضع في الدوائر الإدارية والأمنية للدولة العراقية، مشكلين جهاز دولة عميقة، تعيق عملية التغيير والإصلاح، ومواصلة نهج المحاصصة المقيت الذي وقفت القوى الوطنية مع بقية مكونات شعبنا العرقية ضده وفضحت أساليبه في كشف فسادها وإفقار الشعب عبر  نهب خيراته، سيما بعد أن حققت مقاصدها، وخاصة مقاعد في البرلمان، ومواقع هامه في مراكز القرار، على الرغم من تنبيه القوى الوطنية والديمقراطية، وبعض المراقبين من مغبة ذلك الذي ستكون له نتائج سلبية على العملية السياسية ويخلق منظمات ولائية تابعة لدول الجوار ستتحكم بالقرار العراقي، وتفرض طريقها الخاص بالتنمية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية،   

 لقد بذلت القوى الديمقراطية والوطنية جهودا مضنية بضرورة التمسك بالهوية الوطنية وبامتداداتها النضالية، وانفردت المرجعيات الدينية لمكونات شعبنا العرقية بحث رجال الثقافة والكوادر العلمية عدم ترك العراق فريسة للولائيين ودول الجوار القريبة والبعيدة، بتحمل اعباء الشقاء الذي نتج عن تسيدها، حيث ما انفكت بتعزيز نهجها وترسيخه، بما ضمت لصفوفها من بسطاء الناس الذين سحقهم الفقر، بخداعهم بشعارات مذهبية غايتها كل ما تحصل عليه تجييره لصالحها فحسب. بينما استمرت القوى الوطنية بالمطالبة، بخلق الظروف المواتية لعودة من هجر قسريا، وحث الناس على التمسك بالهوية العراقية ومحاربة الطائفية ونهجها المحاصصاتي، المعادي للهوية العراقية. بروح حب الوطن التي زكتها دماء ابطال تشرين الأماجد وطوروها سلميا تحت شعار نريد وطن لتصبح متواصلة الترابط في البنية المستقبلية للمجتمع العراقي.

لقد استطاعت القوى المعادية للهوية العراقية منذ تبني راية الصحوة الإيمانية من قبل (النظام الدكتاتوري) توسيع حراكها العلني مستغلة الديمقراطية الهشة التي تتبعها الحكومة، واستعملت مكبرات الصوت للدعوة لعدم مشاطرة المكونات العرقية غير المسلمة احتفالاتها كعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وغايتها هدم جسور السلام والمحبة بين الناس، ظانين أنهم، سيجدون مستقرا لهم بين صفوف الشعب، وستتاح لهم فرصة تقسيم الشعب العراقي على أساس طائفي قومي. غير بعيد عنها المخططات الأمريكية، خاصة بعد مجيء صاحب مشروع تقسيم العراق بايدن. لقد باء الإثنان بالفشل الذريع، إذ لم يجدا لهم موقع قدم فيه، لتمسك الجماهير الشعبية بالهوية الوطنية، وما عكسته وسائل الاعلام الرسمية، (وكأنها تقول لا مكان لكم يا مهدمي جسور التواصل الاجتماعي) من مباهج مراسيم احتفالات عيد ميلاد سيدنا المسيح ورأس السنة الميلادية، بإعطاء أهمية خاصة لهذين الحدثين، لدليل على جذورية التنسيق والتعاون بين المكونات العرقية لشعبنا من أجل بقاء العراق حاضرة للعلم والثقافة والتماسك المجتمعي في المنطقة. المسجلة بأحرف من نور في تاريخ العراق.

 

عرض مقالات: