ما مر يوم والعراق ليس فيه دم. هكذا بات قدر العراقيين من مشاريع النحر الذي بقيّ يلازمهم منذ حكم الطاغية المقبور وما قبل ذلك، حتى مجزرة بغداد الجديدة وميسان اللتين وقعتا قبل يومين، وكأن عملية التصفيات قد تمت برمجتها حسب المكان والوقت وطبيعة الأشخاص المراد تصفيتهم، وإذا ما سأل سائل بعيد عن مسرح المذابح ولا علم له بتفاصيل ما يجري: هل حقا يحدث هذا المحو كله في العراق؟ وهل أن العراق تحول الى مسلخ بشري؟ ولماذا كل هذه الاستهدافات المخيفة والتي تجري في وضح النهار وعند مرور العابرين وبطريقة تثير التحدي للسلطة وكافة تشكيلاتها الأمنية التي تعدّت بمجملها المليون أو ما يزيد، مع وجود وسائل كشف من كاميرات مراقبة توزعت على عموم بغداد وانفقت من أجلها المليارات من الدولارات عدّا ونقدا، وأسلحة الكواتم تنتشر على بيّنة وبعلم ومشاهدة وتشخيص هذه الأجهزة التي تكلف ميزانية البلد أرقاما فلكية يدفعها العراقي المغلوب على أمره من ميزانيته الوطنية لتتحول الى تمويل يذهب الى جيوب القتلة، لأن الاطلاقات التي توجه الى صدور الضحايا قد تكون قد أنفقت من جيوب المغدورين أنفسهم. لاحظ معي هذه المشاهد المرعبة والمأساوية عزيزي وهي تجري بطرق فاقت التصور وحتى الفهم السريالي للأحداث.
في العراق اليوم توجد حالات نادرة من العبث السياسي والأمني ونهب المال وتحدي القوانين ومواجهة السلطة باستهتار وتحقير وعدم الاعتراف بإجراءاتها (الامنية) وتشكيل مليشيات ومافيات سلب ونهب وتنصيب من يساير بلطجتها والتسلط على رقاب المواطنين لفرض الإتاوات واتخاذ الصمت المطبق إزاء التجاوزات التي فاقت تصور العقلاء الذين عجزوا عن فهم ما يجري من انفلاتات وافعال تقرر مصائر الناس أو كل من يتطاول على ما تقوم به هذه العصابات المجرمة، تذكيرا بتوصيف طيب الذكر دريد لحام "حارة كلمن إيدو إلو". فتحول العراق منذ سقوط نظام الطاغية حتى هذه اللحظة الى ساحة من الاحتدامات والتجاوزات وتشكيل عصابات النهب والابتزاز، بمباركة الأحزاب الإسلامية والكتل السياسية متمثلة برؤساء وزارات ووزراء وموظفين سامين وفتح المنافذ لكل مجرم وفاشل وعديم ضمير ورث وذي ماضي اجرامي وكل من عافته الأرض للعبث كيف يشاء لمجرد بث الرعب في نفوس المعارضين لهذه السلوكات الهمجية وغير الإنسانية حتى بلغ السيل الزبى بالعراقيين، الأمر الذي دفع المتضررين من العراقيين الأبرياء الى التحرك الجمعي الرافض لهكذا تجاوزات لا يمكن توصيفها في قواميس الأفعال البربرية المشينة.
فكانت هبّة تشرين المباركة والتي انصهرت فيها كل الأصوات الوطنية المعارضة للسياسات الهوجاء وحالات تفشي الفساد ونهب خيرات البلاد ورهن العراق بيد الأجنبي الذي لا يريد خيرا للعراقيين، ليتحول هؤلاء المرتزقة وفلول القتل الى مجاميع تأتمر بأوامر تيجان رؤوسها وتحمل أسلحة الفتك لتنال من الثائرين الجدد الذين أبو إلا أن يواجهوا الرصاص وعبوات القتل القذرة وكواتم التصفيات بصدورهم العارية وصيحاتهم المجلجلة، غير مبالين بالخطر الداهم الذي يحيط بهم، وهم يعلمون بأنهم باتوا أهدافا معلنة وغير معلنة لأسلحة الجبناء والخانعين وخدام أعداء الوطن والشعب من الصبيان والرعاع.
أن العراقيين يواجهون محنة حقيقية بوضعهم أمام أمرين لا ثالث لهما: إما الخنوع التام لهذه العصابات ومن يتبنى أفعالها الإجرامية ويباركها ويمولها، أو أن يلوذوا بالصمت وعدم تبيان أي احتجاجات إزاء رعونة مسلحي القتل الأرعن وفرسان التصفيات الجبانة، وكما هو معروف عن العراقيين المعروفين بالصبر والأناة وتحمل الويلات، حتى يبلغ رفضهم مديات تفزع الجبناء والمجرمين، فكانت انتفاضة تشرين المباركة من عام 2019 وما قبل ذلك، معلنين رفضهم ووقوفهم بوجه تجاوزات الفاسدين وناهبي خيرات البلاد وأرزاق العباد ، فكانت الهبّة الجماهيرية الواسعة التي فاجأت الخونة ، مما دفع بفصائل الميليشيات وغيرهم بتجنيد رعاع وتافهين وقتلة بعد أن اغدقوا عليهم من أموال الشعب وافرغوا خزينة البلاد التي كانت تقدر بمئات المليارات، ليتحول فقراء الأمس ومعوزوه الى اثرياء وأصحاب عقارات واملاك وأموال طائلة، الأمر الذي حولهم الى حيوانات مفترسة، تاركين العراق والعراقيين ومستقبل أبناء الوطن جانبا، ليتفرغوا الى أدوات قتل وتصفيات ونحر ما توقف يوما وبتحدٍ لكل شيء، فلم يأبهوا لا بالقوانين ولا بحقوق الانسان ولا بحرمة الدم العراقي، وأباحوا لأنفسهم نحر الشباب المسالم، فراح ضحية هذه الأفعال القذرة مئات من الشهداء الأبرياء وآلاف الجرحى والمعطوبين والمقعدين، لتتحول هجماتهم البربرية لتصفية الأصوات الحرة من الشباب الثائر بكواتم جبانة وناسفات قذرة، لنفاجأ يوميا باستهداف ضحية جديدة، فتحول العراقيون الرافضون لسياسة الهمج الجدد، الى ارقام تصفيات وضعهم القتلة ضمن لوائحهم واجنداتهم الحاقدة، تنفيذا لأوامر أسيادهم من خارج الحدود.
وبعد ألاف الضحايا من الشباب التشريني الثائر بين قتلى وجرحى ومعطوبين، توجه القتلة الى اختيار أهداف، هم الشباب الذين أبوا أن يلوذوا بالصمت ويذعنوا للأمر الواقع، فظلوا في ذات النهج الرافض للسلوك السلطوي وحالات الفساد والعبث اليومي ومشاريع القتل المعلن، وفاء لأقرانهم من الضحايا الذين سبقوهم، وحافظوا على رباطة جأشهم ليواصلوا تحديهم البطولي للطغمة الفاسدة وادواتها المجرمة، وهم يعلمون بأنهم أهداف لرصاص الغدر والفعل الجبان.
وها هو صلاح العراقي ضحية جديدة من ضحايا جبناء الخضراء ومن جندوهم لاستهداف هذا الشاب الوطني الذي لا يحمل في قلبه غير حب العراق ومستقبل الأجيال الصاعدة، أسوة بمن سبقه من الشهداء لتستمر القافلة وهي الأمل الوحيد بتحرير العراق من القتلة الجدد، ليلتحق الرعاع بمن سبقهم من مجرمي البعث الفاشي.
وفي ذات الوقت وصل رصاص الجبناء الى جسد أستاذ جامعي في ميسان، واللائحة لا نهاية لها، ويقينا أن القتلة قد وضعوا في قوائم القتل أسماء أخرى والسيناريو يبدو لا نهاية له إلا بالخلاص من هذه الفلول المجرمة بهبّة جماهيرية عارمة تستهدف القتلة والفاسدين، وهذه هي اللغة التي يفهمها الجبناء، لأنهم يستعدون الآن لترتيب اوراقهم الصفراء للبقاء في سدة الحكم بأية وسيلة كانت من خلال الانتخابات القادمة.
فليعلم العراقيون ممن ينشدون الخلاص من هؤلاء ، بأن رثاثات الخضراء ومن يدور في فلكهم سوف لن يستسلموا ويتخلوا عن امتيازاتهم وأساليب نهبهم تكملة لمشروع خراب العراق الذي وضعه لهم من لا يريد الخير للعراق والعراقيين، وسيستمر مسلسل القتل دون رادع قانوني أو أخلاقي، لهذا ينبغي على المجتمع الدولي والمنظمات التي تدافع عن حقوق الانسان والمحاكم الدولية وكل من له شأن بالحفاظ على أرواح الأبرياء من العراقيين، التحرك على نطاق واسع، والمطلوب هنا من كافة العراقيين داخل وخارج العراق التحرك وتشكيل مجاميع دفاع للحفاظ على أرواح العراقيين ممن يستهدفهم القتلة وإيقاف هذا الاستهتار الذي سوف لن يتوقف الا بوجود مد حقوقي وانساني ومجتمعي فاعل للدفاع عن هؤلاء الأبرياء وتقديم القتلة والمجرمين الى العدالة الدولية، لأنها حروب إبادة بحق الشعب العراقي.
وهذه دعوة للضمائر الحية لإسناد العراقيين في الدفاع عن ارواحهم وبقاء بلدهم في منأى عن جرائم أحزاب الإسلام السياسي التي تحولت الى اذرع بطش وإرهاب وقتل لا يمكن إيقافه الا بالجهد الإنساني والقانوني بتحريك هذه القضية على جميع المستويات عبر المجتمع الدولي وتحفيز الجماعات الحقوقية لتقديم الجناة للمحاكم الدولية .
المجد لشهداء العراق الميامين من ابطال ثورة تشرين المباركة وكافة شهداء الوطن الجريح
وأصدق المتمنيات للجرحى والمعطوبين
والخزي والعار للقتلة الرعاع
وعاش العراق خاليا من فلول الفساد والتصفيات الذليلة.