ارتفع عدد من شردتهم الحرب الدائرة في اقليم تيغراي الاثيوبي منذ بداية القتال أخيرا حتى الآن،  من 6 آلاف الى 20 الف  لاجيء تدفقوا على الاراضي السودانية، بحسب مصادر اعلامية. وفي اثناء ذلك يتواصل القتال بقصف الثوار مطارات داخل اقليم أمهرا واهدافا في اريتريا، منها مطار اسمرا الدولي.

لكن برغم هذه التطورات الميدانية على الارض، نسب التلفزيون الاثيوبي الى مصادر في الجيش الفيدرالي الاثيوبي ان انذاراً وُجّه للثوار، بتسليم اسلحتهم  في غضون اسبوع من تاريخ الاعلان الذي مضت عليه ثلاثة ايام، فيما اعتبر ان  قادة جبهة الاقليم خارجين على  القانون، ورفع عنهم الحصانة تمهيداً لمحاكمتهم، في الوقت الذي ما زالوا فيه  يرفعون السلاح ويتقدمون من هدف الى آخر.

فهل هناك اسباب موضوعية تجعل اديس ابابا واثقة من النصر؟ ام ان الامر لا يتجاوز الدعاية التي يلجأ اليها الاعلام الحربي اثناء احتدام المواجهات، بهدف رفع الروح المعنوية.

قبل الاجابة على هذا السؤال دعونا نشير الى ان النزاع الاثيوبي يدور هذه المرة في ظروف مختلفة، تتسم فيها علاقات الدولة الافريقية الكبيرة مع جيرانها في السودان واريتريا بكونها جيدة. على عكس المرات السابقة التي اشتعل فيها نزاع مماثل.

وكان هذا الخلاف في الماضي، خاصة مع السودان، تتوفر خلاله ملاذات آمنة وامكانية تقديم الدعم اللوجستي للثوار. الامر الذي يطيل أمد الحرب ويجعلها في احيان كثيرة  تصل الى اهدافها. 

وقد استطاعت الجبهة الديمقراطية الاثيوبية بقيادة (ملس زيناوي) والمكونة من القوميات المناهضة لقومية الامهرا، من  الاستيلاء على السلطة ودحر الارسترقراطية العسكرية، التي اطاحت بالامبراطور الاثيوبي (هيلا سلاسي) وحكمت اثيوبا فترة طويلة من الزمان.

وجرت هذه العملية بمساعدة جهاز الامن السوداني في عهد جعفر النميري، ثم تواصلت بدعم سوداني مماثل خلال عهد عمر البشير المنهار.  ووفر السودان كذلك المأوى والدعم لثوار اريتريا حتى وصلوا الى اسمرا واعلنوا دولتهم،  فيما استمر الدعم لتنظيم الجهاد الاثيوبي. وفي المقابل ساعدت اثيوبيا المعارضين السودانيين، خاصة الحركة الشعبية وقوات تنظيم التحالف السوداني،  واتخذت اريتريا نفس الموقف.

الا انه مع تحسن العلاقات بين البلدان الثلاثة كان على الثوار هنا وهناك مغادرة الاراضي التي تنطلق منها عملياتهم. وقد لعبت الدول المعنية دوراً في دفعهم للتوصل الى اتفاقيات سلام، مثل اتفاق مصوع بين التجمع الوطني الديمقراطي المعارض وحكومة السودان.

لكن الوضع المشار اليه لم يعد قائماً. فاريتريا توصلت الى اتفاقية سلام مع اثيوبيا بعد ان تخلت لها الاخيرة عن بعض الجزر المتنازع عليها.  وتبعاً لذلك حوّلت ملاحتها البحرية الى ميناء مصوع بدلاً عن المواني السودانية،  مما يقلل الكلفة بنسبة عالية. واعتبر ثوار تيغراي هذا الاتفاق تنازلاً على حساب مصالح اقليمهم، مما جعلهم يستهدفون الاراضي الاريترية.

وبالنسبة للسودان شهدت علاقاته مع اثيوبيا تحسناً كبيرا،ً ولعبت القيادة الاثيوبية الحالية دوراً كبيراً في توقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني السودانيين، التي تأسست عليها حكومة الفترة الانتقالية الحالية.

والسودان في ظروفه الحالية لا تحتمل اوضاعه الاقتصادية تدفق مزيد من اللاجئيين على حدوده الشرقية.  لذلك تقتضي مصالحه تسوية النزاع الاثيوبي باسرع ما يمكن ، مما يوجب عليه ان يلعب دوراً حيادياً بين الطرفين. وفي اول لقاء له مع ابي احمد وقد طالب رئيس الوزراء السوداني حمدوك في اول لقاء له مع نظيره الاثيوبي ابي احمد، بوقف الحرب فوراً. كذلك اشترطت الحكومة السودانية على كل من يدخل اراضيها ان يتخلى عن سلاحه.

وعلى الرغم من الاشارات غير المؤكدة حول احتمالات تدخل مصر في النزاع، الا ان القاهرة لن تحاول حسم الخلاف بينها وبين اديس ابابا بعيداً عن التفاوض.  خاصة وان السودان لن يسمح بمرور مساعدات للثوار عبر اراضيه، والا فقد  موقفه الحيادي الذي يؤهله لان يلعب دوراً في حل نزاع هو من اكبر المتضررين منه.

لذلك يُرجح ان تواجه جبهة تيغراي جيشاً نظامياً اثيوبيا كامل العدة والعتاد داخل جغرافية محدودة، مع عدم توفر امكانية الدعم الدولي والاقليمي بأي طريقة من الطرق. مما سيدفعها طال الزمن ام قصر للاستسلام وبشروط صعبة.

لكن هذه الحرب تضع الكفاح المسلح داخل الدول بعيداً عن العلاقات الخارجية، موضع تساؤل.  وبرغم الاضرار التي يمكن ان يلحقها الدعم الخارجي بالسيادة الوطنية، الا انه هو ايضا رهن بتحسن العلاقات الخارجية بين الدول التي يدور على اطرافها، مما يعني ان الحركات المطلبية التي تحمل السلاح تغرس راياتها  في رمال متحركة، وتكون هي اول ضحايا هذا التحرك.

الخرطوم