سجل شعبنا العراقي ملاحم كفاحية عظيمة في سفره النضالي ومنازﻻته البطولية مع الحكومات العميلة والجائرة، في تشرين الثاني 1952، وتشرين 1956، وتشرين 2019، ذلك من اجل اﻻستقلال والحرية ونيل الحقوق المهضومة.
ففي اعقاب وثبة كانون 1948 تم الإعلان عن الأحكام العرفية، والتنكيل بالقوى الديمقراطية وﻻ سيما اصدار احكام الإعدام على قادة الحزب الشيوعي العراقي، يوسف سلمان يوسف (فهد)، وحسين محمد الشبيبي (صارم)، وزكي محمد بسيم (حازم)، وتنفيذها في شباط 1949، مما خلق تذمرا واسعا لدى الجماهير. فما ان بدأت سنة 1952 حتى ارتفعت وتيرة النضاﻻت الشعبية الجماهيرية؛ العمال يقومون بالإضرابات في بغداد والحبانية والشعيبة، وغيرها، الطلبة يوسعون نشاطاتهم الوطنية واضراباتهم الشاملة، الفلاحون يتحركون للمطالبة بالأرض وبقسمة منصفة للمحاصيل، حركة أنصار السلام تضم اوساطا شعبية واسعة، الأحزاب الوطنية العلنية تستعيد نشاطاتها بفعالية، والصحافة الوطنية تعكس نضاﻻت الجماهير وتفضح الحكم ومشاريعه المشبوهة.
لم تكن حركة شعبنا الوطنية آنذاك بمعزل عن تطورات الوضع في المنطقة والعالم، حيث هب الشعب اﻻيراني وامم شركة النفط اﻻنكلو ايرانية، واشتد نضال الشعب المصري، والغيت معاهدة 1936، واسقطت الملكية في مصر في تموز 1952.
في العراق، كانت المبادرة من طلبة جامعة بغداد، عندما بدأ طلبة كليتي الصيدلة والاقتصاد بقيادة اتحاد الطلبة العام، الإضراب الذي اعقبه تصاعد للحراك الجماهيري وانطلاق انتفاضة تشرين الثاني 1952 التي سرت شرارتها من بغداد الى مدن عراقية اخرى، ردد فيها المتظاهرون شعارات: تسقط حكومة مصطفى العمري / اخرجوا ايها المستعمرون. وطالبوا بتأميم النفط وقيام نظام جمهوري. وكان الشاعر محمد صالح بحر العلوم يتقدم الجموع ويلقي اشعاره الثورية عليهم. وكان العامل كمال عبد اللطيف اول شهداء الانتفاضة في بغداد.
اما من نتائج اﻻنتفاضة هو سقوط وزارتين في أقل من يومين، وعرقلة المشاريع الإستعمارية في العراق وفي المنطقة، وتنمية الحركة الجماهيرية والنقابية. واكدت اﻻنتفاضة التي رفع خلالها الحزب الشيوعي العراقي شعار (العمل للعاطلين والخبز للجائعين والأرض للفلاحين) درس ضمانة انتصار ارادة الجماهير بوحدة قواها الوطنية المخلصة، ودرس؛ ان هذه اﻻرادة لن تقهر مهما طال الوقت، وان التضحية في سبيل حرية الوطن وسعادة الشعب لن تذهب هباء.
وفي عام 1956 ما كاد اﻻعتداء الثلاثي على مصر ان يطرق اسماع العراقيين، حتى هبوا للتنديد بالعدوان، والتضامن مع الشعب المصري الشقيق، فاعطوا الشهداء، وتحمل المناضلون المعتقلات والسجون، حيث كان للقوى الوطنية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، الدور البارز في قيادة التظاهرات التي عمت معظم المدن العراقية، وكان أول شهدائها في بغداد، الشهيد عواد الصفار. وجدير بالذكر كان من أكبر التظاهرات أهمية خارج العاصمة بغداد هي تلك التي اندلعت في مدينتي النجف والحي، فسقط في النجف الشهداء، احمد الدجيلي وعبد الحسين الشيخ راضي وعبد الأمير الصائغ ورؤوف الدجيلي واموري الفيخراني. وفي الحي سقط الشهيدان كاظم الخويلدي الصائغ وحميد فرحان الهنون والشهيدة زكية شويليه . هذا اضافة الى تنفيذ حكم اﻻعدام بالقياديين في اﻻنتفاضة، الشهيد عطا مهدي الدباس والشهيد علي الشيخ حمود.
من دروس انتفاضة 1956 ايضا، هو تلاحم القوى الوطنية في مواجهة اعداء الشعب والوطن، وهذا ما تجسد في اعلان جبهة اﻻتحاد الوطني عام 1957 التي هيأت ﻻنبثاق ثورة 14 تموز 1958 المجيدة.
اليوم، ومع استمرار انتفاضة تشرين 2019، ما أحوجنا لوحدة القوى الوطنية والمدنية الديمقراطية في مواجهة أعداء الوطن، الذين عاثوا في العراق فسادا وخرابا، حتى عاد اﻻستقلال الوطني منقوصا، والحقوق مسلوبة، والثروات الوطنية منهوبة، والخدمات غائبة، واﻻقتصاد مدمرا، وقتلة المتظاهرين ﻻزالوا طلقاء دون حساب، تحميهم الدولة العميقة بسلاحها المنفلت خارج القانون.
لقد برهنت الجماهير المنتفضة، مرة اخرى على انها لن تسكت على ضيم، وﻻ تبخل من أجل حريتها وحقوقها.
ان سلمية انتفاضة تشرين 2019 وامتدادها في معظم المحافظات قد اكسبتها قوة كبيرة، حتى عادت رقما صعبا ﻻ يمكن تجاوزه، خاصة وهي تتبنى مطالب دستورية مشروعة.
كما اعطت هذه اﻻنتفاضة درسا مهما آخر مفاده ان وحدة المنتفضين وشعاراتهم الواضحة، والتنسيق بين مجاميعهم على مستوى المحافظة الواحدة وما بين المحافظات قد شكلت اساسا صلدا لمواصلة الحراك وتوسيعه وتطوير اساليبه.

عرض مقالات: