التكفير هو الوسيلة التي يلجأ اليها الخطاب الديني لمعاقبة التفكير، من خلال التشبث والدفاع عن الماضي بقيمه واعرافه ومفاهيمه، والمفضي الى مقاومة التغيير والتطور، اي الدفاع عن مصالح قائمة في بنية الحاضر يهددها التغيير وينال منها التطور.

والتكفير هو السلاح المشرع دائما بوجه التغيير والتطور، من خلال اتهامات جاهزة مثل الردة والعلمانية والالحاد. فهم هنا لا يريدون اسلاما عصريا بل يسعون الى اسلمة العصر.

والتكفير ينتمي الى الفكر الديني - اي انه منتج بشري - سواء كان معتدلا ام متطرفا في بنية الخطاب الديني، وهما هنا بذات النوع ولو اختلفوا في الدرجة، لأن كلا الخطابين يعتمد التكفير اذ انه يقصي الخصم فكريا بالنسبة للمعتدلين، والتصفية الجسدية بالنسبة للمتطرفين. واقصاء الخصم فكريا يتم حتى ولو كان الخصم مؤمنا بالاسلام واحكامه بدليل ان هناك الكثير من العلماء المسلمين وقامات مشهود لها بسعة العلم والمعرفة  تم تكفيرهم باعتبارهم مرتدين لمجرد الاختلاف في الرؤى، منهم على سبيل المثال ابو حيان التوحيدي والشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل وابن زرقون شيخ المالكية.

وقدر تعلق الامر بالتشريعات العقابية العراقية فان التكفير لا يعد جريمة - خلافا لما يراه الخطاب الفكري الديني المتطرف – والسبب بسيط جدا هو ان  قانون العقوبات افرد الفصل الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات  للجرائم التي تمس الشعور الديني المنصوص عليها في المادة 372، ونص على الافعال التي تعد جرائم  وهي:  1 - الاعتداء بطرق العلانية على معتقد ديني لاحدى الطوائف الدينية 2 - حقر شعائرها، 3 - تعمد التشويش على على اقامة طائفة دينية او على حفل او اجتماع ديني 4 - تعمد منع او تعطيل اقامة شيء من ذلك، 5 - خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معد لاقامة شعائر طائفة دينية او رمزا او شيئا اخر له حرمة دينية ، 6 - طبع او نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية اذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه او اذا استخف بحكم من احكامه او اي شيء من تعاليمه ، 7 -  من اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية ، 8 - من قلد علنا نسكا او حفلا دينيا بقصد السخرية منه . هذه الافعال في حالة ثبوتها يحكم على مرتكبها بالاحكم الوصوفة للجنح . ولم يكن من ضمن تلك الافعال المجرمة ( التكفير) ، لذا فهو لا يعد جريمة لعدم النص على ذلك ، لابل ان الدستور ذهب الى ابعد من ذك  اذ اعتبر التكفير فعلا محظورا وقد كان المشرع الدستوري واضحا بالنص على ذلك ضمن احكام المادة 7 من الدستور .

وحيث (ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، ولا عقوبة الا على الفعل الذي يعده القانون جريمة ) وهذا هو نص المادة 19 / ثانيا من الدستور . ويضاف الى ذلك نص المادة 1 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل نصت على: (لا عقاب عل  او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ... ) . وحيث ان التكفير لا يعد جريمة لعدم النص عليه في النظام التشريعي العراقي فان اي شخص يحال الى محكمة جزائية لمحاكته بتهمة التكفير يلزم قاضيها الحكم بالبراءة استنادا لنص المادة 182 / ب  من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي تنص على: (اذا وجدت المحكمة ان الفعل المسند اليه لا يقع تحت اي نص عقابي فتصدر حكما ببراءته من التهمة الموجهه اليه).

 وبقي لدينا الموقف القانوني لخطاب التكفير الصادر عن اية جهة افرادا او مجموعات الموجه لاي شخص او جماعة او تشكل مجتمعي يعني دعوة للقتل . يعدها القانون تحريضا على القتل .  ويتحقق التحريض باساليب عدة منها : بالوعد والوعيد قولا اوكتابة او اشارة . وان يكون التحريض مباشرا اذا انصب على فعل يعاقب عليه القانون.

وان تكون النية محددة في ذهن المحرض اي وجود النية الآثمة في نفسه التي تفضي لوقوع الجريمة ، وان تقع الجريمة بناء على ذلك التحريض ، فاذا ما حدث القتل بناء على هذا التحريض  فان المحرض يعد شريكا في الجريمة وهذا ما نصت عليه المادة 48 من قانون العقوبات بالنص التالي :

(يعد شريكا في الجريمة كل من :

1– من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على ذلك التحريض).  وهذا الشريك يعتبره فاعلا القانون فاعلا للجريمة بحكم المادة 49 من القانون ذاته ويعاقب بذات العقوبة التي يعاقب بها الفاعل الاصلي . وبالمصلحة فان اي خطاب يوجه بموجبه التكفير ، ويحصل القتل بناء على ذلك التحريض التكفيري فان المحرض يعد فاعلا  ويحكم بذات العقوبة التي يحكم بها الفاعل الاصلي.

عرض مقالات: