لم تمنعهم الحدود والفواصل والبحار وبعد المسافات، من الوقوف وعلى الدوام مع تطلعات شعبهم العراقي، ومساندة كل اشكال التحرك الاحتجاجي والسياسي الجماهيري، وفي كل الفترات والظروف التي مرت على تاريخ العراق السياسي..

العراقيون خارج الوطن، الذين تعددت ظروف وتفاصيل وأسباب هجرتهم ورحيلهم من وطنهم، والتي باتت معروفة للجميع، لم تنسيهم حالات هذه البلدان وسبل راحة العيش فيها، مآسي وألام وأوجاع وطنهم وشعبهم.

وكانوا على الدوام سنداً وعوناً وقوة، ووقفوا سوية مع أهلهم وشعبهم في أيام المحن والعواصف..

ومع انتشار وتسيد أنظمة التواصل الاجتماعي وتحطم الكثير من الحواجز والموانع بين الناس في كل العالم، وتزايد فرص الاتصال المباشر بين البشر، وتوفر سبل التعبير عن الرأي والفكر، كان للعراقيين خارج الوطن دوراً أساسياً وملحوظا ومؤثراً، في التعبير عن مشاهداتهم وانطباعاتهم عن ظروف البلدان التي عاشوا فيها، وكيف تنعمت بسبل الرفاه والتقدم والتطور، والدعوات المباشرة والغير مباشرة لأهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم وأهل الوطن عموما، بأن الصمت والركون الى اللا أبإلية ستبقي حالهم متخلفاً، وأن في الحركة والاحتجاج والمطالبة بالحقوق وتغيير الواقع تكمن أسباب الرقي والتقدم ومساواة البلدان التي سبقتنا في الاعمار والحضارة وتوفر سبل العيش الرغيد.

ومنذ اللحظات الأولى للتحرك الشبابي الاحتجاجي في تشرين 2019، شرع العراقيون في كل الرقعة الجغرافية التي تواجدوا فيها خارج الوطن، للتواصل مع ساحات التجمهر والانتفاضة في بغداد التحرير، ومع باقي الساحات والمحتشدات، وعبر اعلان أشكال الدعم والمساندة والتضامن والتأييد، والتي تمثلت بالتحشد والتظاهر أمام السفارات والقنصليات العراقية خارج الوطن، وأمام مقرات المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وعند عتبات الهيئات السياسية والاجتماعية المسؤولة في هذه البلدان، معرفين بالشعارات والمطالب المشروعة التي كانت المحرك  لشرارة انتفاضة تشرين الباسلة، والتي نادى بها ثوار شبيبتنا في كل مدن الوطن.

ولم يألوا جهداً في الاتصال بعدد كبير من أصحاب الشأن والنفوذ والمؤثرين في سياسة بلدانهم الخارجية، ومع ممثلي هذه الدول في المنظمات السياسية الدولية، ومنها الاتحاد الأوروبي، وفي سبيل كسب أكبر التأييد والمساندة للمنتفضين والانتفاضة، ومحاولة الضغط على الحكومة العراقية وأهل السلطة في العراق، لوقف أعمال القتل والبطش والاختطاف والاحتجاز، ومنع التصدي للمتظاهرين، وكفالة دوام استمرار حقهم في التظاهر الذي كفلته القوانين الوطنية والدولية.

ومع دوام الاحتجاج والتظاهر واتساع رقعة الاحتجاجات الجماهيرية والتي شملت قطاعات شعبية واسعة وامتدت لتشمل الكثير من مدن العراق وساحاته، تواصلت أشكال الدعم والمؤازرة للمنتفضين، مع الحرص على أهمية دوام هذه الاحتجاجاجات حتى تحقيق غايات الخلاص من طغمة الفساد والتحكم وسراق الوطن، وتمثلت في حملات تطوعية كبيرة لتوفير مستلزمات نجاح ودوام الانتفاضة، وتمثلت في مواد عينية مختلفة طبية وغيرها، وفي الدعم المالي المباشر.

 وقد لاقى هذا الجهد والمسعى الترحيب والإشادة من قبل المنتفضين وجماهير الشعب عموماً، وأسهم ولو في حدود بسيطة، في تخفيف أعباء الظروف القاهرة التي رافقت أشكال التظاهر والاحتجاج.

وفي حالة راقية يشهد لها، ضمت ساحات الانتفاضة عدد من الناشطات والناشطين المدنيين الذين تركوا أوطان عيشهم خارج الوطن، ليكونوا قريبا من جماهير الشعب المنتفضة، متلاحمين في صور مشرفة مع المنتفضين في سبيل الحقوق والمطالب.

ولتحشيد أكبر تأييد شعبي وجماهيري خارج الوطن، مع الانتفاضة والمنتفضين، ومن أجل كسب التضامن الشعبي الأممي، بادرت العديد من منظمات المجتمع المدني العراقية الى كتابة المذكرات والنداءات وعرائض التضامن والاحتجاج والتي ضمت تواقيع المئات من منظمات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات الدولية، مع الحرص على نشر هذه المذكرات وعرائض الاحتجاج في وسائل الاعلام المختلفة داخل الوطن وفي خارجه، ومن أجل تحشيد وتوسيع مساحة التضامن الشعبي الاممي مع الانتفاضة والمنتفضين.

ومن اجل تنسيق المواقف والرؤى والأهداف حرصت العديد من منظمات المجتمع المدني العراقية المتواجدة خارج الوطن، على ادامة الصلات مع المنتفضين، ومحاولة تزامن النشاطات في الوطن وخارجه وبالشكل الذي يظهرها قوية متماسكة وشعبية في مطالبها وشعاراتها، مع الحرص على عدم التشتت والفئوية في المطالب، مع ضمان توفير أكبر قدر من الجهود لنشر وبث وإظهار اشكال الاحتجاج والتظاهر، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الشخصية والعامة، ودوام نقل الاخبار والمعلومات والتحركات، والذي ضمن سرعة في المواقف السياسية للمنظمات والدول والأحزاب المختلفة في العالم..

كما شهدت منصات التواصل الاجتماعي العديد من الندوات والفعاليات السياسية والثقافية والفكرية التضامنية مع قضية الانتفاضة والمنتفضين، والتي ساهم فيها عدد من المفكرين والمثقفين والمهتمين بالشأن العراقي، وحضرها عدد كبير من العراقيين في الوطن والخارج، وهي صورة مشرقة من صور التضامن والمساندة...

خارج الوطن يعيش اليوم قرابة أربعة ملايين عراقي، وبالتأكيد فأن العدد الأكبر منهم يرومون ويحلمون، حالهم مثل حال أهلهم وشعبهم في الوطن، في أن يروا عراقاً آخر، وطن ينعم بالتطور والرقي والحضارة، وتتوفر فيه كل سبل الحياة الطبيعية التي تضمن سعادة ورفاه الناس..

ان الشوق للعودة للوطن ظل هاجسا على الدوام في قلوب وعقول العراقيين الذين غادروا أوطانهم، وكانوا يدركون تماما أن المتسببين الحقيقيين في دوام تغربهم ومحنتهم، وبعدهم عن وطنهم، هم أحزاب الفساد والمحاصصة، الذين تولوا شؤون البلاد وعاثوا فيها فساداً ودماراً، وهذا ما كان يضيف الكثير من الحماس والاندفاع في التضامن والمساندة للانتفاضة والمنتفضين، كخلاص لهم في المستقبل، والذي يضمن في حال تحقق الأهداف والمطالب، عودة طبيعة للذين اضطرتهم الظروف لهجرة مدتهم وأهلهم ووطنهم.

ومع مرور عام على انتفاضة تشرين الجبارة، يبقى الهدف الأسمى هو دوام كل أشكال التضامن الأممي والشعبي العالمي وفي كل البلدان، مع قضية المنتفضين، في سبيل تغيير نظام الاستبداد والمحاصصة والشروع في تأسيس دولة المواطن العادلة، الدولة التي تضمن العيش الرغيد والكريم لجميع مواطنيها.

في هذه المهمة الجبارة يتحمل الشيوعيون والمدنيون واليساريون وعموم الوطنيين والحريصين على دوام الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها، مسؤوليات اكبر وأكثر من التي اجترحوها طوال اكثر من عام، وسجلوا فيها مواقف مشرفة في التضامن والمساندة، وعبر ابتداع طرق وأساليب جديدة في كسب الرأي العام في العالم لقضيتنا العراقية العادلة في الحرية والسلام..

المجد ما شرقت شمس وما غربت لشهيدات وشهداء الانتفاضة..الظفر للساعين نحو الحرية والعدالة وتعمير الأوطان...

عرض مقالات: