الجريمة المروعة التي هزت العراق من اقصاه الى اقصاه، ارتبطت بنهر دجلة، حيث القت أم أطفالها من فوق جسر الائمة اليه، في واقعة صادمة فاقت كل صنوف الجرائم التي راح ضحيتها ملايين الابرياء في العراق منذ عقود الدكتاتورية، واستمرت بوتائر متصاعدة بعد الغزو الامريكي ومازالت، ولم يسلم منها الشقيقان الخالدان دجلة والفرات، وكل ماله علاقة بتاريخ العراق وحاضره ومستقبل أجياله.
الأم القاتلة مواطنة عراقية، تزوجت وأنجبت ونفذت جريمتها في زمن الفوضى والفساد، الذي صممته وأنتجته وأدامته الحكومات الطائفية المتعاقبة، دون حساب لنتائجه الكارثية على المواطن العراقي المنهك من جرائم الدكتاتورية، والمتطلع الى حياة كريمة يستحقها بعد معاناة عقود من شظف العيش والقمع والفقدان، وقائمة طويلة من تداعيات الحروب.
لا خلاف على مسؤولية السلطات في توفير الأمن والأمان للمواطنين وفقاً لأحكام الدستور والقانون، وإذا كان مفهوم الأمن يتعلق بالحماية من الجرائم، فان الأمان يعني النجاح في تطبيق معادلة (الواجبات والحقوق) على المسؤول قبل المواطن، باعتباره منتخباً من الشعب لإنفاذ القانون، وتقديم نموذجاً ايجابياً للسلطة أمام المواطنين.
كل هذا لم يحصل في العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة، وبقيت معادلة (الواجبات والحقوق) معلقة (أومفسره) وفق أمزجة الحكام واجتهاداتهم البعيدة عن جوهر العدالة الحقيقية الخادمة للمواطن والمسؤول، ليتحمل الشعب فصول متلاحقة من الويلات والخسارات وضياع الفرص على مدى تأريخه.
ان مسؤولية جريمة (الأم) القاتلة لأبنائها تقع على عاتق أحزاب السلطة في العراق، التي نفذت حكوماتها المتعاقبة مسلسلاً متواصلاً لتمكين قوى الفساد والفوضى من الادارة والسيطرة على هياكل السلطة في البلاد، في سابقة لم تشهدها المنطقة والعالم بهذا الحجم وهذه التداعيات، التي كانت ومازالت نتائجها وبالاً على النسيج الاجتماعي ومنظومة القيم الانسانية الراقية للمجتمع العراقي.
الرسالة الرمزية العميقة الدلالة والفاضحة لسلاطين الفساد الملتحفين بعباءة التقوى والجهاد واصول الدين، أن الأم (القاتلة) لأبنائها الأبرياء اختارت (جسر الأئمـــــــــــــــة) الرابط بين الكاظميـــــــة والأعظميــــــــة موقعاً لجريمتها، ليكون الفعل ومكان التنفيذ رمزان متلازمان ومرتبطان بسياسات الأحزاب الطائفية البغيضة، التي دمرت أحلامها وأحلام العراقيين.