تزخر القصص التوراتية بالشخوص والأحداث، حتى لتشيب من تنوعها رؤوس الشباب، ومنها شخصية " شمشون الجبار " المعروفة، والحدث الأبرز المرتبط بها، وهو تهديمه المعبد على رأسه كما على رؤوس اعداءه، بصيحته التراجيدية الشهيرة: " عليّ وعلى اعدائي"!

 ونرى، اليوم، اعادة انتاج نفس المشهد، بعبثية فجة، لا تُسر المواطن العراقي البتة! من خلال هجمات الكاتيوشا على البعثات الدبلوماسية والمصالح الوطنية الحيوية، بدعوى طرد المحتل، وهي ممارسات تحاكي الحدث التاريخي وتحاول اسقاطه على الواقع المعاصر في استعادة لذات العقد التاريخية والسلوكيات العدمية المدمرة، ولكن بشكل أكثر كارثية من سابقتها الشمشونية، دون النظر الى مآلات ما يمكن ان يحدث من تداعيات وعواقب وخيمة للعراق وللعراقيين.

وبغض النظر عن تفصيلات الحكاية التوراتية وغاياتها او فلم " شمشون الجبار " ودوافع منتجيه الفكرية, الذي شاهدته, سابقاً, مع شلّة من اولاد الحي بعد دفع عيدية العيد الشحيحة, في سينما ميامي في مركز بغداد التي هُدمت لاحقاً, ايام حملة صدام الإيمانية, لتتحول الى محطة نقل عام, فأن عموم الحدث يركب مناسباً " بالفت او بالنينية" بالضبط كما " كلاو " على كل ما يحدث اليوم في البلاد من سعي بعض الميليشيات التي ترى في نفسها سيماء شمشونية, لجرّ البلاد, تبعاً لمزاجها, الى أتون حرب مع الأمريكان تحت ذرائع, لا يصدق أحداً بأنها تتعلق بسيادة البلاد وخير مواطنيها, وهم يحملون سلاحاً مقوضاً لهيبة هذه الدولة وقامعاً لشعبها.

الفرق الأساسي بين الحدثين، التاريخي منه والمعاصر يكمن في: من هو العدو؟

... فشمشون التاريخ كان عدوه مركب، ديني - قومي مُعرف:" الأغيّار "... بينما عدو " شماشنة " اليوم من الميليشيات، هو، في حقيقة الأمر، ليس الأجنبي، الأمريكي بالتحديد، الذي جاء بهم الى السلطة، والذي يشاغلونه، بين الفينة والأخرى، بكاتيوشا اعلامية، وانما عدوهم الحقيقي هو الشعب الذي قمعوه بقسوة وحاولوا اخضاعه وتسييره كما يشاؤون، والذي عاندهم ورفضهم في انتفاضة عارمة، ورفض سياساتهم وسرقاتهم وسلوكهم التسلطي وتبعيتهم.

" الشمشونيون " المحليون يسعون الى تحطيم اعمدة الدولة، لكن ليس على رؤوس الأمريكان الذين تجنبوا اصابتهم المباشرة بقذائفهم، والذين لا يقلون شراً مستطيراً عنهم، بل سيكون على رؤوس مواطنيهم.

 فاستمرار الوجود الأمريكي في العراق، هو في حقيقة الأمر ضروري لهم، رغم كلوم قتل سليماني والمهندس، وهم في حاجة اليه... في تخادم مصالح بينهما. فهو مبرر لدعواتهم لمقاومته وضمان لديمومة بقائهم... فبانسحاب قواتهم، سيفقدون تلك المبررات، لاسيما بعد غياب الحجة التقليدية السابقة – داعش.

انهم يدافعون عن مصالح قادتهم التي هي ليست ذات مصالح المواطن العراقي الذي ملّ الحروب والذي ينزع للسلام والبناء والحياة الحرة الكريمة.

 وإذا ما رغبوا حقاً بالانتحار فليبحثوا عن فنائهم الذاتي بعيداً عن العراقيين، الذين لا يرغبون في اعادة تجربة الحروب والحصار لأجل عيونهم.

ان انتزاع آلاف من المواطنين من طوابير العاطلين عن العمل من ضحايا سياساتهم الخاطئة، لزجهم في أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ليكونوا ضحايا اطماعهم الأنانية. وكالعادة مع اعفاء أبناء قياداتهم ومن تحميهم عشيقات عليّة القوم منهم، لن يتكرر!

عرض مقالات: