إن الإعلان عن اتفاق تاريخي آخر بين حكومة عربية في الخليج الفارسي – البحرين – ودولة إسرائيل يمثل يوماً مأساوياً لإيران. وينبغي لإيران، بوصفها بلداً له سكان يهود متجذرون، أن تكون قد مهدت  طريق المصالحة والصداقة مع إسرائيل قبل جيرانها بكثير. وبما أن إيران موطن لطائفة يهودية عريقة، فإن تاريخها متشابك مع تاريخ اليهودية. وفي الواقع، حاولت إيران اتباع طريق التعاون مع إسرائيل. وقد فعلت ذلك خلال النظام البهلوي، ولهذا السبب، كان الشاه محمد رضا بهلوي يحمل عداء جمال عبد الناصر والصحافة العربية المنتعشة في عقد الستينات. وبعد أن اختتم عبد الناصر والصحافة المصرية للتو اتحاداً قصير الأمد مع سوريا واليمن الشمالي يسمى الجمهورية العربية المتحدة، انتقدا الشاه بسبب مبادراته للدولة اليهودية.  كيف تغيّر الوضع على الأرض، يا ترى! واليوم تخوض الجمهورية الإسلامية معركة خاسرة ضد إسرائيل.  وفي الوقت نفسه، تراقب حدودها وهي تستسلم مرة أخرى للضغوطات الجديدة من الخارج. ولا شك أن هذا الاتفاق، مثل الاتفاق السابق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، يتضمن عنصراً معادياً لإيران. تحافظ العائلات الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين على علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من وجود مجتمع فارسي راسخ في وسطها. وفيما يخص إيران، تمثل هذه الصفقة هزيمة أخرى نظراً لأن البحرين، على وجه الخصوص، سبق وأن أصبحت نقطة خلاف بينها وبين بريطانيا. فحتى العام 1971، كانت إيران تطالب بالبحرين باعتبارها مقاطعتها الرابعة عشرة، لكنها أصبحت أيضاً أول دولة تقبل استقلال البحرين وتعترف به. ولتخطي نفوذ إيران، وضعت بريطانيا سياسة استعمارية ــ وولّدت مجموعة من المعارف الاستعمارية ــ التي أعطت البحرين ودبي وقطر ومناطق أخرى جنوب الخليج الفارسي غطاء عربيا مهيمنا لا لبس فيه.  مع مرور الزمن، وجد الفرس أنفسهم غير قادرين على تحدي قوانين الجنسية والممتلكات البريطانية في تلك البلدان. لم يكن المتحدثون بالفارسية والمهاجرون الإيرانيون موضع ترحيب يذكر، وازدادت صعوبة التعرف علناً على الثقافة الفارسية والتشيّع. وخلال نفس الفترة، تصارعت بريطانيا والولايات المتحدة من أجل الحصول على امتيازات نفطية مربحة. وبعد اكتشاف النفط في وقت لاحق خارج إيران، وجد النفط الفارسي نفسه منافساً في سوق عالمية شملت العديد من الحكومات العربية. عقب العام 1953، عاقبت بريطانيا إيران على جرأتها في قيادة حركة تأميميه، جردتها من احتكار اقتصادي مربح. ونفت السيادة الإيرانية في تشكيل الدول التي كان يجري النظر في الاعتراف بها في جنوب الخليج الفارسي. وفي الوقت نفسه، حصلت السلالات العربية على قدر غير مسبوق ومتباين من الثروة النفطية، تاركة المهاجرين والمجتمعات من غير العرب الذين طال أمدهم بدون حقوق اقتصادية وسياسية قابلة للحياة في هذه الدول التي تم سكها حديثاً. ما الذي سوف يحمله المستقبل؟ فيما يخص إيران، تبدو التوقعات قاتمة. بل أصبحت أكثر عزلة على الصعيد الإقليمي ــ وهو مأزق من شأنه أن يجبرها على تعزيز شبكات المعارضة في البلدان المجاورة لإضعاف أعدائها. إن الضغوطات على الحدود الإيرانية سوف تتسبب في زعزعة الاستقرار الداخلي ــ كما هو مقصود ــ ولكنها من المرجح أن تقنع إيران بمواجهة الخطر من خلال تقويض الأنظمة الإقليمية. سوف ستستمر ممارسة سياسة انتقام "العين بالعين والسن بالسن " في التشنج في الشرق الأوسط. وفيما يخص   إسرائيل، فإن هذه الاتفاقات تمثل مكسباً من الطرفين. سوف تتضاءل الثقافة الفارسية على المستويات المحلية، وسوف يتم تقييد  سلطة الجمهورية الإسلامية بشكل أكثر إحكاماً. وفي الوقت نفسه، ستلعب إسرائيل دوراً أكثر وضوحاً في الخليج الفارسي، مع تحسين إمكانية الوصول إلى احتياطيات الغاز والنفط التي تحتاج إليها بشدة. كما أن قرب إسرائيل من إيران سيسهل قدرتها على القيام بأعمال تخريبية ضد الجمهورية الإسلامية في المستقبل. وفيما يخص البحرين والإمارات العربية المتحدة، سيتعين عليهما أن يحسبا حساباً لغضب وسخط سكانهما المكبّتين ، الأمر الذي سيكتسب حتماً ملامح معاداة لإسرائيل. ومن المؤسف أن الأيديولوجية الداخلية في كلتا الدولتين تعنت إسرائيل بالمخنثة وتروج معاداة السامية.  بالإضافة إلى ذلك، سوف يعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة هي تخلي عن الفلسطينيين. ولن يكون الاتفاق، فضلاً عن الحضور المتزايد لقادة رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الإسرائيليين، على ما يرام مع الطبقات الدينية والمحافظة ــ كما حكم عليه موقف جماعات المعارضة.  فإيران ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تواجه السلطة الأبوية والدينية في نهاية الأمر. وأخيراً، فإن السكان غير العرب الذين فقدوا هوياتهم مع مرور الزمن  بسبب تكريس القومية العربية، أو الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوق المواطنة وما يصاحبها من فوائد اقتصادية، سيظلون عنصر معارضة وعدم استقرار، مما يقوض هذه السلالات غير المستقرة. ومع ذلك، من المحزن أن نعترف بأن الجمهورية الإسلامية لم تقدّر حكمة الانفراج تجاه إسرائيل. قبل ذلك بعقود من الزمن، عندما قادت إيران في حُكم البهلوي العرض لإسرائيل، واجهت النبذ من الأصوات المهيمنة من القومية العربية.  وبغض النظر عن الحكومة الإيرانية، يبدو أن الكراهية العربية ومن الدول العربية للفرس تتفوق حتى على خصومتها الطويلة الأمد مع إسرائيل. والادلاء بهذا لا يعفي الجمهورية الإسلامية من الأخطاء التي ترتكبها في صنع السياسة الخارجية، ولا يتجاهل الاتجاهات الثقافية المعادية للعرب في إيران. إن الشبكات الناعمة للتجارة والثقافة التي لا تزال تربط بين الأسر والمجتمعات العربية والفارسية  في جنوب الخليج الفارسي هي بمثابة تذكير هام بأن التنوع العرقي يمكن أن يوجد في سلام في بعض الدوائر على الرغم من صراع السياسات القومية لهذه الدول. ولا تزال سياسة عزل إيران واحدة من التركات المؤسفة للاستعمار البريطاني في الخليج الفارسي، وهي سياسة لابد من معالجتها من أجل استعادة توازن القوى، والسلام، والاستقرار الإقليمي ــ ليس فقط بالنسبة لإيران، بل أيضاً بالنسبة للمجتمعات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط.

عرض مقالات: