تتشابه الطائفية ونهجها في كل من لبنان والعراق والتي أدت الى نفس النتائج تقريبا. فالنفس الطائفي في لبنان يعود الى فترة الاحتلال العثماني للبنان، اذ يعتبر نظام 1861 و1864 المفتاح الرئيسي لأحداث لبنان وتطوراتها المستقبلية الى يومنا هذا. وفي لبنان تم الاتفاق بعد الاستقلال على فكرة التوافق الوطني وليس على اساس الغاء الطائفية. وبسبب النهج الطائفي تردت اوضاع لبنان عاما بعد عام حتى اصبحت أزمة نظام، ثم تحولت الأزمة نتيجة الصراع بين الطوائف الى حرب اهلية دامت خمسة عشر عاما بين 1975 - 1990 أسفرت عن مقتل نحو120 ألف مواطن لبناني وتشريد عشرات الآلاف ونزوحأكثر من مليون مواطن لبناني. وقد أنهى اتفاق الطائف الحرب الأهلية في لبنان،إلا ان التطبيق الناقص للإتفاقأسهم في تعزيز مفهوم الانقسام الطائفي بدل الوحدة الوطنية.
توجد اليوم في لبنان ثلاث ديانات رئيسية معترف بها من الدولة وهي: الاسلام والمسيحية واليهودية. كما تعترف الحكومة بنحو 19 طائفة دينية في لبنان يمثلها اعضاء في مجلس النواب والرئاسات.
لقد تميز النهج الطائفي في لبنان بفشله في تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للبنانيين،وأدى هذا النهج الى تدهور الوضع الاقتصادي والىإفقار المواطن وتفشيالبطالة والفقر، في الوقت الذي تضخمت فيه ثروات بعض الأشخاص على حساب غالبية الشعب،وأصبح الفساد جزءا من النظام الطائفي الحاكم. ويعاني الاقتصاد اللبناني حاليا من الركود وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي وارتفاع نسبة التضخم والعجز المالي المستمر للموازنة، اضافة الى انخفاض احتياطات لبنان من العملات الأجنبية الى اقل من 20 مليار دولار، كما ارتفعت نسبة الديون الخارجية كثيرا والتي اثرت بشكل كبير على اقتصاد البلاد. لذلك وبسبب الأزمات الاقتصادية للبلاد لم تتمكن الحكومات الطائفية اللبنانية من تحقيق مطالب الشعب المشروعة، مما دفع الشعب اللبناني بكافة شرائحه للخروج في انتفاضة سلمية ضد السلطة الحاكمة مطالبا بمكافحة الفساد وانهاء المحاصصة الطائفية وتوفير فرص العمل والقضاء على الفقر وتوفير الكهرباء والماء النقي.
وبحسب اتفاق الطائف توزعت مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ويترأس مجلس النواب اللبناني أحد ابناء الطائفة الشيعية. بينما منصب رئيس الوزراء فمن نصيب السنة، اما رئاسة الجمهورية فمن نصيب المسيحيين، كما هو الحال بالنسبة للتقسيم الطائفي في العراق: رئاسة الجمهورية للكرد ورئاسة مجلس النواب للسنة ورئاسة الوزراء للشيعة. كما شمل التقاسم الطائفي في لبنان الرئاسات الثلاث والمناصب المهمة في البلاد كقائد الجيش ووزير الداخلية ومدير قوى الأمن الداخلي وغيرها. وقد تعرض لبنان بسبب النهج الطائفي الفاشل الى كثير من الأزمات ماأدى الى عجز الحومات المتعاقبة عن القيام بمهامها، اضافة الى تدخلات حزب الله اللبناني في اعمال الوزارات حتى تلك التي لا تكون في جعبته.
الطائفية في العراق
اما الطائفية في العراق فلا تختلف عن لبنان كثيرا، فمنذ 2003 والى اليوم تعمق نهج المحاصصة الطائفية المقيت، وتم توزيع مناصب الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة ومناصب أخرى ضمن الوظائف المدنية والعسكرية وفقا للطائفية والأثنية. فالعراق يتألف من تركيبة سكانية متعددة الأعراق والأديان والطوائف من مسلمين بطوائفهمومسيحيين واليزيدية والصابئة وديانات اخرى أقل عددا، الى جانب القوميات العربية والكردية والتركمانية. وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وضعت سلطة الائتلاف المؤقتة نسبا اتفق عليها لاقتسام السلطات والموارد طائفيا وقوميا، فقد ابتكر الاحتلال الأمريكي نظام (المحاصصةالطائفية) لتوزيع المناصب الرئاسية بين المكونات والأطياف علىأسس طائفية، ولا يزال الحكم السياسي في العراق الى اليوم مبنيا وفق هذا النظام الذي يعتبر مشكلة وليس حلا لأزمات العراق. وطيلة الفترات السابقة كان نظام المحاصصة السبب الأكبر وراء تأخر تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة وذلك لأن كل كتلة سياسية تريد ان يكون لها حصة ونسبة معينة فيالحكومة وهذا ما يزيد حدة الانقسامات. والاستنتاج الذي يمكن ان نخرج به من نظام المحاصصة هو ان النظام السياسي الذي يبنى وفقا لنظام المحاصصة ينتج وضعا سياسيا ضعيفا غير قادر على مواجهة التحديات الداخليةوالخارجية، وهكذا هو حال العراق ولبنان الطائفيين.
في العراق نجد هناك اصرارا من قبل القوى السياسية المتنفذة وفصائلها المسلحة على تنفيذ المحاصصة السياسية والطائفية والقومية، حيث تواجه الدولة العراقية اليوم اضافة الى مشكلة المحاصصة وما نجم عنها من اقصاء للكفاءات وتهجير للعقول، حروبا داخلية بين شركاء الوطن واللغة والدين، كما لاحظنا ذلك في الهجمة الطائفية المتبادلة اعوام 2006 و2007 وعلى إثرها تم تهجير المواطنين والعوائل العراقية على الهوية.وأدى نظام المحاصصة الطائفية الفاشل الى بروز جماعات عنف افقدت البلاد الأمن والاستقرار ومازالت تمارس القتل والاختطاف في ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن المحافظات الوسطى والجنوبية. لذلك يعتبر القضاء على المحاصصة الطائفية وآثارها أحد التحديات الكبيرة مع مكافحة الفساد التي تواجه حكومة السيد الكاظمي، اضافة الى حصر السلاح بيد الدولة سواء الموجود لدى الفصائل المسلحة المنفلتة أوالسلاح الموجود لدى العشائر التي اصبحت في المحافظات الجنوبية دولة داخل دولة.
وبسبب المحاصصة في العراق اصبحت الادارات الحكومية غير قادرة على العمل وفق القانون. وان عرف المحاصصة في تقاسم السلطة والثروة أنتج طبقة مستثمرة في الفساد من أجل الاستدامة والبقاء في السلطة والاستحواذ على منافعها، لذلك فإنها تسعى لاستمرار الأزمات والنزاعات الداخلية كما لاحظنا ذلك من خلال الاغتيالات وقصف المنطقة الخضراء والمعسكرات والمطار وغيرها من اجل افشال الحكومة وتوجهاتها.
ولغرض تجاوز المحاصصة في العراق فمن الضروري:
1) إعمال الحوكمة الحقيقية مع الديمقراطية الحقيقية.
2) اعادة النظر في قانون مفوضية الانتخابات غير المستقلة ونزاهتها.
3) تشريع قانون انتخابات منصف وعادل لا يهمش القوى الوطنية المخلصة والنزيهة ولا يغبن أية فئة في المجتمع العراقي.
4) ان يكون تسنم المناصب الخاصة حسب المؤهلات والخبرة والمهنية والضوابط القانونية.
5) ان تترك الأحزاب السياسية المتنفذة للشعب سيرورته الوطنية بحيث تنحسر المحاصصة تدريجيا ثم تنتهي تدريجيا.
6) ان تكف الحكومة عن تسييس المناصب الخاصة دون الوزارة.
7) حصر السلاح بيد الدولة ونزعالسلاح من الميليشيات الطائفية ومن العشائر مع تقوية القوات النظامية وتكثيف نشرها في مناطق التوتر والنزاع.
8) ان تركز الأحزاب السياسية في برامجها (ان كانت هناك برامج!) على المشاريع والتنمية التي تنهض بالبلاد وليس على المناصب وتقسيم كعكة العراق.
ولكن من سيحقق ذلك؟ هل ستسمح الميلشيات المسلحة واحزابها المرتبطة بأجندات خارجية بذلك؟ وتخسر منافعها.. هذا من التحديات الكبيرة للحكومة الجديدة والتي عليها تحشيد كل القوى الخيرة المؤيدة للإصلاح والتغيير والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية المقيت.